من نتائج الحرب: تجارة الشهادات الجامعية المزورة


فارس وتي

حالة من الفوضى يستغلها تجار الحروب في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، في ممارسة مهنة التزوير، وبيع الشهادات الجامعية والثانوية بأنواعها، علنًا، فقد انتشر عدد من مكاتب التزوير وبيع الشهادات الجامعية والأوراق القانونية، دون أي رقابة عليهم من الجهات الأمنية، أو إدارة التربية الحرة في إدلب، وغالبًا ما تُستخدم هذه الشهادات المزورة لتقديمها إلى المنظمات المُتاحة فيها شواغر العمل في ريف إدلب، مبررين أن هذا العمل لمساعدة المواطنين الذين أضاعوا وثائقهم بسبب الحرب.

وحول تجربته، قال عماد صهيوني، الطالب الجامعي من ريف إدلب، لـ (جيرون): “لم أستطع إكمال دراستي بسبب الأوضاع الأمنية المتردية، وحصلتُ على شهادة في التجارة والاقتصاد خلال عشرةِ أيام بتكلفة 300 دولار”.

تبريرات المستفيدين

غسان أبو رياض، من ريف إدلب في الثامنة والعشرين من العمر، قال لـ (جيرون): “أعلم بأن العمل في تزوير الشهادات عمل غير أخلاقي، لكنني لم أعد أحتمل وضعي دون عمل، وأغلب العمل المتاح في ريف إدلب هو عمل منظمات المجتمع المدني وأعلاها أجرًا ، سمعت بأن هنالك مراكز لتزوير الشهادات الجامعية في مدينة سرمدا في ريف إدلب، كما أن هنالك صفحات تعرض ما لديها من شهادات جامعية وثانوية وأوراق قانونية، توجهتُ إلى هذا المركز لشراء شهادة جامعية باسمي، لأتمكن من الحصول على وظيفة من ضمن الشواغر المتاحة في منظمات ريف إدلب”.

وأضاف: “عند طلبي للشهادة الجامعية من مركز التزوير، تعجبتُ في أمرِ سؤالهم متى تريد سنة التخرج، وفي أي محافظة تريد، وسرعتهم في جلب الشهادة لي مُقابل أن أدفع زيادة في سعرها”.

ويعترف أبو رياض، قائلًا: “لم أستكمل دراستي منذ تسعِ سنوات، والآن أحمل شهادة مزورة، وربما أحصل بها على حق غيري الذي استكمل دراسته”، لكنه يُبرر لجوءه إلى هذه الطريقة بـ “الحاجة الماسة للعمل، خصوصًا مع منظمات المجتمع المدني؛ لأنها تدفع الرواتب بالدولار”.

تخفيضات وخدمات من المزورين

(خ.ح.) صاحب مكتب تزوير ومطبعة في ريف محافظة إدلب، قال لـ (جيرون): “نستطيع تأمين كافة الشهادات الجامعية والثانوية بكافة فروعها، دون أن يُكشف أمرها، إلا إذا تم اللجوء إلى وزارة التربية التابعة للنظام، والبحث عن قيود رقمها”.

وأضاف “هل تريد مصدقة تخرج؟ ادفع 200 دولار، وإذا أردتها مع كشف علامات ادفع 250 دولار، وإذا كنت تريد معهما أيضًا الشهادة الأساسية (الكرتونة) ادفع 300 دولارًا، أما شهادة الثانوية العامة والإعدادية فسعرها 150 دولارًا”.

لكن شهادة الهندسات والطب سعرها أعلى، إذ يبلغ 600 دولار، أما الماجستير، فسعرها 400 دولارًا، “وبإمكانك من خلالها التقدم إلى أي وظيفة داخل وخارج القطر”، كما يتحدث صاحب المكتب عن تخفيض في السعر بحسب عدد الشهادات، “إذا أردت أن تحصل على أكثر من شهادة لأصحابك سيكون لك تخفيض”.

جريمة كبرى

من جهته، يؤكد توفيق رحال، من مديرية التربية الحرة في إدلب لـ (جيرون) أن موضوع تزوير الشهادات التعليمية “جريمة كبيرة، وهي مخالفة للقوانين والأديان، لما لها من نتائج كارثية على البلد، أولها تضييع الفرصة في العمل على أصحاب الشهادات والمؤهلات العلمية الحقيقيين، ووصول جهلة إلى مراتب وظيفية وإدارية”.

وأوضح، قائلًا: “حتى الآن لم نستطع فعل شيء لمحاسبة ومنع هؤلاء من العبث بهوية البلد العلمية، الذين يمارسون هذه التجارة الرخيصة مقابل المال فحسب، وإن معالجتها ومحاسبة مرتكبيها يقع على عاتق جميع الجهات العاملة في مناطق سيطرة المعارضة، لتدارك خطورة هذا الموضوع ونتائجه على هذه البلد”.

وأضاف رحال “منذ الشهر الماضي أجرت مديرية التربية، بالتعاون مع المجمعات التربوية في ريف إدلب، فحص مقابلة للمتقدمين إلى وظائف تربوية من معلمات ومعلمين، وفقّ الاختصاصات التي طرحناها عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمجمعات التربوية، ومن خلال فحص بعض الأشخاص المتقدمين، تبين لنا أنهم لا يفقهون شيئًا، على الرغم من أسئلتنا البسيطة في مجالهم على حسب شهاداتهم الجامعية، حينها تبيّن أن شهاداتهم مزورة، وكل ما فعلناه معهم هو عدم قبولهم وأرشفة أسمائهم في حال تم تزكيتهم من أحد”.

من جانبه، قال سيّار العلي، خريج كلية الهندسة المعلوماتية، لـ (جيرون): “أضاع تزوير الشهادات عليّ فرصة التوظيف في المنظمات العاملة في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، بواقع أن تلك المنظمات تطلب موظفين لكافة الاختصاصات، وهي لا تدقق في موضوع الشهادات، سواءً كانت نظامية أو مزورة، وهذا السبب الرئيس الذي دفع الناس إلى طلب شهادات مزورة، ودفع أي مبلغ للحصول عليها”.

وتابع “إن تزوير الشهادات الجامعية جريمة أخلاقية وإنسانية، فقد ساهمت في استبعاد أصحاب الكفاءات عن ميادين العمل، وأتت بأناس همهم الدولار، ولم يحققوا أي إنتاجية وعطاء، بل سينتجون الخراب والدمار والهدر”.

وعبّر العلي عن أسفه لأن “هؤلاء المزورين مكاتبهم موجودة أمام المحاكم والهيئات الشرعية في مناطق سيطرة المعارضة، يرونهم يمارسون -علنًا- التزوير دون خوف أو خجل، ودون أن يقوم أحد بمنعهم ومحاسبتهم”.




المصدر