on
“بينالي قلنديا”.. كل هذا مهم ولكن
مع انعقاد “بينالي قلنديا الدولي”، الذي يشارك فيه 35 فناناً من داخل فلسطين المحتلة وخارجها، يمكن القول إنه تحوّل إلى تجمّع سنوي كبير للفنانين الفلسطينيين المعاصرين، ما يفتح الباب للنقاش حوله من جهة، وحول المشاركات فيه من جهة أخرى. “العربي الجديد” استمزجت آراء فنّانين فلسطينيين حول “قلنديا الدولي” في دورته الثالثة المتواصلة حتى نهاية الشهر الجاري، والتي تتمحور حول ثيمة “العودة”؛ فتطرّق بعضهم إلى مشاركاته، وآخرون كانت لهم وجهة نظر نقدية.
الفنانة الفوتوغرافية زينب خليفة، التي تشارك في معرض “أهل البحر” بمجموعة صور لفلسطينيين في مخيّمات لبنان ممن عاصروا النكبة، تقول “كلّما زرت البحر أو الحدود اللبنانية الفلسطينية، كنت أطرح على نفسي أسئلة لا تنتهي، ماذا لو أكملنا بزوارق صيدا إلى عكا أو حيفا؟ ماذا لو أكملت بسيارتي إلى ما بعد الحدود؟”، وتكمل “مشاركتي هي إجابة عن بعض الأسئلة التي تراودني. صوري ستكون حيث لا يمكن أن أكون. أنا هناك، أنا في فلسطين”.
أما كولاجات منال محاميد، فقد ركّبتها من الصور الأرشيفية والحديثة لبيوت مهجورة في حي “وادي الصليب” وعمارات استعمارية حديثة في الحي نفسه في حيفا. عن ذلك تقول “وجود حيفا بالذات في “أهل البحر” هو إعادة اعتبار لمكانة حيفا التاريخية كجزء لا يتجزّأ من الخريطة الثقافية للشعب الفلسطيني. هذه المدينة التي كانت تصدُر فيها أكثر من ثلاثين صحيفة ومجلّة عشية نكبة 1948″.
من جهته، يسجل التشكيلي منذر جوابرة تحفظات تتعلق بالخطاب السياسي للتظاهرة وقد سبق وكتب نقداً لها في الدورة السابقة لكنه لا يقلل من أهمية الشراكة بين المؤسّسات والفنّانين الفلسطينيين وأهمّية وصول البينالي إلى الفلسطينيين في أكثر من جغرافيا، ومهما كان انتماؤهم الأيديولوجي”.
يتّفق الفنان هاني زعرب مع جوابرة، إذ يرى أنه و”في زمن أصبحت فيه سياسة الانقسام مفروضة علينا، فإن مثل هكذا تظاهرات وإطلاق نشاطاتها من مدن مختلفة في نفس اللحظة يقول إن فلسطين واحدة وبحرها لا يتجزّأ إلى شواطئ منعزلة. ومن جهة أخرى، فالمستوى الفني واللوجستي في البينالي جيد”.
حول خيار “قلنديا” ثيمة العودة، والبحر كوسيلة ومكان، يقول عضو اللجنة المنظّمة، جاك بيرسكيان “نحن مشرفون قريباً على سبعين عاماً من النكبة، والعودة هي نقيضها. حتى نتذكّر النكبة يجب أن نفكّر في العودة. وهكذا، اقتُرح الموضوع على المؤسّسات الشريكة، وجاءت فكرة إقامته في عدّة مدن هي حيفا، ورام الله، وغزّة، والقدس، وبيت لحم، وعمّان، وبيروت ولندن”. وعن ثيمة البحر الموازية للعودة، يكمل “التاريخ الفلسطيني عبارة عن كارثة مستمرّة على فترة طويلة من الزمن. وما يحصل في العالم العربي أمر مكثّف لما حصل لنا عبر سبعين سنة. من هنا جاءت الحكايات والقصص ودُمجت مع بعض، فنحن مهرجان دولي وليس فلسطينياً فقط”.
في سياق آخر، تعتبر الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي أن السؤال المركزي الذي يطرح نفسه لدى الحديث حول التظاهرة هو “كيفية تأمّل الواقع، كنقطة التقاء لأماكن وأزمنة عدّة، عبر منظار فنّي في مواقع مختلفة”، وتشير إلى ثلاثة أحداث فنية؛ هي: معرض “إعادة إعمار غزة”، ثم معرض “على أبواب الجنة”، وفيلم “استعادة” للمخرج كمال الجعفري. بالنسبة إلى المعرض الأول، تقول شبلي إنه “ينظر إلى عملية تدمير غزة، وما تعني عملية إعادة البناء، كإعادة دمار، وهي نقطة قلّما جرى الالتفات إليها، فالبناء سيُعيد بناء الهدم، ليكوِّن أبنية مهدومة، مستعيداً الدمار في حلّة جديدة”، وتتساءل “ماذا عن الجانب الثقافي والاجتماعي والإنساني لما جرى هدمه؟ ومن سيعيد بناءه وكيف؟ يحيل المعرض المسؤولية لفنّانين وأفراد المجتمع الفلسطيني الذين يحاولون المساهمة بالقليل العزيز الباقي لديهم، سواءً كان ذلك بالمواد أو الخيال”.
وحول معرض “على أبواب الجنّة، النسخة الثامنة”، تُبيّن أنه “نقّب عن خيوط وأصداء بين التجربة الاستعمارية للفلسطينيين والسكان الأصليين في أستراليا، خصوصاً محاولة نقل البحث من الفنان إلى الفرد – سكان العراقيب في النقب، وسكان المحميات الطبيعية في منطقة بيرث، الذي يعيش ويقاوم بشكل مباشر ويومي هذا الاستعمار”.
فيلم “استعادة”، وفقاً للكاتبة، “يعود إلى الأفلام الإسرائيلية والأميركية التي جرى تصويرها في يافا في الستينيات، ماحياً الشخصيات الرئيسة ليكشف النقاب عن المدينة والحضور الفلسطيني المخفي فيها، عبر ظهور ظلال في مؤخّرة الكادر أو على هوامشه، معيداً البطولة لما جرى دحضه”، لكنها تستدرك “لكل هذا أهمية لا يمكن نفيها حول كيف يمكننا اليوم تأمّل شرطنا الفلسطيني وعلاقتنا بألمنا الذاتي وآلام الغير”.
أخيراً، تلفت شبلي إلى أن “حضور الجمهور الفلسطيني العام لهذه التظاهرة كان محدوداً، للأسباب التي نعرفها نحن -العاملين- في هذا المجال، إما لانشغال الفلسطيني بهمومه اليومية، أو لنخبوية مثل هذه التظاهرات”.
إكزوتيك لفرجة الأجانب؟
يبدو مشهد الفنون البصرية كما في بيئات عربية أخرى، الأكثر وفرة من حيث الميزانيات المتاحة والأكثر اغتراباً بسبب نخبويته وتعلقه بأذيال سوق الفن العالمية. إلى أي حد ينطبق هذا على “بينالي قلنديا”؟ وإلى أي حد تحوِّل صياغات ومفاهيم بينالي كهذا، الحالة السياسية إلى إكزوتيك لفرجة الأجانب ولا تخدم الحكاية الجمعية؟ السؤال متروك لضمائر الفنانين الذين يوجب عليهم “البيع” مجاملة مؤسسات وشبكات الفن المعاصر.
صدى الشام