‘حلب والاتفاق الأميركي – الروسي: من يحاصر من’

23 تشرين الأول (أكتوبر)، 2016
9 minutes

فؤاد عزام

تسارعت في جنيف أعمال “مجموعات العمل المشتركة” التي كان أقرها الاتفاق “الروسي الأميركي” حول سورية، بعد أن أفشل صمود أهالي حلب أهداف الهدنة الروسية “اللا إنسانية” التي تريد موسكو منها تهجير السكان من المدينة، تحت ذريعة محاربة الإرهاب، ودخول الميليشيات الإيرانية وميليشيات النظام بدل ” فتح الشام” التي يطالب الروس بانتقالها إلى مدينة إدلب.

ثمة تقدم أنجزته “مجموعة وقف إطلاق النار” الروسية الأميركية خلال اجتماعاتها في جنيف بحسب الخارجية الأميركية التي نقلت (رويترز) عن المتحدث باسمها جون كيربي قوله: “إنه تم إحراز بعض التقدم في محادثات جنيف هذا الأسبوع بين الولايات المتحدة وروسيا، ودول أخرى تحاول التوصل إلى وقف لإطلاق النار في مدينة حلب.

اللجنة التي يترأس الجانب الأميركي فيها المبعوث الرئاسي مايكل راتني، بحسب تقرير لـ “بي بي سي”، فيما لم تكشف روسيا عن أسماء خبرائها العسكريين المشاركين، تركزت مباحثاتها حول ما إذا كانت هناك وسيلة لفصل كل المقاتلين المرتبطين بـ “القاعدة” في شرقي حلب، ثم حرمان القوات السورية والروسية من أهدافها الرئيسة في المدينة، كما قال دبلوماسي غربي، مبديًا في الوقت نفسه حذره من احتمال التوصل إلى أي اتفاق حول حلب التي تحظى حاليًا بفترة “راحة طفيفة”، بحسب وصفه.

قد يكون التقدم الطفيف الذي أحرزته مجموعة وقف إطلاق النار، هو الذي استند عليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ من أجل تمديد الهدنة، والأرجح أنه يتعلق بتطمينات أميركية ببذل جهود أكبر لتنفيذ التزام واشنطن السابق بما تسميه فصل المعارضة المعتدلة عن “الإرهابيين”، أي (فتح الشام)، بحسب ما يقولون، وإخراجهم من حلب، خاصة مع تشديد روسيا أخيرًا على لسان وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، على أن “الغرب” يريد استخدام “النصرة” من أجل تغيير النظام السوري بالقوة.

المبعوث الرئاسي الأميركي مايكل راتني، الذي كان أكد -في وقت سابق- أنه لا يوجد تنسيق عسكري مع الروس، ينفى -أيضًا- وجود اتفاق بين واشنطن وموسكو على استهداف المقاتلين في حلب. أو إجلائهم من المدينة، خاصة وأن الروس يؤكدون أن عملياتهم تتم بالتنسيق مع الأميركيين، حيث تنقل قناة روسيا اليوم عن المبعوث الرئاسي الروسي، ميخائيل بوغدانوف، قوله: “هناك اتصالات يومية، وعبر قنوات مختلفة، تجري بين الجانبين، خاصة في إطار مجموعات العمل المشتركة الموجودة في جنيف، وأيضًا بين قاعدة حميميم الروسية وبين العسكريين الأميركيين الموجودين في عمان”.

تريد واشنطن -بحسب مصادر دبلوماسية مواكبة لاجتماعات مجموعات العمل المشتركة وأهمها “مجموعة وقف إطلاق النار”- تخفيف معاناة السكان في حلب قدر الإمكان، بمعنى أنها تقبل بما تسميه موسكو بـ “الجراحة” التي لا بد منها، لكن مع تخفيف الألم من خلال تجزيء الفصائل المدافعة عن حلب وفرزها، فيما يبدو هجوم لافروف على الغرب بأنه يبيت لاستخدام “النصرة” ضد النظام، بأنه تبادل أدوار لإظهار الولايات المتحدة بأنها تتعرض لضغوط وإحراجات وهو أقرب للاستهلاك الإعلامي منه إلى الحقيقة، في ظل تأكيدات واشنطن على عدم شرط رحيل الأسد في أية مفاوضات تتعلق بالحل السياسي ومحاولات إقناع المعارضة من مايكل راتني بالانخراط في عملية سياسية على هذا الأساس، وتحذيرها من أن روسيا ستسحقها لولا تدخل الولايات المتحدة، وأن عليها النأي بنفسها عن “الإرهابيين”.

تبدو حلب -الآن- بين فكي “العصا الروسية والجزرة الأميركية”، فالروس حشدوا ترسانتهم العسكرية تحت غطاء التصعيد الإعلامي الغربي، في أكبر انتشار حربي لهم بعد الحرب العالمية الثانية، كما يؤكد “الناتو”، فيما الأميركيون يسعون إلى تقليم أظافر فصائل الثوار، وبالتالي؛ إنهاكها ودفعها للاستسلام، خاصة مع وجود ضغط كبير على دول إقليمية، يشارك ممثلون عنها في مجموعات العمل الأميركية – الروسية في جنيف، كما أكد المبعوث الروسي ميخائيل بوغدانوف في أكثر من تصريح.

ما يجري -الآن- في حلب هو من تداعيات “تعليق” الولايات المتحدة العمل بالاتفاق “الروسي الأميركي” الذي كان أعلن عنه وزيرا خارجية البلدين في التاسع من أيلول/ سبتمبر الماضي، وتم التوصل إليه بقرار من الرئيسيين: باراك أوباما وفلاديمير بوتين، بعد محادثات بين الجانبين استمرت بضعة أشهر، ورفضت الولايات المتحدة الكشف عن تفاصيل بنوده، فيما الجانب الروسي سرب وثيقة تتعلق -خصوصًا- بحلب من بين خمسة وثائق تضمنها الاتفاق كما أكدت ماريا زخاروفا، المتحدثة باسم الخارجية الروسية.

تعليق الولايات المتحدة العمل بالاتفاق، كما أعلنت، وبالتالي؛ انهيار الهدنة فيها، كان قد أتاح للروس والنظام التصعيد العسكري والقصف العنيف على أحياء حلب المحاصرة؛ ما يوحي بأن الموقف الأميركي كان بمنزلة الضوء الأخضر للروس؛ لإنهاء الوضع في حلب خاصة، وأن ما تسرّب من بنود الاتفاق وما هو الواقع على الأرض، يؤكد تسليم الولايات المتحدة سورية للروس، كما يؤكد الأولوية التي اتفق الجانبان عليها، وهي “محاربة الإرهاب” وتأجيل الحل السياسي إلى ما بعد الانتهاء من ذلك، ما يعني السير على خطى الحل العسكري التي تعمل به روسيا وأبرز ما فيه هو تجميع المقاتلين من مختلف أنحاء البلاد في مدينة إدلب، والانقضاض عليهم فيما بعد بذريعة محاربة الإرهاب.

إقليميًا لا يبدو أن هناك قدرة على منع روسيا والنظام من التهديد بتدمير حلب أو “تطهيرها”، فالرئيس بوتين لا يعنيه وصفه بأنه “مجرم حرب” ويستخدم “الدموية السياسية”، فهو يرفض جميع المحاولات من قبل أكثر من طرف دولي؛ لفك الحصار عن أكثر من ثلاثمئة ألف مدني معزولين تمامًا، دون أي إمكانية لإيصال المساعدات الغذائية والطبية إليهم، وغالبيتهم الساحقة من العائلات الفقيرة التي تقطن منازل متواضعة، بينهم أقل من ثمانية آلاف مقاتل، قال دي مستورا: إن ثلاثمئة منهم فقط قد يكونون مقاتلين ينتمون إلى جبهة النصرة.

وإقليميًا أيضًا، يبدو التماهي الذي أظهره لافروف -في الآونة الأخيرة- مع تهديد النظام بالتصدي للطائرات الحربية التركية، بعد أن كان وصف موافقة النظام تدخل تركيا من أجل محاربة الإرهاب، بأنها موقف “براغماتي”، هذا التماهي يهدف إلى الضغط على تركيا؛ لمنع اقتراب فصائل الجيش الحر التي تدعمها في إطار عملية درع الفرات من المناطق الشرقية لحلب، والتواصل مع الثوار في المدينة.

الروس ومن خلفهم النظام وميليشيات وإيران يهددون بتدمير حلب على غرار ما تمّ في “غروزني” ويؤكد ذلك فرانتس كلينتسيفيتش، النائب الأول لرئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الشيوخ الروسي، حيث يقول: “إن روسيا وعبر تلك الهدنة تهيئ وضعًا ملائمًا؛ ليتمكن المدنيون من الخروج من منطقة العمليات القتالية. وتتيح فرصة كذلك للمقاتلين، وأنه بعد الهدنة الإنسانية ستبدأ عملية “التطهير”، ولن يكون من السهل عندها اتهام روسيا بأنها لا تأخذ مصالح المدنيين بالحسبان، بحسب ما نقلت عنه صحيفة (ازفتستيا) التي أضافت: إن “الخبراء الروس يتوقعون رد فعل سلبيًا من جانب الغرب على عملية التطهير الواسعة لمدينة حلب بعد الهدنة”.

لن تفعل الولايات المتحدة أكثر مما يفعله المجتمع الدولي، وأبعده مراقبة الحشود العسكرية الروسية المتدفقة عبر البحار، كما قال مسؤول في “الناتو”، وتنديد في الأمم المتحدة، وغيرها من المحافل الدولية، وأقصى ما يذهب إليه هو كما فعل البرلمان الفرنسي حين استقبل -بالتصفيق- وفدًا من الدفاع المدني في حلب. الثوار وحدهم في مواجهة التوحش الروسي، والمطلوب عربيًا تقديم أقصى الدعم لهم في فتحهم الجبهات في مختلف المناطق السورية؛ لتعزيز صمود الأهالي في حلب، هذا الصمود الذي بات الآن يحاصر تخاذل المجتمع الدولي والاتفاق “الروسي – الأميركي” سيئ الذكر، وهو الكفيل وحده بمواجهة المحتلين الروس والنظام والإيرانيين وميليشياتهم الإرهابية ودحرهم.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]