on
الترحيل أو “المزاد العلني” مصير يهدد خمسة آلاف سيارة سورية في تركيا
ضمن جملة القرارات الجديدة التي طالت المواطنين السوريين مؤخراً على الأراضي التركية، أصدرت مديرية الأمن العام التابعة لوزارة الداخلية في 28 أيلول الماضي، تعميماً على دوريات المرور في جميع الولايات، يقضي بالحجز على أي سيارة سورية لا يتوافق اسم مالكها الحالي مع اسم الشخص الذي أدخلها إلى تركيا، واعتبارها مخالفة ويجب تسوية وضعها.
أثار القرار بعد الإعلان عنه جملة تساؤلات من قبل السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبره الكثير من مالكي هذه السيارات “مجحفاً” بحقهم، لا سيما أنه يأتي بعد قرابة عام على تسجيل سياراتهم في تركيا بشكل قانوني، حيث حصلوا من خلالها على لوحات تركية بعد دفع الرسوم الكاملة والضرائب السنوية، وفق القوانين والأنظمة النافذة.
نص قرار جديد أصدرته الحكومة التركية على أن جميع السيارات السورية التي تم تغيير مالكها الأساسي خلال السنوات الماضية “مخالفة”، ويجب تسليم كل سيارة لا يتفق اسم مالكها الحالي مع المالك الذي دخلت السيارة باسمه من المعبر الحدودي، وإيداعها “الكراج” حتى يحضر من قام بإدخال السيارة ومالكها الحالي ليتم ترحيل السيارة خارج تركيا، وفق إجراءات الجمارك والمرور ومعبر باب الهوى الحدودي مع سوريا، ودفع غرامة تقدر بربع قيمة الضريبة السنوية التي تقدر حسب قيمة السيارة، مضافاً إليها غرامة أيام الحجز.
ووفقا للتعميم الصادر، والذي اطلعت “صدى الشام” على نسخة منه، فإن بيانات ووثائق قرابة 4739 سيارة سورية تختلف بين المعبر ودائرة المرور، وهو رقم يمكن له أن يرتفع وفقاً للعديد من المطلعين، أثناء تنفيذ القرار.
تختلف بيانات ووثائق قرابة 4739 سيارة سورية بين المعبر ودائرة المرور التركية، وهو ما سيعرض هذه السيارات، وفق القانون الجديد، للترحيل خارج الأراضي التركية، ويحمل أصحابها تكاليف عالية، خاصة وقد دخل القرار حيز التنفيذ
ومن المتوقع أيضا أن تؤدي مصادرة هذا العدد الكبير من السيارات السورية لخسائر كبيرة جداً يتكبدها الملّاك، لا سيما وأن معظم السوريون الذين اشتروا هذه السيارات عبر عقود مسجلة في الدوائر التركية (نوتر) غير قادرين على الوصول للمالك الأساسي، بدعوى السفر، أو الوفاة، أو الهجرة إلى دول أخرى، بينما لم يوفر التعميم أي حل لهذه المشكلة سوى الاستغناء عن الآلية بشكل كامل.
حجز السيارات دخل حيز التنفيذ
خلال التواصل مع عدد من أصحاب السيارات السورية في عدد من الولايات التركية، أفادوا بأن القرار الجديد دخل حيز التنفيذ بالفعل، حيث لوحظ تدقيق دوريات الشرطة على السيارات السورية خلال الأيام الماضية، وتمت مصادرة عشرات السيارات السورية المخالفة في ولايات هاتاي، وغازي عنتاب، وكلس، دون وجود أي أرقام رسمية حتى الآن.
أسباب القرار وخلفياته
وبالعودة إلى أصل التعميم الجديد وماهيته، أوضح الأخصائي القانوني، ماجد درويش، من خلال حديث خاص لجريدة “صدى الشام”، أن أي سيارة تدخل الأراضي التركية يتم تسجيلها في دائرة الجمارك، ويسمح لمالكها باستخدامها خلال إقامته في تركيا لأغراض شخصية، أما في حال تأجيرها لشخص آخر، أو إعارتها أو نقل ملكيتها دون إذن، أو بيعها، أو استخدامها من قبل غير أصحابها، فإنه يتم اتخاذ إجراءات حسب أحكام المادة (238) من قانون مكافحة التهريب رقم (5607)، ويتم الغاء إذن الاستيراد المؤقت وتسليم المركبة لإدارة الجمارك.
ويسمح القانون التركي لمالك السيارة الأصلي بقيادتها، بالإضافة إلى الأقرباء الأصول والفروع، والزوجة والزوج فقط، شريطة امتلاكهم رخص قيادة تخولهم ذلك.
خبير قانوني: تم التغاضي عن تطبيق القانون التركي الخاص بالسيارات السورية لفترة طويلة، ما حرك عمليات البيع والشراء بين السوريين خلال السنوات السابقة، وهو ما تسبب بصعوبة تطبيق القرار الآن، مع عدم إنذار سابق بذلك.
ووفق الخبير القانوني المقيم في مدينة أنطاكيا، فقد “طبقت السلطات التركية هذا القانون على السوريين المقيمين على أراضيها رغم اختلاف ظروفهم ووضعهم القانوني”، مشيراً في السياق نفسه إلى أن “المشكلة جاءت من أن هذا القانون تم التغاضي عنه لفترة طويلة، ما حرك عمليات البيع والشراء بين السوريين خلال السنوات السابقة، وسط تغاضي الحكومة التركية سابقا عن هذا الأمر وعدم إنذار سابق بذلك”.
وأضاف درويش أن “الخطأ الأساسي هو عدم وجود تنسيق بين الدوائر التركية”، وتساءل “كيف يسمح لمالكي السيارات ممن لم تسجل الآليات باسمهم في المعبر سابقاً من تسجيل سيارتهم في تركيا العام الماضي ويتحمل هؤلاء تكاليف وصلت 1200 ليرة تركية (400 دولار تقريباً) ثم يصدر قانون بتعديل وضعهم حالياً، ألم يكن الأولى أن يتم ذلك سابقا؟”.
وفي سؤال عن مصير هذه السيارات بعد تعديل وضعها، قال درويش: “إن القانون الحالي ينص على إخراج السيارة نحو الأراضي السورية، ومنع دخولها مرة أخرى”. وهذا بحسب وصفه “أمر مستحيل”، فكيف سيتكلف المالك الحالي كل هذا التكاليف ثم ينقل سيارته إلى سوريا ويعود من جديد إلى الأراضي التركية، مشيراً إلى أنه “على السلطات وضع بند إضافي يسمح بتعديل وضع السيارة دون نقلها خارج الأراضي التركية”، وفق رأيه.
وتتضمن معاملة تسوية الوضع حضور الطرفين (المالك الأساسي والحالي) إلى المعبر الحدودي الذي دخلت منه السيارة، والحصول على ورقة إحالة إلى دائرة فرع المرور في الولاية لدفع غرامة مالية مضافاً إليها غرامة الحجز (60 ليرة عن كل يوم حجز)، ثم العودة إلى دائرة الجمارك، ودفع قيمة مالية تقدر بربع الضريبة السنوية للسيارة، ثم استلامها من المعبر والخروج بها نحو الأراضي السورية، مع منع دخولها مرة أخرى.
واقترح درويش في ختام حديثه الخاص لـ “صدى الشام”، أن “تعتمد السلطات التركية وثيقة جديدة لنقل ملكية السيارة بعد التأكد من بيعها بشكل صحيح، ومن خلفيتها الأمنية، وذلك كحل لتجنيب المتضررين خسارة سيارتهم”.
مشاكل معلقة بانتظار الحلول
يعتبر كثير من سائقي السيارات السورية القرار الأخير “منقوصاً” لأنه لم يأخذ بعين الاعتبار الظروف الإنسانية “الصعبة” التي يمر بها اللاجئون، خاصة أنّ معظمهم يعتمد على سيارته كوسيلة لكسب قوت يومه.
ويؤكد أصحاب السيارات السورية المخالفة الذين استطلعت “صدى الشام” آراءهم، أن القرار جاء متسرعاً، لأنه عاملهم كسياح أجانب في حين أنهم حالياً تحت ظروف الإقامة المؤقتة.
وتكمن المشكلة الأساسية وفق خالد (رفض الكشف عن اسمه الكامل لأسباب خاصة)، وهو سائق سيارة أجرة يعمل في مدينة أنطاكيا، في آلية تطبيق القرار.
ويستدل على رأيه بالحديث عن حالة جرت لصديقه الذي صودرت سيارته بسبب اختلاف في الأحرف بين اسمه في جواز سفره السوري والذي سجل بموجبه السيارة عند دخوله إلى تركيا، وبين الاسم الموجود على بطاقة تعريف الهوية المؤقتة (الكملك)، وهذا الأمر قد يندرج على آلاف السوريين من مالكي السيارات، وهو أمر بحسب خالد “يدعو للقلق”، وهو ما أجبره شخصياً على الامتناع عن الخروج بسيارته لحين معرفة تفاصيل القرار بشكل جيد.
تلقي كل دائرة في المرور التركي باللوم على الأخرى، ولا يوجد حتى الآن إجابة شافية عن كيفية فك الحجز عن السيارة، بالرغم من التكاليف الباهظة التي تترتب على طول مدة الحجز.
وقال محمد سويد، وهو مالك سيارة مخالفة صودرت قبل أيام قليلة في مدينة الريحانية، إنه ومنذ أيام، يتنقل بين معبر باب الهوى ودائرة المرور لتعديل وضع سيارته، لكن وبحسب قوله، “تلقي كل دائرة باللوم على الأخرى، ولا يوجد حتى الآن إجابة شافية عن كيفية فك الحجز عن السيارة”، مشيراً إلى أن “طول مدة الحجز سيكلف مبالغ باهظة”، وهو أمر خارج قدرته فيما لو استمر لفترة طويلة.
وقد طالب سويد بتخفيف الأعباء عن السوريين، داعياً الجمعيات السورية التي لها اتصال مع المؤسسات التركية المعنية للتواصل من أجل تعديل القرار أو إلغائه.
بدورنا، حاولنا التوصل إلى إجابات عن هذه التساؤلات عبر زيارة فرع إدارة المرور في أنطاكيا، لكننا لم نتمكن من مقابلة أحد من المسؤولين هناك، بسبب عدم وجود تصريح للمقابلة.
تجارة السيارات بين السوريين
من جهة أخرى، يرى البعض أن “القرار الأخير جاء في مكانه”، نتيجة انتشار ظاهرة تجارة السيارات السورية في تركيا، لا سيما في الولايات الحدودية، بشكل لافت، وبأسعار تقل بمقدار النصف عن نظيرتها التركية.
ورغم كون مكاتب تجارة السيارات السورية لا تحمل صفة رسمية، إلا أنها تعتبر تجارة رائجة حيث تستقطب العديد من السوريين الراغبين في الحصول على سيارة بأسعار مناسبة، لا سيما مع وجود عدد كبير من هذه السيارات في الأراضي التركية.
يتواجد في تركيا أكثر من مئة ألف سيارة سورية دخلت من المعابر الحدودية دون فرض رسوم جمركية عليها، وهو ما تسبب برواج تجارة تلك السيارات عبر مكاتب لا تحمل أي صفة رسمية، ويسعى أصحابها إلى تحقيق أرباح “خيالية”
ووفقا لتقديرات غير رسمية من “رابطة تجمّع المحاميين الأحرار”، يتواجد في تركيا أكثر من مئة ألف سيارة سورية دخلت من المعابر الحدودية دون فرض رسوم جمركية عليها.
ويشرح أحمد خطاب، وهو أحد المطلعين في هذا المجال، كيفية رواج هذه التجارة مؤخراً، إذ يعتمد البعض وفق قوله، على شراء سيارة من الأراضي السورية بأسعار أقل من المتوفرة في تركيا، “فالسيارة التي يبلغ ثمنها 5000 دولار مثلاً، تباع هنا (تركيا) بسعر مضاعف، نظراً لوجود الرسوم الجمركية على السيارات التركية، وهي رسوم يعفى منها السوري الداخل إلى تركيا عبر المعبر”.
هذا الأمر وفقاً لخطاب شجّع على افتتاح مكاتب لتجارة السيارات، سعى أصحابها إلى تحقق أرباح “خيالية”، وهو الأمر الذي دفع السلطات مؤخراً لإصدار مثل هذا القرار.
وبحسب خطاب، فإن عدداً من هذه السيارات جاءت من مصادر غير شرعية في سوريا، عبر السرقة مثلاً، أو قد يكون مصدرها أوربياً وتم تزوير معلوماتها وأوراقها.
مخاوف من مصير مجهول
تكمن مخاوف السوريين المعنيين بالقرار من استمرار “ضبابية” التعميم، على حد قول من التقيناهم، وعدم اتخاذ خطوات لحل مشكلتهم، وهو ما من شأنه ترحيل 5000 سيارة، وحرمان أصحابها من الاستفادة منها مستقبلاً.
ويخشى البعض أن ينتهي مصير سياراتهم إلى “المزاد العلني” في ظل عدم قدرتهم على تحقيق الشروط التي حددها القرار الجديد، الذي سيكلفهم أعباء مالية، ولن يتيح للملاك استعادتها من جديد وإدخالها إلى الأراضي التركية.
يضاف إلى ذلك جملة من الشائعات الجديدة التي انتشرت في أوساط السوريين المعنين والتي تتحدث عن نية السلطات التركية منع أي سوري من قيادة سيارته دون الحصول على شهادة قيادة تركية، وهو الأمر الذي سيكلف المزيد من الأعباء المادية إن تم فرضه.
يشار إلى أن السوريين الذين يملكون سيارات في تركيا يقسمون إلى قسمين الأول: من قام بتعديل لوحة سيارته السورية إلى تركية بعد أن دفع رسوما وضرائب العام الماضي، وتحمل سيارته لوحة (SAA)، أما القسم الآخر فهو من قام بشراء سيارة تركية عبر جواز سفره في تركيا وحصل على رخصة تخوله قيادتها وتحمل سيارته لوحة تدل على أنه مسافر ضيف في تركيا، وهؤلاء غير معنيين بالقرار.
صدى الشام