on
منظمات المجتمع المدني في الجزيرة.. خطوتان إلى الوراء
جيرون
منذ بدايات اندلاع الثورة السورية تحرّكت منظمات المجتمع المدني للعمل في أغلب المناطق، وذلك لتغطية أكبر عدد ممكن من المشكلات الناجمة عن فوضى الحرب والأزمات الموجودة، وتشير الإحصاءات المتوافرة إلى أن عدد المنظمات المدنية العاملة في مناطق الجزيرة السورية وصلت إلى ما يربو على الـ 120 منظمة مدنية، تعمل في مختلف المجالات، وإلى اللحظة هناك انتقادات توجّه إلى أغلب تلك المنظمات المدنية بتقاعسها في أخذ الدور الحقيقي والملقى على عاتقها مجتمعيًا، إضافة إلى الفشل النسبي في إعداد البرامج التدريبية والدخول إلى المجال الميداني والعملي.
الفساد
يعزو كثير من المتابعين فشل منظمات المجتمع المدني العاملة في مدن الجزيرة إلى عديد من الأسباب، منها الفساد الإداري، وهجرة العاملين، الناشطين منهم؛ بسبب التصادمات التي تحصل في أثناء العمل، وعلى الأخصّ التصادمات السياسية التي تمنع من أن يكون العمل ذا فائدة تعود على المواطنين الذين هم بحاجة فعليَّة إلى عمل تلك المنظمات، علاوة على حالات الهجرة المكثّفة التي تتسبب في خلق الخلخلة بالنسبة للفئات المستهدفة، ويرجع زوهراب قادو العامل في منظمة (شار) للتنمية، والتي تعمل في أكثر من منطقة في الجزيرة السوريَّة خمول وجمود المنظمات المدنية إلى جزئية أساسية، يقول عنها: “هناك عدد من المنظمات المدنية العاملة غير متناسبة بحجم الدعم المحدد للمنطقة، فنقص التمويل وتحكّم سياسات المموّلين على خلفيَّات سياسيَّة، وحسابات أخرى، جعلت المنظمات في حالة خمول”، كما ويتابع: “هنالك سبب آخر، فانعدام الخبرات النادرة أدّى إلى خلق فجوات كارثيَّة، غير أنّ التمويل الملائم كان سيخلق حالة مغايرة تمامًا، فعلى الرغم من خصوبة منطقتنا بالنسبة لنجاح العمل المدني، فإننا نرى المنظمات في حالة تأخّر؛ بسبب التمويل القليل الممنوح والمرتبط بتوجّهات سياسيَّة متعدّدة”، ويشير قادو إلى جزئية خطرة ومهمة، وهي أنّ: “عددًا من المنظمات المدنية كانت عبارة عن واجهة لبعض التيارات السياسيَّة التي شوّهت جوهر العمل المدني الحقيقي، ومنحته مُسحة سياسيَّة لا تتوافق وأساسيَّات العمل المدني السليم”.
الفئات المستهدفة
غالبًا ما تكون البرامج والورشات التدريبيَّة لمنظمات المجتمع المدني مقسّمة، وفق الفئات الجماهيرية المستهدفة، ولكن ما يتبادر إلى الأذهان هو: هل نجحت منظمات المجتمع المدني بدورها في استقطاب الفئات المستهدفة؟
في هذا الصدد، يقول عباس علي موسى، من “مركز المجتمع المدني والديمقراطية” في القامشلي لـ (جيرون): “نجحت منظمات المجتمع المدني في استقطاب فئة محدّدة، أو بتعبير آخر، قامت بخلق فئة خاصَّة بها، لكنها لم تصل إلى مستهدفيها المفترضين أساسًا، وإن بعض ما وصلوا إليه يُعدُّ قليلًا بالنسبة إلى ما هو مطلوب فعليًّا”، وعن سبل إعادة ثقة الناس بأهميَّة العمل المدني في إحداث التغيير المطلوب، يقول عباس: “السبيل الوحيد لمنح الثقة للناس هي التقرّب من حاجاتهم، ولا نعني هنا الحاجات الماديَّة فحسب، وإن كانت هذه أهمّها، لكن ثمّة سبل أخرى، كتصميم برامج مدنيَّة بناء على حاجات المجتمع المحليّ، عوضًا عن استيراد برامج جاهزة ومقرّرة من المنظمات المانحة، تخضع لسياساتها، ولا تنحصر المنظمات في مجال تنفيذ البرامج المدنية المقدّمة من المانحين”.
فيما ترى دنيا محمّد، إحدى العاملات في المجال المدني، أنّ: “المنظمات المدنية تقوم بخطأ فادح، وهو التركيز على فئة معيَّنة”، وترجع ذلك إلى أسباب عديدة من أهمّها: “العنف القائم، ولأنّ القائمين والعاملين ضمن تلك المنظمّات ليس بمقدورها أن تصل لكل الفئات، أولًا بسبب الشروط المفروضة من المموّلين والتي تقوم بتحديد الفئة المستهدفة مسبقًا في مشروعاتها المموّلة وبرامجها، وثانيًا بسبب كثافة هجرة السكّان”.
تبقى منظمات المجتمع المدني بمنزلة طوق نجاة بالنسبة للمواطنين في الداخل، من ناحية الاستفادة من البرامج المقدّمة، والتي تهدف إلى إزالة فكر البعث وإزالة أفكار الاتّكالية، والتأكيد على التسامح والعمل المشترك في سبيل إنجاح التجربة، ولو على المدى الطويل نسبيًا، لكن بتطوير آليّات العمل المدني والعمل على توسيع رقعة المستفيدين؛ لتشمل الفئات الجماهيريَّة كافة، وعلى الصعد الخدميَّة والمعيشيَّة كافة.
المصدر