إلى أشجار الزيتون


ديمة ونوس

لا أعرف إن كانت قد استُخدمت كلمة “مسلخ” في المحافل الدولية من قبل! إلا أن المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، الأمير زيد بن رعد، استخدمها -قبل أيام- في جنيف؛ ليصف ما تتعرض له مدينة حلب من قصف وحصار، واستخدمها قبله بان كي مون في وصفه ما يحدث في حلب، قبل شهر تقريبًا.

منذ يومين، أعلنت صحيفة “جيرون” عن توقف موقعها الإلكتروني -لساعات- أمام ما يحدث في حلب من محاولات لتهجير أهلها وطردهم من أرضهم؛ فالصمت في أحيان كثيرة أبلغ من التنظير لمآسي شعب يعيش في “مسلخ”، الشعب المُحاصر الذي اختار النزول إلى الشارع والتظاهر، مستغلًا “الهدنة”؛ ليُرسل إلى العالم -عبر فيديو قصير- رسالة من المفترض أن تصيب أي سوري يعيش في مناطق النظام بالخجل.

أذكر -هنا- الانتقاد الذي وجّهه لي صديق معارض من اللاذقية؛ لأنني -على حدّ تعبيره- مهجوسة بفكرة أن السوريين لن يستطيعوا العيش مع بعضهم بعضًا مجدّدًا، وضرب لي -يومئذ- مثالًا بأهالي حلب الشرقية والغربية، ففي رأيه لن يكون أمامهم بعد انتصار الثورة سوى العيش مع بعضهم بعضًا. ولم أوافقه في ما ذهب إليه، ليس من منطلق التمنّي بالتأكيد، بل بسبب الإحباط، ولا سيما بعد أن رأيت كيف خرج أهالي حلب الغربية احتفالًا بسيطرة النظام على حي بني زيد، وقد رأوا فيه “انتصارًا للجيش على الإرهاب”.

بعيدًا من التعميم، هناك من أهالي حلب الغربية من يعدّ سكان الشرقية “إرهابيين”! ومن يفرح لحصارهم، ومن يرشّ على عناصر الجيش النظامي “المعتدين” حبّات من الأرز، وقد لا يجد المتفرّج على تلك المشاهد سوى أن يسأل نفسه عن إمكانية العيش المشترك في بلد تحوّل إلى “مسلخ”.

ألن يكون من الأسهل على الحلبي الثائر في الشرقية أن يعيش مع أهالي هلسنكي الفنلندية؛ حيث تدق أجراس أبرشية (كاليو) اللوثرية يوميًا؛ تكريمًا للمحاصرين في حلب وللضحايا الذين يسقطون كل يوم بالعشرات؟ أكثر من 500 كنيسة في عشرين بلدًا، منها بريطانيا وفنلندا والولايات المتحدة وأستراليا، تدقّ أجراسها حتى يوم غد الإثنين، ويصادف “يوم الأمم المتحدة”. نعم. لقد باتت فنلندا وغيرها أقرب إلى بعض السوريين من مدنهم! كيف سيعيشون مع من أرسل لهم تهديدات على هواتفهم، يأمرهم بالخروج من بيوتهم ومن مدينتهم؛ لأن “الجيش السوري قادم.. ولكي ينجوا بحياتهم”! عليهم إما الخروج أو الموت. المعادلة باتت واضحة، ولن يكون -ربما- مصير أهالي حلب الأحرار أقل سوءًا من مصير أهالي داريا وقدسيا والوعر ومعضمية الشام، وغيرها من مناطق تعرّضت -وتتعرّض- لتغيير ديموغرافي.

ليس ثمة أبلغ من الرسالة التي وجهها أحرار حلب للطاغية.. “نحن أشجار الزيتون.. إن أردت أن تدخل لتقتلع أشجار الزيتون فغيرك فعلها.. فنعم المقلوع وبئس القالع! نحن أشجار الزيتون.. نقولها من حلب التي كسرتك وكرست إيران، لن تستطيع -أيها الفأر في قصر المهاجرين- أن تبقى طويلًا، جلبت روسيا وجلبت إيران وكل العالم لحمايتك، ولن تستطيع أن تنال من قلعة حلب.. مرّ على حلب التتار والمغول، وكلهم راحوا وبقيت حلب.. باصاتك الخضر سنقلبها حمراء بدماء الشهداء.. خسئت وخاب فألك، حلب تقولها عالية الصوت، تستطيع أن تدخل، ولكن على جثثنا! كما قالها جدّنا يوسف العظمة لغورو، نقولها لك: بشار الأسد لن تمرّ إلا على أجسادنا..”.

ها أنا أجد نفسي ساذجة؛ إذ لا أملك أفكارًا ترقى إلى هول ما يعيشونه.

كيف يمكن لمقال أن يتضامن مع مأساة أهل حلب، وغيرهم من أهالي المناطق المحاصرة؟ كيف يمكن لنا أن نكتفي بمقالات، نقبض ثمنها لنعلن تضامننا ونكتب عن الدمار النفسي الذي نعيشه خارج الحدود؟ وهل يشعر من كتب مقالًا أو وقّع بيانًا أو شتم طاغية، أنه شارك في ثورة رحل ضحيتها مئات الآلاف من شعب ينتمي إليه.

إلى صديقي المعارض: سورية ليست لكل السوريين.. والعيش المشترك لا يمتّ للعدالة بصلة.




المصدر