أين اختفت مضادات الطائرات التي استلمها مقاتلو حلب؟


إياد عيسى

أعلن المتحدث باسم هيئة الأركان العامة للجيش الروسي الفريق، سيرغي رودسكوي، ليل الجمعة الفائت 21 تشرين الأول/ أكتوبر، أن المقاتلين في حلب بدؤوا في الحصول على مضادات طيران محمولة على الكتف.

تصريح الجنرال الروسي، جاء بالتزامن مع إعلان القائد العام لحركة نور الدين الزنكي، المحسوبة على الجيش الحر، توفيق شهاب الدين، عبر حسابه في تويتر، عن اقتراب انطلاق “ملحمة حلب”. فيما “غرد” عضو المكتب السياسي للحركة، ياسر اليوسف، مؤكدًا أن المبادرة الروسية بضمان خروج المقاتلين والمدنيين من أحياء حلب الشرقية “لا تعنينا بالمطلق”.

هذه التصريحات لـ “قادة الزنكي” عزز جديتها الجنرال الروسي ذاته؛ إذ لم يكتفِ بالحديث عن مضادات الطائرات، بل حدد عدد مقاتلي المعارضة الذين يستعدون لاقتحام شرقي حلب، من الجهة الجنوبية الغربية، بنحو 1200 مقاتل، منهم 30 انتحاريًا، مزودين بالدبابات والعربات المصفحة، وأكثر من 20 سيارة رباعية الدفع محملة برشاشات ثقيلة. لكن ما حدث بعد أقل من يوم واحد هو العكس تمامًا، حيث حرصت موسكو على أن تكون البادئة بإنهاء هدنتها، واستئناف أهم حروبها في سورية، وأكثرها استراتيجية، في إصرار متوقع على الحسم قبل أفول عصر أوباما الذهبي بالنسبة لروسيا، وهو ما أعلنه نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أمس صراحة، بقوله: “إنه لا يرى بوادر لعقد اجتماع جديد بين وزيري الخارجية الروسي والأمريكي، سيرغي لافروف وجون كيري، بصيغة لوزان، قبل إجراء انتخابات الرئاسة الأميركية في الـثامن من الشهر المقبل”.

بالمقابل، لم تنفِ المعارضة السياسية، ولا العسكرية صحة تصريحات المتحدث باسم الأركان الروسية، بشأن حصول مقاتليها على مضادات طائرات، كما فعلت في مرات سابقة حيال تسريبات أو تكهنات صحفية، بوصول كميات من تلك الصواريخ إلى فصائل توصف عادة بالمعتدلة؛ ما يُضفي مزيدًا من الصدقية على التصريحات الروسية، ويدفع إلى التساؤل عن أسباب التأخر في ظهور تلك الصواريخ على أكتاف مقاتلي جيش الفتح، وعن التوقيت الملائم لاستخدامها، إن لم يكن في معركة حاسمة ومنازلة عسكرية كبرى من عيار حلب.

المرجح، أن تلك الصواريخ لا وجود لها؛ حتى الآن على الأقل، سوى في تصريحات الجنرال الروسي، وتسريبات الإعلام الموالي للأسد، ومنها ما نشرته صحيفة السفير اللبنانية، لأحد مراسليها في دمشق، والمعروف بتبعيته لأجهزة المخابرات، وذهب فيها إلى حد تأكيد وصول شحنتين منها خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، إلى أيدي من أسماهم بـ “الجهاديين”، إضافة إلى شحنة أخرى من مئة صاروخ، تولى الروس إبلاغ نظرائهم الأميركيين في مجموعة التنسيق المشترك في جنيف بوصولها إلى سورية على ذمة المراسل، الذي لم يتردد في استعراض معلوماته “المؤكدة”، عن تزويد الأميركيين والسعوديين “للمسلحين” بصواريخ “القوس الطائر اف ان 6” الصينية، وهي صواريخ لا تأثير ميدانيًا لها على القاذفات الروسية، التي تعمل على ارتفاعات لا يمكن أن تبلغها هذه الصواريخ التي لا يتجاوز مداها الثلاثة آلاف متر، بحسب “السفير”.

لا شك، في أن اعتلاء تلك الصواريخ لأكتاف مقاتلي المعارضة، بغض النظر عن منشئها ومداها، يحتاج إلى ضوء أخضر أميركي لن يضيء في زمن أوباما، وهذا ما يثق فيه بوتين تمامًا، عدا بوابة العبور التركية، وهي مغلقة بفعل تفاهمات غير معلنة بين موسكو وأنقرة، ويشي بها السلوك العسكري للعاصمتين كلتيهما داخل الأراضي السورية.

لم يعد سرًا أن روسيا خلعت “قوات سورية الديمقراطية” التابعة لميليشيا حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وتخلت عنها، بعد الانتهاء من استخدامها في الضغط على تركيا، التي سارعت إثر لقاء المصالحة بين “أردوغان – بوتين” في موسكو، إلى إطلاق عملية “درع الفرات” بالتدخل العسكري المباشر، ومساندة الجيش الحر، في طرد داعش ووأد حلم “العمال الكردستاني” الإرهابي بإقامة الكانتون الانفصالي، الممتد من أقصى شمال شرق سورية، وصولًا إلى شمال حلب، على طول الحدود السورية – التركية، والتي وصلت إلى مرحلتها الرابعة، بتوجه “الحر” للسيطرة على تل رفعت، حيث من المتوقع حسم معركتها خلال أيام، ثم الانطلاق نحو مدينة “الباب” في ريف حلب الشرقي؛ لتخليصها من قبضة “داعش”.

هذا الهدف التركي بإزاحة الكابوس الكردي الانفصالي بعيدًا عن حدودها هو أولوية، تستحق في ميزان أمن أنقرة القومي، أن تغض النظر عن التطورات العسكرية الخطِرة في مدينة حلب، وأن تبتلع لسان الاعتراض عليها، بل حتى أن تضم صوتها إلى صوت موسكو بإخراج المقاتلين والأهالي من أحيائها الشرقية، وبطبيعة الحال أن تمنع عبور مضادات طائرات، لا تزال -بحسب ما نشرته “واشنطن بوست”- حبيسة النقاش في أروقة الإدارة الأميركية، والتي خلصت -خلال  الاجتماع الأخير لمجلس الأمن القومي- إلى تعليقها بين الرفض والقبول، بانتظار أن يبت فيها الرئيس الأميركي الجديد، فيما بوتين ماض في إعادة تنفيذ سيناريو غرزوني الشيشانية في حلب السورية، وهو سيناريو تجعله “دراما” مضادات الطائرات  المحمولة على أكتاف مقاتلي المعارضة أكثر إثارة، وتبريرًا للتدمير والدموية.




المصدر