سجن صيدنايا العسكري، قعر العالم
23 تشرين الأول (أكتوبر)، 2016
عاصم الزعبي
تبدأ رحلة العذاب والرعب لمعتقلي سجن صيدنايا، منذ اللحظة الأولى لوقوف السيارة بعد عبورها البوابة الرئيسة للسجن، حيث يبدأ المعتقلون بسماع عناصر السجن يقومون بشتمهم، وتهديدهم؛ ليفتح باب السيارة، ويُسحب المعتقلون بالسلسلة التي قُيّدوا بها، حيث يقوم العناصر بصفهم في رتل، وقد سجدوا على الأرض؛ ليسيروا على تلك الهيئة، حتى يصلوا إلى درج ينزل للأسفل، فيُدفعوا؛ ليسقطوا جميعًا، لتبدأ أول جلسة من الضرب باليدين والأرجل كاستقبال للقادمين الجدد.
يُعدّ سجن صيدنايا العسكري، من أكبر وأحدث السجون في سورية، والذي بُني في العام 1987، حيث ينقسم إلى السجن الأحمر الذي يأخذ شكل إشارة المرسيدس، والسجن الأبيض، وبناؤه منفصل تمامًا عن الأول.
يحتوي السجن الأحمر في طابقه السفلي (القبو) على سبعين زنزانة، تقسم إلى قسمين:
خمس وثلاثون زنزانة تدعى (أ)، خمس وثلاثون زنزانة تدعى (ب)، وتعد الزنزانات (أ) أفضل بالنسبة للمعتقلين؛ لأن الطعام يدخل إليها عن طريق فتحة في الباب تدعى (الشراقة)، أما في الزنزانات (ب) فإن السجانين هم من يقومون بإدخال الطعام للمعتقلين، والذي يرافقه ضرب شديد لهم.
الزنزانات هي المرحلة الأولى من حياة المعتقلين في سجن صيدنايا الأحمر، والتي ربما تمتد شهورًا، قبل أن يموت المعتقل لشدة التعذيب والأوضاع السيئة الأخرى، أو يتم نقله إلى المهاجع إن بقي على قيد الحياة.
الاستقبال والليلة الأولى
يقول منير، أحد الناجين من سجن صيدنايا: “بعد أن سقطنا عن الدرج، طلب العناصر إلينا السجود على الأرض، ليستمر الضرب بأنبوب المياه البلاستيكي الأخضر المعروف بـ (الأخضر الإبراهيمي)”.
وأضاف: “يقوم العناصر بإدخال المعتقلين، بعد تعريتهم من ثيابهم، إلى الزنزانات، ويتم تقسيمهم بحسب الأعداد القادمة، وعادة لا تقل عن ثمانية أو تسعة معتقلين، ويجبر المعتقلون في ليلتهم الأولى على النوم جميعًا في حمام الزنزانة، وهم عراة حتى تتلاصق أجسادهم فيها، ويبقون على ذلك الوضع حتى اليوم التالي، والزنزانة هي عبارة عن غرفة مساحتها حوالي 4 أمتار مربعة، اقتُطع ثلث مساحتها تقريبًا لتكون حمامًا لها”.
وتابع: “يخضع المعتقلون في زنزانات صيدنايا لتعليمات صارمة جدًا، من الممكن أن تؤدي مخالفتها إلى الموت في بعض الأحيان؛ نتيجة العقوبة التي قد يتعرض لها المعتقلون، فالنوم بأمر، والاستيقاظ بأمر، ودخول الحمام كذلك بأمر، والطعام والشراب بأمر، فيما الهمس ممنوع إطلاقًا، وعندما نسمع حركة للعناصر في الممرات بين الزنزانات، يجب أن يجثو جميع المعتقلين، ووجوههم إلى الجدار، وحين يُفتح باب الزنزانة، يجب أن يدخل الجميع إلى الحمام، وحين يوزع الطعام، يتم إخراج (القصعة) من فتحة الباب، وعند وضع الطعام في (القصعة)، يجب أن تسحب بسرعة”.
طعام قليل وسيئ
الطعام في الزنزانات عبارة عن كمية قليلة جدًا من الأرز، وعدة حبات من الزيتون تفوح منها رائحة المازوت، وحوالي ملعقة من المربى، وربع حبة من البطاطا المسلوقة، أو نصف بيضة، ويجب أن تكفي هذه الكمية من الطعام لحوالي ثمانية أو تسعة معتقلين لمدة 24 ساعة.
لا يكتفي السجانون بكون الطعام غير كاف، بل، كما يقول منير “في زنزانات صيدنايا، يعمد السجانون إلى الدوس على الطعام بأحذيتهم، أو يقومون بوضع القصعة عند أسفل حفرة الحمام، ويقومون بسحب مياه الحمام فوق الطعام، وفي كلتا الحالتين يتم إجبار المعتقلين على تناول الطعام”.
وتابع “في زنزانات صيدنايا، لم يكن هناك بقايا طعام يتم رميها في القمامة، ليس هناك قمامة أصلًا، يضطر المعتقلون لأكل قشور البرتقال، وقشور البيض، وورق الزيتون، فالجوع يفتك بالمعتقلين بشكل لا يقل سوءًا عن التعذيب والمرض”.
عناية صحية سيئة ونظافة معدومة
يعمد الأطباء عند زيارة الزنزانات إلى ضرب المعتقلين، يشاركهم في ذلك السجانون، ويتم إعطاء الأدوية مجانًا لمرة واحدة فقط، وبعد ذلك يعطى الدواء للمعتقل المريض مقابل اقتطاع ثمنه من الأمانات المالية التي تعود له في أمانات السجن.
تنتشر الأمراض المختلفة بين المعتقلين، فمن القمل الذي يعشش في الرؤوس والأجساد، إلى الإسهالات الشديدة نتيجة تلوث الطعام والزنزانات، وانتشار مرض السل بشكل كبير بين المعتقلين، والذي أدى لوفاة كثير منهم، كما ينتشر مرض التهاب الكبد الوبائي بمختلف مستوياته بين المعتقلين.
ويقول منير: “ليس هناك أي اهتمام بالنظافة المتعلقة بالمعتقلين، فأحيانًا يتم إغلاق المجاري فتغمر مياهها الزنزانات، ما يتسبب بإصابة المعتقلين بالعديد من الأمراض، كنا نعمد حينها إلى تمزيق ثيابنا لننظف أنفسنا، فالاستحمام غير مسموح به”.
إغراق بالمياه، وحفلات إعدام، وحجج واهية
في الشتاء يستعاض عن الضرب أحيانًا بالعقوبات بالمياه الباردة، ويقول منير “في إحدى الليالي، جعلوا المعتقلين يخلعون ثيابهم، وفتحوا أبواب الزنزانات، وأغرقوها بالماء البارد، وبقي الماء في الزنزانات لمدة يومين، ولم يسمحوا بتصريفه حتى مات من كل زنزانة معتقل أو إثنين، تكررت هذه العقوبة لكل زنزانة كان يسمع فيها أصوات همس”.
وأضاف “يوم الخميس من كل أسبوع، كان كابوس رُعب حقيقي للمعتقلين، ففي المساء يأتي أحد السجانين، وينادي لمجموعة من المعتقلين، غالبًا من الذين لم تأتيهم زيارات من أهلهم، ليخبرهم أنه سيأخذهم في رحلة جميلة بحسب وصفه، تلك الرحلة ليست سوى حفلة الإعدام الأسبوعية”.
وتابع “يسير السجانون في الممرات بين الزنزانات ليلًا، فيدّعون أنهم سمعوا همسًا يصدر عن المعتقلين، فيختارون عددًا منا، فيجعلوننا نخلع ثيابنا، ثم يضربوننا حتى تنزف الدماء منا، كانوا يخترعون حججًا واهية من أجل تعذيبنا فحسب”.
تلك زنزانات السجن الأحمر في صيدنايا، هي جزء من منظومة جحيم النظام السوري التي تفتك بالمعتقلين، لا أحد؛ حتى اليوم، يعلم كم هو عدد المعتقلين الحقيقي في سجن صيدنايا العسكري، الذي يتسع لأكثر من خمسة عشر ألف معتقل، ولكن العديد من تقديرات المنظمات الحقوقية تشير إلى أن العدد أكبر بكثير من ذلك.
[sociallocker] [/sociallocker]