حلب تنتظر “الملحمة الكبرى” والنظام يضيق الخناق على غوطة دمشق


مع انتهاء الهدنة التي أعلنتها روسيا مساء السبت الماضي 22/10، عاودت طائراتها، مع طائرات النظام السوري ومدفعيته وصواريخه، دك الأحياء الشرقية المحاصرة من مدينة حلب، موقعة المزيد من الخسائر في صفوف المدنيين، بينما تكثر التلميحات والتصريحات الصادرة عن بعض القادة العسكريين في المعارضة بقرب انطلاق “معركة كبرى” ليس لفك الحصار عن حلب الشرقية وحسب، بل وطرد النظام من المدينة كاملة.

وخلال الهدنة التي استمرت 5 أيام، لم تتمكن الأمم المتحدة من إدخال مساعدات إنسانية للمدينة المحاصرة، او حتى إخلاء الجرحى بدعوى أن الأطراف المعنية لم توفر ضمانات كافية لتأمين سلامة موظفي المنظمة الدولية، بينما كثفت روسيا والنظام الضغوط والحملات الإعلامية لإجلاء المقاتلين وأهالي المدينة عبر الادعاء بتوفير ممرات آمنة للخروج، بما في ذلك خروج مقاتلي جبهة فتح الشام، وهو الأمر الذي لم يلق أية استجابة من أهالي المدينة ولا من مقاتليها الذين اعتبروا كل هذا الحديث إنما يدخل في إطار الحرب النفسية لروسيا والنظام.

والواقع أن فترة الهدنة كشفت مدى هشاشة الدور الذي تؤديه الأمم المتحدة وارتهانه للأجندة الروسية حتى تحولت المنظمة الدولية إلى “أداة في يد روسيا”، بحسب بيان مشترك للائتلاف الوطني السوري مع الفصائل المعارضة، وجاء فيه أن مبادرة الأمم المتحدة قاصرة، وتسهم في إخلاء المدينة بدل تثبيت أهلها في مناطقهم.

ومع فشل بلاده في إخلاء أي شخص مدني أو عسكري من حلب الشرقية خلال فترة الهدنة، اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الغرب بالعمل على حماية عناصر “جبهة فتح الشام” لاستخدامهم في محاولة الإطاحة برئيس النظام بشار الأسد، بينما زعمت وسائل إعلام النظام أن فصائل المعارضة هي التي منعت سكان حلب من الخروج.

 

ملحمة حلب الكبرى

ومن جهة فصائل المعارضة في حلب، تتواصل التلميحات حينا، والتصريحات أحيانا، بقرب بدء “معركة حلب الكبرى” التي ستحمل الخلاص لأهالي المدينة بشقيها الشرقي والغربي، ولكن دون وجود دلائل كافية على الأرض لمثل هذه المعركة حتى الآن.

وقال القائد العسكري في “جيش الفتح”، أبو عدي علوش، أن معركة فك الحصار عن الأحياء الشرقية في مدينة حلب ستبدأ قريبا، ولن تفلح “الطائرات الروسية والميليشيات الأجنبية في صد ما وصفه بـ”الطوفان القادم”.

كما أعلن توفيق شهاب الدين، القائد العام لحركة نور الدين الزنكي المنضوية في غرفة عمليات “جيش الفتح”، عن معركة وشيكة لفك الحصار عن أحياء حلب الشرقية المحاصرة، مؤكدا أن “ملحمة حلب ستبدأ قريبا”، داعيا في سلسلة تغريدات نشرها على حسابه في موقع “تويتر”، الفصائل الثورية بالترفع عن خلافاتها، ومواجهة العدو صفاً واحداً، والأهالي في المناطق المحررة إلى النفير وأن يكونوا عونا للمجاهدين.

وتوعد شهاب قوات النظام “بالخزي والعار”، وقال “انتظروا ما يسوؤكم، سنطرق أبواب الحرية بجماجمكم، انجوا برقابكم قبل أن يغرِّد الغراد وتزغرد المدافع”.

كما طالب النقيب حسن حاج علي، قائد جيش إدلب الحر، في تغريدة له عبر حسابه في “تويتر”، الفصائل الثورية بـ”النفير لملحمة حلب الكبرى”، مضيفاً: “إما نفنى أو يعيش أهلنا في حلب بكرامة وعز”.

وقال عمار سقار، المتحدث باسم تجمع “فاستقم كما أمرت”، إن “حصار حلب لن يطول وسوف تتمكن فصائل المعارضة من كسر الحصار قريباً”. في حين أكد القيادي العسكري في جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً)، أبو عبيدة الأنصاري، في تصريحات صحافية، أن “كسر الحصار عن حلب بات مسألة وقت”، مشيراً أن “جيش الفتح وفصائل المعارضة السورية تنتظر الإشارة لبدء معركة مصيرية في حلب”.

وأوضح الأنصاري إن “المعركة المقبلة ستكون على غير المعتاد، إذ ستكون لأول مرة بجيش وقائد عسكري واحد، وتضم جيش الفتح وفصائل أخرى في المعارضة السورية”.

غير أن التطورات على الأرض، تبدو أكثر تعقيدا. ومع مواصلة الطائرات الحربية الروسية قصف المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية، تشن قوات النظام هجماتٍ برية على عدة محاور، محققة بعض التقدم أحياناً، خاصة قرب بلدة خان طومان جنوبي حلب، بينما أخفقت محاولاتها المتكررة لاستعادة منطقة 1070 شقة برغم المحاولات الكثيرة التي قامت بها حتى الآن، وتكبدت خلالها مئات القتلى والجرحى.

كما تتصدى قوات المعارضة لمحاولات قوات النظام المتواصلة للتقدم على جبهة حي الشيخ لطفي جنوبي شرقي حلب، وكذلك حي الشيخ سعيد.

ووسط هذه التطورات الميدانية المتسارعة والمتصارعة، تبدو الجبهة الدبلوماسية أكثر خمولا حيث بدت خالية إلا من اتصالات أميركية روسية لا تبدو مبشرة. وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية الجمعة، أنه تم إحراز بعض التقدم في محادثات جنيف مع وروسيا ودول أخرى تحاول التوصل لوقف لإطلاق النار في مدينة حلب. وقال جون كيربي المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية: “هناك بعض التقدم، لكن لا أريد أن أكون متفائلاً بشكل مفرط”.

 

درع الفرات

رغم أن التطورات المتسارعة التي أعقبت انتهاء الهدنة الروسية كان مسرحها مدينة حلب وريفيها الغربي والجنوبي، لكن الريف الشمالي شهد أيضاً مواجهات أخرى بين فصائل “الجيش السوري الحر” المنضوية بعملية “درع الفرات” المدعومة تركياً، مع كل من تنظيم “الدولة” (داعش) و”قوات سورية الديمقراطية” ذات الغالبية الكردية، والتي اعترضت سبيل قوات “درع الفرات” في حربها مع (داعش)، ما اضطرها لتبديل أولوياتها والتوجه إلى مدينة تل رفعت التي سيطرت عليها القوات الكردية مطلع العام الجاري.

وبينما قصفت “وحدات حماية الشعب” الكردية، التي تشكل العمود الفقري لـ”قوات سورية الديمقراطية”، مدينة مارع القريبة من تل رفعت بالمدفعية، قصف الجيش التركي بالطائرات والمدفعية عشرات الأهداف لـ”قوات سورية الديمقراطية” شمالي حلب، موقعا في صفوفها عشرات القتلى.

ومع هذه التطورات، يبدو مسار عملية “درع الفرات” تحول باتجاه تل رفعت وقبلها قرية الشيخ عيسى والواقعة بين مارع وتل رفعت، بعد أن كانت تعتزم التوجه مباشرة نحو الشرق من دابق، إلى مدينة الباب، أبرز معاقل “داعش” بريف حلب الشرقي.

ويشكل تداخل السيطرة بين قوى مختلفة في تلك المنطقة تعقيداً إضافياً، حيث تتواجه قوات درع الفرات في تلك المنطقة مع ثلاث قوات أخرى وهي قوات سورية الديمقراطية وتنظيم داعش فضلا عن قوات النظام السوري الموجودة في مدينة الشيخ نجار الصناعية وتبعد نحو خمسة عشر كيلومتراً عن مدينة تل رفعت، فضلاً عن معاقل ميليشياته في بلدتي نبل والزهراء، التي تقع جنوبي تل رفعت بأقل من عشرة كيلومترات.

وزعم المتحدث باسم ما يسمى “لواء الشمال الديموقراطي”، خالد نجيب، إن قوات اللواء التابع لقوات سورية الديموقراطية أصبحت على تخوم مدينة مارع التي تسيطر عليها المعارضة السورية بريف حلب بعد سيطرتها على الطريق الرئيس بين قرية الشيخ عيسى والمدينة.

من جهته، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن عملية “درع الفرات” سوف تتقدم نحو مدينة الباب، أبرز معاقل تنظيم الدولة في ريف حلب، مؤكدا إصرار أنقرة على طرد تنظيم الدولة وقوات سورية الديموقراطية من المناطق القريبة من الحدود التركية.

 

الغوطة

وفي جنوب البلاد، تواصل قوات النظام محاولاتها لـ”تأمين” محيط العاصمة، و”تنظيفها” من مقاتلي المعارضة ومن “حواضنهم” الشعبية، عبر سياسة الحصار والتجويع والقصف اليومي.

وقد وصلت الأربعاء الماضي آخر دفعة من مقاتلي وناشطي داريا إلى ريف إدلب، قادمة من مدينة معضمية الشام، بموجب اتفاق مع النظام السوري على خروج من لا يرغبون بتسوية أوضاعهم في المعضمية مع عوائلهم إلى إدلب. وبذلك يكون العدد الإجمالي لمن هجّرهم النظام من المدينة وصل إلى 1625 شخصًا ينقسمون إلى 700 رجل، و925 امرأة وطفلاً.

وفي الإطار نفسه، تواصل قوات النظام سعيها للتقدم في الغوطة الشرقية، خاصة عبر محوري الريحان وتل كردي وسط قصف صاروخي من قوات النظام على المنطقتين، وغارات جوية على منطقة المرج.

ورغم هذه المخاطر التي يحملها تقدم قوات النظام، ووصولها إلى مسافة 2 كلم من مدينة دوما، المعقل الرئيسي لجيش الإسلام في الغوطة الشرقية، عادت الخلافات والصدامات للظهور مجددا بين جيش الإسلام والفصيل الرئيسي الآخر في الغوطة، وهو فيلق الرحمن.

ويقول ناشطون إن الشرعيين من كلا الفصيلين يقومون بدور تأجيجي للخلافات، عبر تجييش المدنيين وتوجيه اتهامات للطرف الآخر بالتخاذل والخيانة، ما ينذر بوقوع اشتباكات جديدة بين الفصيلين، بعد أن حصدت الصدامات الماضية بينهما، قبل أشهر، مئات القتلى والجرحى، وهو ما مكن قوات النظام من تحقيق تقدم كبير في المنطقة على حسابهما معا.

وكانت عدة مدن وبلدات في الغوطة شهدت يوم الجمعة الماضي مظاهرات تطالب بالتوحد وإيقاف القتال، تعرضت إلى إطلاق نار من جانب مقاتلي فيلق الرحمن، وهو ما استدعى قادة الفيلق إلى الإعلان عن إجراء تحقيق في الحادث.

 



صدى الشام