طبول الحرب تٌقرع في “حلب” والطوفان قادم


طبول الحرب التي تٌقرع الآن ليست بجديدة على ساحات مدينة “حلب” وأحيائها، ولا على كل الجغرافية السورية التي تشتعل بها جبهات المعارك وتحيط بها ألسنة النيران وتحلق فوقها غربان الموت المتمثلة بالطيران الأسدي والبوتيني، حتى الهدنة التي أعلنها الجانب الروسي لم تكن سوى استراحة موت عن أهالي “حلب” وعملية نقل جهود ومناورة لمواقع قصف الطيران في باقي الجبهات، فالطيران الروسي توقف عن قصف أحياء “حلب” الشرقية ونقل جهود طياريه نحو قرى وبلدات الريف الشمالي الغربي للمدينة، بينما قام الطيران الأسدي بنقل ساحات قصفه إلى ريف مدينة “إدلب” وريف “الساحل” المحرر وجبهة “ريف حماة” وحي “جوبر” و”الغوطة الشرقية” في “دمشق” ومحيطها.

الآن كثر الصراخ الروسي استدراكاً لما بقي من ولاية الرئيس الأمريكي “أوباما” واستغلالاً لانشغال الغرب في معركة “الموصل”، فانطلقت حملة إعلامية تقودها سفارات “بوتين” و”الصين” وأبواق “الأسد” و”حزب الله” تتحدث عن الملحمة الكبرى والمعركة الفاصلة التي تتحضر لها “روسيا” وميليشيات “إيران” وتوابعها للقضاء على الثوار في مدينة “حلب” وتخليصها من “الإرهابيين” على حد وصفهم، لكن الغباء الروسي والإيراني تناسى أن لا جديد يمكن أن يفعلوه أو يهددوا به الثوار، فعلى مدار سنوات الثورة المنصرمة وعلى مدار العام الأخير من عمر الاحتلال الروسي لسورية لم يعد هناك من جرعات الموت ما هو بجديد ليهددوا به أو يخيفوا به الحاضنة الشعبية أو الثوار في ساحات القتال، فكل ما تملكه ترسانة الأسلحة الروسية قد تم استخدامه، ومن قبلها ترسانة إيران؛ فالصواريخ العابرة للقارات “كاليبر” أطلقوها على البلدات المحررة من سفنهم المتواجدة في البحر الأسود ومن طراداتهم الراسية قبالة اللاذقية وطرطوس في البحر المتوسط، وقاذفاتهم الاستراتيجية من نوع “تو22″ و”تو95” وغيرها لم تبخل بحممها وحواضن قنابلها على الشعب السوري الحر، وطائراتهم القاذفة والمقاتلة القاذفة المحتشدة في قاعدة “حميميم” والتي بلغ عددها (108) طائرات، لم تتوقف طلعاتها يوماً منذ قدومها، عن قصف المناطق المحررة وتدمير كل ما تستطيع فوق رؤوس ساكنيه، حتى الأسلحة المحرمة دولياً من قنابل عنقودية وفراغية وحرارية وفوسفورية وسلاح النابالم لم تتوانَ غرف عمليات “الأسد” و”بوتين” عن استخدامها.

إذاً: ماذا بقي لديهم من سلاح لم يستخدموه حتى يهددوا به ثورة الشعب السوري الحر؟؟

لكن أيضاً علينا أن نقرأ الوقائع بتمعن ونتحضر جيداً، فاللقاء الذي جمع الرئيس الروسي “بوتين” بالمستشارة الألمانية “ميركل” والرئيس الفرنسي “هولاند” حمل خبراً مفاده أن القيادة الروسية لا تستبعد إعادة سيناريو “غروزني” في مدينة حلب، يضاف هذا الكلام مع خطورته لما قاله مسؤول روسي مؤخراً لصحيفة روسية من أن لا حل سياسي في سورية، وأن استخدام سياسة القوة هو ما يحقق أهداف “موسكو” ويحافظ على نظام “الأسد”. ولتحقيق تلك الأهداف تحتاج “موسكو” لقوة عسكرية جديدة قادرة على تنفيذ خططها وفرض أجنداتها، وهذا ما استدعى تحريك السفن البحرية ونقلها من خمس أساطيل إلى مقابل السواحل السورية.

ما الذي تحشده روسيا بحراً ولماذا؟؟

مع بداية الاحتلال الروسي للأراضي السورية والسيطرة على قاعدة “حميميم”، عملت القيادة الروسية على تدعيم تواجدها العسكري في سورية عبر مجموعة سفن حربية ضمت من (10-12) قطعة بحرية توزعت ما بين طرادات ومدمرات وسفينة استطلاع وسفينة مراقبة وتشويش، إضافة إلى سفن الإنزال والشحن والنقل التي أٌوكلت لها مهمة تغذية الجهود اللازمة للآلة العسكرية الروسية العاملة في سورية. ومع تزايد أعداد الطائرات وزيادة طلعاتها الجوية، ومع التهديدات التي أطلقتها “واشنطن” باحتمالية استهداف المطارات والقواعد الجوية لنظام “الأسد”، تم نصب منظومة دفاع جوي “إس_300” حول قاعدة “حميميم الجوية ونصب منظومة “إس_400” لنفس الغاية في محيط مرفأ طرطوس، مع الزج بمزيد من القطع البحرية ومن الأساطيل الروسية الخمس التي تمتلكها “موسكو” وهي:

– أسطول بحر الشمال

– أسطول البحر الأسود.

أسطول بحر البلطيق.

– أسطول المحيط الهادي.

– أسطول صغير في بحر قزوين.

 والنوايا الروسية المبيتة لخلق هذا الموقف العسكري الآن تجلت منذ أشهر، ففي الشهر السابع من عام 2015 تم إرسال أربع سفن جديدة سُحبت من بحر قزوين، وهي سفينة الصواريخ “داغستان 11661” والسفن “غراد سفياجسك” و”أوغليتش” و”فيليكي وستوغ”، ومع بداية الشهر الثامن من نفس العام أٌعطيت الأوامر للغواصة النووية الأكبر “روستوف نادونو” للانتقال من البحر الأسود والانضمام لبقية السفن مقابل السواحل السورية، ومع بداية عام 2016 تم الزج بسفينتين من أسطول البحر الأسود وهما “كوفروفيتس” و”زيليوني دول”، ثم لحقت بهما في الشهر التاسع من هذا العام ستة سفن حربية (هم في طريقهم الآن نحو السواحل السورية) أهمها الطراد “أدميرال كوزينتسوف” الذي يحمل أكثر من (50) طائرة وحوامة متنوعة والذي ما زال في طريقه باتجاه المياه السورية (تعطل السبت في القناة الإنكليزية وأرسل إشارات يطلب فيها المساعدة)، ويضاف لذلك (10) أقمار صناعية للتجسس والمراقبة والإنذار مهمتها تأمين عمل كل القوات الروسية في سورية.

بنظرة سريعة لتلك القوات ولتلك السفن المسلحة بأفضل منظومات الصواريخ، يكون من البديهي القول أن تلك الترسانة العسكرية غير مخصصة للحرب على الإرهاب كما تدعي “موسكو”، وأن مهمتها الواضحة إضافة لكونها “عرض عضلات” فهي قادرة على زيادة كمية الموت والقتل والدمار إذا ما تم استخدام رمايات صواريخها ضد المواقع المحررة (كما هو متوقع)، ومدينة “حلب” تتصدر مواقع الاشتباكات وتتصدر الاهتمام الروسي. وإذا ما ربطنا التصريحات والتقارير التي تتحدث عن معركة حسم تود “موسكو” القيام بها في “حلب” يكون قد تم تفسير معنى كل تلك الحشود الروسية التي أخلت بالتوازنات في المنطقة، والواضح منها أن “بوتين” يريد عبر تلك القوة وعبر هذا الحشد للقوات، التأثير على الغرب للتخلص من العقوبات والضغوط التي تمارس عليه من قبل قادة أوروبا وأمريكا، وبالتالي الاستثمار بالحالة السورية لتحقيق رغبات ومصالح روسيا العالقة مع الغرب.

 

ما هو رد الثوار:

 أمام حتمية المواجهة وأمام قدسية المهمة التي يحملها الجيش الحر وكل الفصائل التي تؤمن بثورة الشعب السوري الحر، كان لا بد من قرار حاسم ووحدة موقف تستطيع مواجهة التحديات التي تفرضها “طهران” و”موسكو”، ولا نقول “دمشق” لأن نظام “الأسد” لم يعد له قرار منذ فترة طويلة بعد تخليه عن قراره السياسي والعسكري للمرتزقة التي تقاتل لحمايته والإبقاء على ديكتاتوريته مسلطة على رقاب السوريين خدمة لمصالحهم وأهدافهم.

البيان الصادر عن حركة “نور الدين الزنكي” والبيان الصادر عن غرفة عمليات “جيش الفتح” بالإعلان عن معركة “حلب الكبرى” ليس إلا أمراً واقعاً فرضته التهديدات الروسية والإيرانية وأبواق نظام “الأسد”، وما هي إلا معركة دفاعية يخوضها أبناء “حلب” وأصحاب الأرض لمنع دخول آلاف المرتزقة وكل من جندتهم “إيران” و”موسكو” من ميليشيات طائفية حاقدة في حربهم على الشعب السوري الباحث عن الحرية.

 لكن، قد تكون موازين القوى ليست في مصلحة الثوار وفصائلهم المقاتلة، وقد تكون سيالة الإمدادات لدى فصائل “حلب” لا تقارَن بقدرات روسيا وإيران على الزج بالمعركة، وقد يفقد الثوار السلاح النوعي الذي يواجهون به طائرات “بوتين” و”الأسد” بعد رفض أمريكا تزويدهم به أو رفضها رفع “الفيتو” الذي يكبل ويقيد أصدقاء الثورة الصادقين، لكن تلك الظروف وهذا الواقع لن يُغير من الأمر شيئاً، فأمام حتمية التصدي لأهداف “إيران”، وأمام حتمية المعركة، وأمام واجب الدفاع عن أهل “حلب” الذين ضربوا مثالاً بوحدة الدم عندما رفضوا الخروج من المدينة تحت ضغط آلة القتل والمغريات التي قدمتها “موسكو” على لسان وزير دفاعها “شويغو”، وتشبثوا مع أبنائهم المقاتلين بتراب “حلب” وبيوتها المهدمة وشوارعها المدمرة، أمام كل ذلك أعلنت غرف عمليات الثوار في “حلب” عن توحدها بغرفة عمليات واحدة بعيداً عن أي إيديولوجيا وبعيداً عن أي راية وبعيداً عن أي فكر، وتجمعوا تحت هدف واحد يتمثل بـ “حماية حلب والدفاع عنها” واستعدوا لمعركة شعارها “نكون أو لا نكون”.

 خبرات التاريخ مع المعارك تقول: أن معارك الخيار الواحد هي معارك انتصار، والقائد طارق بن زياد عندما أحرق سفنه لجأ لتلك القاعدة، ومعركة حلب هي معركة كسر عظم ومعركة الخيار الواحد، فلا بديل للثوار عن الانتصار.

 وخبرات أهل سورية مع فصائلهم وجيشهم الحر تقول: إنهم أهل ثقة وأهل عزيمة وأصحاب كلمة، إن قالوا فعلوا، وإن وعدوا أوفوا، وإن أقسموا أبروا بعهدهم ويمينهم.

يا ثوار حلب وكل الجبهات السورية، رسالة شعبكم تقول:

قلوب أهلكم المحاصرين والنازحين والمشردين معكم

وعيون شعبكم تتطلع إليكم

ودعاء الثكالى واليتامى يرافقكم

وعلى بركة الله تقدموا



صدى الشام