خصمهم تاجر سلاح


باسل العودات

قبل أيام معدودة، قال أناتولي بونتشوك، نائب مدير دائرة التعاون العسكري والتقني الروسي: إن “العملية الجارية في سورية، أثبتت أن التجهيزات القتالية الروسية ذات خصائص تكتيكية وتقنية عالية في ميدان القتال، ونجاحاتنا في مكافحة الإرهاب (في سورية) زادت اهتمام الزبائن الأجانب بالأسلحة روسية الصنع”.

المسؤول العسكري الروسي، يكشف إذن -بصفاقة- أن سورية هي حقل تجارب، وأن روسيا تستفيد منها؛ للترويج لبيع أسلحتها على المستوى الدولي، ولا يخفي سعادته بالنتائج، لأنها تُحقق أحلام سيّده في الكرملين، الذي أعلن -في وقت سابق- أن روسيا باعت في العام 2015 أسلحة بمبلغ 14.5 مليار دولار، إلى 58 دولة، أي استحوذت على 25 بالمئة من صادرات السلاح في العالم، وهو يطمح لتحقيق مبيعات 50 مليار دولار خلال السنوات القليلة المقبلة.

ميدانيًا، يقوم بوتين بتجريب أسلحته في سورية، فوسفورية وحارقة وخارقة، ارتجاجية وانشطارية، ذكية وغبية، غالية ورخيصة، ويراقب عسكره النتائج؛ ليُعدّلوا في التصميم، ويزيدوا من فدرتها التدميرية، فمعيارهم هو كم حلبي ستقتل، وهل ستقتل “إدلبيين” أكثر أم “رقاويين”، وما تأثيرها على “دير الزوريين”.

في مستوى آخر، تعمل وسائل الإعلام الرسمية الروسية الموجّهة إلى الخارج، وخاصة الناطقة بالعربية، منصّةً لتسويق السلاح الروسي، ومنتجات مصانع الموت الحربية، ولترويج بضاعة القتل، ووسيطًا للتعريف بالميزات “التعبوية” للأسلحة الروسية، القديمة منها والجديدة، بل؛ وحتى المًتخيل إنتاجها بعد عشر سنوات، وتحوّلت من سلطة رابعة إلى سمسار أسلحة وذخائر.

تُضخّم وسائل الإعلام الروسية، بطريقة فجّة ومثيرة للسخرية، نوعية الأسلحة الروسية، فتتحدث عن “الرادار الروسي الذي يرى داخل الطائرات”، و”الغواصة التي لن يكتشفها الجيش الأميركي كله”، و”الطائرة القادرة على تُدمير كل صواريخ أميركا”، و”الدبابة التي أرعبت أوروبا”، و”الأسلحة التي تقوم بمحاصرة الإرهابيين وحدها”، و”الأسلحة المخصصة لسحق مقاتلي داعش بالتحديد”، و”الرشاش الذي يجعل العدو يموت أو يستسلم”، هكذا بالحرف!

ارتفعت صادرات روسيا من الأسلحة -خلال السنوات الخمس الأخيرة- بنسبة 37 بالمئة، عن السنوات الخمس التي سبقتها؛ لتحتفظ بالمرتبة الثانية كأكبر مُصدّر للأسلحة على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة، وصارت روسيا تُعلن عن “شروط دفع مرنة” للراغبين في شراء أسلحتها، واستعدادها للمبادلة بنفط أو أحجار ثمينة وقطن وغيرها، وكان لـ “تنظيم الدولة الإسلامية” فضل كبير في رفع مستوى هذا النوع من الصادرات الروسية.

يُراهن بوتين -اقتصاديًا- على بيع الأسلحة الروسية، ويأمل أن تُفتح بوابات جهنّم الحربية في كل أنحاء العالم، عسى أن تُساهم في استمرار وتوسيع منافذ البيع، ويدعو زبائنه لمشاهدة ما تفعله أسلحته في سورية، من تدمير هائل وقتل بالجملة.

ربما تتفق مصالح واشنطن وروسيا في هذا المجال، وتتفق أهدافهما في تأجيج بؤر الصراع في العالم؛ لضمان ازدهار صناعة الأسلحة، لكن ما يجعل روسيا أكثر “دناءة” هو تحويلها وسائل الإعلام الرسمية إلى سمسار أسلحة، يتابعه الصغار والكبار، بينما تعتمد الولايات المتحدة على أقنية خلفية، عبر شبكات دولية فاسدة متخصصة في هذا المجال.

لسنا هنا بوارد إضافة دناءة أخرى إلى بوتين، فلا حاجة لتوسيع النهر بجدول صغير، لكن أن يستخدم سورية حقلَ تجارب، فهذا أمر فوق الدناءة بمستويات، والنظام الذي يقبل أن تصبح بلده حقل تجارب، من الصعب تقييمه بكلمات، ومشكلة السوريين أن أحد خصومهم تاجر سلاح، والآخر تاجر حقول تجارب، وعزاؤهم الوحيد في حِكَمِ التاريخ، التي قالت: إن من كان خسيسًا، يعيش وضيعًا، وسيموت كذلك.




المصدر