“ملوك الخراب” في “السبينة” وغيرها


صبر درويش

منذ نحو ثلاث سنوات، ومدرسة شهداء العسالي تعمل في أوضاع صعبة جدًا ومعقدة، يخضع لها عموم جنوب دمشق منذ نحو أربع سنوات، وهي أوضاع من التعقيد بمكان؛ بحيث بات يصعب تحديد الأطراف التي تصنف كونها أعداء لأهالي المنطقة، بدءًا بنظام الأسد وحلفائه المعلنين، مرورًا بالفصائل المتشددة، والتي لا يمكن حصرها بتنظيم (داعش) المسيطر على مساحات واسعة من جنوب دمشق؛ لينتهي المطاف بمدرسة العسالي إلى اختطاف مديرها المُدرّس، سامي دريد، على يد فصيل عسكري يدعى “أجناد الشام”، والذي “يصنف” منافسًا لتنظيم (داعش) في التطرف.

باشرت مدرسة شهداء العسالي عملها مطلع عام 2013، متحدية أوضاع الحصار والقصف العنيف، والمعارك الطاحنة التي كانت تدور في محيطها، وضمت أكثر من 300 تلميذ، توزعوا على مرحلتي التعليم الابتدائي (من صف الأول وحتى الخامس)، ومرحلة التعليم الإعدادي، (حتى الصف التاسع). وهو إنجاز يثير الدهشة، أصرّ القائمون عليه على إثبات وجهة نظرهم في إمكانية إضاءة شمعة على الرغم من قسوة الأوضاع.

وقال مصدر متابع لمشروع المدرسة لـ (جيرون): “لم يبق لنا إلا المدرسة التي قمنا بافتتاحها بسواعد أطفال حي صغير، قرر أن يعيد أملًا بات مفقودًا هذه الأيام، كانت المدرسة هي الشيء الوحيد المتبقي لنا من الثورة، بعد أن فقدنا هذا الحس؛ بسبب الفرقة الدينية والمناطقية”.

في مطلع العام الدراسي الجاري، تفاجأ القائمون على المدرسة بإبلاغهم من تنظيم (داعش) الذي يسيطر على الحيّ بقرار عدم سماحه بفتح المدرسة، وأنه هو من سيقوم بفتحها؛ وبعد سجالات وتفاوض أصرّ التنظيم على موقفه؛ بحجة أن المدرسة، تقوم بتدريس مناهج كفرية، تتبع للمعارضة الكافرة بدورها، وأُغلقت المدرسة على هذا الأساس.

بسبب ذلك، نقل كادر التعليم المدرسة الى منطقة قريبة من المدرسة القديمة، وقال المصدر: “بدأنا العمل على تنظيف المبنى الجديد وتجهيزه، ولكن للأسف هذه المنطقة التي تقع في الحي نفسه، تخضع لسيطرة فصيل (أجناد الشام الإسلامي) في حي القدم، حيث أبلغنا هذا الأخير بإبلاغنا بقراره أنه لن يسمح لنا بفتح المدرسة، وإن أردتم ذلك فعليكم العمل تحت إمرتنا. فكان جوابنا: هذا شأن مدني وليس له علاقة بالعسكرة، فلم نستجب لهذا القرار، وفي اليوم الأول، وفي أثناء حضور الطلاب بداية عامهم الجديد، فوجئنا باقتحام مجموعة مسلحة، تتبع للفصيل، المدرسة وطرد المدرسين منها، كما اعتدوا عليهم بالسلاح الأبيض واعتُقل المُدرّس “براء”، وانهالوا عليه بالضرب والشتائم”.

أغلقت مدرسة العسالي مرة ثانية، وذلك بقرار من فصيل “الأجناد”، والذي كانت حجته هذه المرة أن المدرسة يجب تحويلها إلى مدرسة شرعية، تُدرّس القرآن والفقه الديني فحسب، وهو ما رفضه القائمون على المدرسة رفضًا قاطعًا، فهم عدا عن أنهم مصرون على تعليم التلاميذ مناهج التعليم المتعارف عليها، فإن فصيل الأجناد ذاته يفتقر إلى الكوادر المتعلمة، ويكاد فصيل الأجناد “لا يضم شخصًا واحدًا يستطيع القراءة والكتابة”.

لم ينتهي الأمر بإغلاق مدرسة العسالي، آخر المدارس في حي العسالي، بل وصل الأمر بفصيل “الأجناد” والذي يقوده المدعو أبو مالك، ومساعده المدعو أبو راتب رمضان، باختطاف مدير المدرسة، المدرس سامي دريد، وهو مختطف منذ حوالي ثلاثة أيام، ولا تعرف عائلته أي أخبار عنه أو عن مكان وجوده. وكان المدرس “سامي دريد” قد تعرض في وقت سابق لمحاولة اختطاف على يد “الأجناد” باءت بالفشل، بينما اليوم يتهدد باقي كوادر مدرسة العسالي المصير نفسه، الاختطاف والترهيب.

لا يمكن إحصاء حجم التحديات التي تواجه آخر الناشطين في المناطق التي تخضع لسيطرة بعض الكتائب الإسلامية المتشددة، ولا يبدو أن الأمر متوقف على النجاة من الحصار والقصف المستمر الذي تمارسه قوات الأسد على هذه المناطق، فمن أتيحت له النجاة والتصدي لمحاولات نظام الأسد في كسر إرادة الناشطين، فإن التنظيمات المتشددة من تنظيم (داعش) وما يشبهه ينجز المهمة التي عجز نظام الأسد عن إنجازها عبر كل سنوات الحصار الماضية.

يتنافس “ملوك الظلام” اليوم على ما تبقى من بارقة أمل في مناطق، حولها نظام الأسد إلى خراب ودمار معمم، ويحار ما تبقى من ناشطين على أي جبهة سيقاتلون، وتضيق الحياة بمن تبقى من مدنيين، وجدوا أنفسهم إزاء عدو لا يرحم من أمامهم، وآخر لا يقل سفاهة من خلفهم، ويبقى السؤال معلقًا: كيف السبيل إلى أي شيء؟




المصدر