سوق الألبسة المستعمَلة في الجزيرة السورية: تجارة الفوضى البديلة


جيرون

غالبًا ما يضطر المواطن إلى امتهان أعمال يُجبر عليها؛ بسبب أوضاع الحرب، والشريحة العظمى من المواطنين يحمّلون السلطات القائمة مُعضلة الفقر المدقع، ففي الجزيرة السورية التي كانت من أغنى المناطق السورية زراعيًّا، باتت -اليوم- تستجدي الرحمة من حديثي النعمة، ومن تجّار الأزمات، لتوفير العمل لهم، والقضاء على النسب الكبيرة من الفقر، وتردّي الدخل المادّي للمواطنين، لكن لا آذان تصغي لمشاهد البؤس اليومية، فلا حلول في الأفق.
تجارة الألبسة المستعملة
“غدت تجارة الألبسة المستعملة من أكثر التجارات رواجًا، وكانت منتشرة بنسبة عالية قبل اندلاع الثورة وبروز الأزمات، إلّا أن الأوضاع السائدة الآن أضافت نسبًا عالية جدًا”، هكذا يقول تاجر ألبسة مستعملة لـ (جيرون): “سوق تجارة الألبسة الجديدة متدهور بنسبة مرتفعة؛ بسبب الحصار المفروض، وبسبب انخفاض القيمة الشرائية لليرة السورية، مقابل ارتفاع أسعار العملات الأجنبيَّة التي لا تملكها الغالبية العظمى من مواطني القامشلي وأريافها، إضافًة إلى الشراء التجاري بالعملة الصعبة، وعليه؛ فإن سعر القطعة يكون مرتفعًا ليصل إلى الـ 7 آلاف ليرة سورية، وهو مبلغ مرتفع، بالمقارنة مع الدخل المادي لأغلبية المواطنين”.
وعن سبل تنظيم هذه التجارة، قال: “لا يوجد أي تنظيم لهذه التجارة، فأغلب تلك الملابس تدخل عن طريق التهريب، عبر حدود الدول المجاورة؛ ليتمّ فرزها وتوزيعها، ومن ثم بيعها بحسب عمر هذه القِطَع من تجّار مختلفين، وعلى ارتباط تجاري بمجموعة من الباعة المُوزَّعين في مناطق الجزيرة السوريَّة المختلفة، دون أدنى رقابة من هيئات ما يطلق عليه “الإدارة الذاتية”.
تدني الأسعار والجودة
يتهافت معظم الأهالي في القامشلي، وباقي مدن الجزيرة، إلى أسواق الألبسة المستعملة؛ بسبب رخص أسعارها، لكن ما خفيّ على الأغلبية الأمراض التي من الممكن أن تحتويها تلك القطع، وفي هذا السياق يقول الطبيب المختص بالأمراض الجلديّة، محمّد حوتي، لـ (جيرون): “معظم الملابس المستعملة تكون وافدة من دول أوروبية، أو حتّى غير أوروبية، وفق التاجر المختصّ، ومن الممكن جدًا أن يكون الاستعمال المباشر، دون الاهتمام بغسل تلك الملابس بطريقة جيّدة، سببًا لنقل بعض الأمراض الجلدية المزمنة”.
وعن وسائل الحماية من هذه الأمراض، قال: “لا بدّ أن تكون هناك لجان طبيَّة مختصَّة، أو برامج حماية على الأقل، وحملات توعية لتنبيه المواطنين بهذا الخصوص، فأغلبية الأمراض الحاليَّة المنتشرة، ثمّة شكاوى مستمرّة بخصوص انعدام أدويتها، وبالتالي؛ بطء العملية العلاجية، أي أنّنا سنكون أمام كارثة صحيَّة في خضمّ الحروب الدائرة”.
فوضى التجارة
لكل عملية اقتصادية أساس تبنى عليه، لكن أغلب التجارات الرائجة في الجزيرة السورية تُمارَس وفق فوضى خارجة عن رقابة الجهات المعنيّة التي (من المفترض) أن تنظّم تلك الفوضى، باستخدام بنود وأساسيَّات تجاريّة متخصَّصة معمول بها؛ كي تكون للعملية الاقتصادية وتطورها الأثر المرجوّ لرفع مستوى الدخل للعاملين في مختلف أنواع التجارات، وعليه يقول أحد التجّار: “ما يؤخذ على هيئات ما تسمّى بـ (الإدارة الذاتية) في المنطقة هي الفوضى الحاصلة في الأسس الاقتصادية، فقبل أشهر تمّ تأسيس اتحادات لمختلف أنواع المهن، ولكن دون تقديم أي دعم لتلك الاتحادات، على العكس، تؤخذ منهم إتاوات وضرائب لا تساهم سوى في تأخّر كل أنواع التجارات المتوافرة في المنطقة، ما يؤدّي إلى إفراغ المنطقة وهروب رؤوس الأموال، بحثًا عن بلاد أخرى تحترم الاقتصاد، كرافد لتطوّر البنية المجتمعيَّة”.
تبقى التجارة الملاذ الوحيد بالنسبة للمواطنين؛ لرفع سويّة العيش وتأمين النفقات الباهظة للحياة الأُسريَّة والمعيشيَّة، وهذا الملاذ مرهون بالقوانين التي تُسنّ، وبمدى صلاحيتها لأن تكون محفِّزة على الاستمرار في صناعة التجارات المتنوّعة، وللعمل على الحدّ من هجرة رؤوس الأموال، أو استغلال المال في تجارات ممنوعة، تضرّ بالأساس الاقتصادي للبلاد.




المصدر