هل يصوّت مجلس الدوما الروسي على دستور لسورية؟


إبراهيم قعدوني

سجّل الفيتو الروسي الخامس ضدّ قراراتٍ أمميّة ذات صلةٍ بالكارثة السوريّة، واقِعَةَ موتِ السياسة العالمية، وذلك بعجز المجتمع الدولي -بأسره- عن وقفِ جريمة إبادةٍ جماعيةٍ تجري على مرأى البشرية ومسمَعها، على هذا النحو، فإنّه يصعب الجزم بأنّ في الذاكرة البشرية متّسَعٌ للمزيد من تواريخ العار الإنساني؛ ليضاف إليها يوم السبت، الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر 2016، حين رفع محامي الشيطان، فيتالي تشوركين يده، مستخدمًا حق النقض ضد مشروع القرار الفرنسي؛ لوقف الأعمال القتالية في مدينة حلب السورية التي يحاصِر فيها ثلاثيّ الاحتلال الأسدي – الروسي – الإيراني مئات الآلاف من البشر، ويمطرونهم بأصناف شتى من القنابل المحرّمة دوليًّا.

إذا كانت ردّة فعل العالم “الحيّ” قد تضاءلت؛ حتى باتت تقتصر على ذهوله مما يجري، فإنّ الملفت أيضًا ذلك الموات العميق للعالم العربيّ، لقد مرّ وقتٌ منذ انقطع رجاء السوريين بما عقدوا عليه آمالهم، ووعدوا به ضمائرهم المتسائلة، أين الشارع العربي؟ أين العواصم من حلب؟ لماذا كل هذا النّكران الذي لا تستحقه سورية، البلاد الصغيرة التي اتّسعَ قلبها للجميع، والتي لطالما غصّت شوارعها بالمدافعين عن الحرية والعدالة والتضامن مع بلدانٍ في أقاصي الأرض. لكأنّما لا حياة لمن تنادي، لا يبدو أنّ خراب حلب ولا حصارُ مئات الآلاف من سكَانها، ولا قصف ما تبقّى من مستشفيات أحيائها المحاصرة، يحرِّكُ ضمائر المدن العربية المستقيلة، فاللّيل العربيّ أطول من أن يوقِظه احتلال سورية.

تأسس مجلس الأمن بعد الحرب العالمية الثانية، ليكون بمنزلة السلطة العليا التي تضمن حفظ السلم العالمي، أمّا اليوم فهو يمثل مجلسًا للعطالة  واللامبالاة العالميتين، وإذا كانت الحرب الباردة قد أدخلت المجلس المذكور في ما يشبه الغيبوبة، فإنّ عطالته الرّاهنة قد أدخلت الأمم المتحدة -بأسرها- في أزمة ثقة كيانيّة.

في أثناء العرض الهزليّ الأمميّ الذي جرى في ما نَفتَرِضُ بأنّه مجلسٌ للأمن الدولي، كانَت الطائرات الروسيّة وطائرات النّظام المزدَوج التّبعيّة تصنع خلفية المشهد على طريقتها البربريّة، مستهزِئةً بالمجتمع الدولي بقضِّه وقضيضه. كان عدد الضحايا المدنيين لتلك الغارات الوحشيّة يقترب من عتبة 400 ضحيّة، منذ بدء الحملة المسعورة على أحياء حلب الشرقية.

لم تتوقّف سخرية موسكو عندَ حدود الطاولة المستديرة للمجلس، فالطمأنينة الروسية للتفرّد في سورية أضحت راسخةً كما يبدو، وهاهو مجلس الدّوما الروسي، والذي لا يعدو كونه مجلسَ دُمى يحرّكها فلاديمير بوتين، قد صادق على اتفاقيةٍ تسمح بوجود عسكريّ دائم في سورية. هذا ليس كلّ شيء على الجانب الروسي، يقول الرّوس أيضًا بأنّهم ربّما يعقدون جلسةً للدوما في سورية! على هذا النحو لن نُفاجأ إذا ما رأينا مجلس الدوما الروسي يصوّت على الدستور السوري مثلًا، من يدري، فلا محرّمات في الميكافيلية الممسوخة للنظام السوري.

لربّما أدرَك المندوب المصري في مجلس الأمن حاجة تلك الكوميديا السوداء التي كانت تُعرَضُ على خشبة المجلس الأمميّ في الثامن من هذا الشهر، فقرر أن يُتحِفَها بإضافةٍ ارتجاليةٍ، تُلهِبُ العرض وتوقِظُ النائمين، جاءت الدّعابة المصريّة بنكهةِ الحالِ المصريّة تحت حكم العسكر، مضحكَةٌ مُبكِية، لم تقُل نعم نعم أو لا، بل قالتهما معًا في محصّلةٍ صفريّةٍ لمصر المُختطَفة منذ دهرٍ من عمقها العربي، ومن دورها الرياديّ هي الأخرى.

عربَدةُ طيران الاحتلال الروسيّ ذكّرَت وزير الخارجية الفرنسي بمجزرة الطيران النازيّ في بلدة غيرنيكا الإسبانية الواقعة في إقليم الباسك، وذلك إبّان الحرب الأهلية الإسبانية، كانت القوّات النازيّة تساند الزعيم الفاشيّ القوميّ موسوليني، في يوم عصر يوم الاثنين 26 نيسان/ إبريل 1937، أغارت الطائرات النازية، بقيادة الجنرال وولفرام فون ريشتوفين، على البلدة – الحكاية التي رسمها الفنان الإسباني بياكسو في لوحةٍ شهيرة سنة 1937، وجابت أنحاء العالم كشاهدٍ على البربرية والوحشية التي نزلت بالمدنيين في غيرنيكا، ثم تحوّلت -لاحقًا- إلى جداريةٍ كبيرةٍ في أحد شوارع المدينة.

يُحكى بأنّ جنرالًا ألمانيًّا التقى بالفنان بيكاسو الذي كان يقطن في مدينة باريس المحتلّة من النازيين آنذاك، وسأله حين رأى صورة اللوحة الشهيرة في شقّة بيكاسو، قائلًا: هل أنت من رسَمَ تلك اللوحة؟ أجابه بيكاسو قائلًا: لا، في الواقع أنتم من رسَمَها. لقد تحوّلت سورية على مدار ما يزيد عن نصفِ عقد إلى غاليري مفتوح للدم والخراب، فهل سيحين الوقت الذي يقف فيه القتلة أمام صورِ جرائمهم التي لا تُحصى؟

يُخشى أنَّ تكرار الإبادة في سورية جعلها تستقرّ في أذهان العالم على أنّها أشبه بحالة ديجاڤو (Déjà vu) أي: وهمُ سبْق الرؤية، لقد صارت المأساةُ مألوفةً لدرجةٍ لا يبدو إيقافها ضرورةً، تستوجِبُ استنفارًا عالميًّا يتعدّى الإطار المسرحيّ لدراما مجلس الأمن. لا تحتاج “غيرنيكا السورية” لمن يطوف بها مُدن العالم، تكفي صورة القدم البارزة من الأنقاض كمرآةٍ لوجه عالمنا الميّت.

في العربية الدّارجة، يسألون فرعون من فَرْعَنَكْ، فيجيبهم بأنّ أحدًا لم يردّني عن كيدي؛ ينطبق هذا السؤال وجوابه المأثور على الحالة السورية، في عام 2013، قال “جوي فيرهوفشتات، رئيس وزراء بلجيكا الأسبق، ورئيس كتلة الليبراليين الديمقراطيين (الكتلة الثالثة) في البرلمان الأوروبي، بأنّ الفشل الذي نراه اليوم في سورية يُردُّ إلى العطالة الأوروبية التي التزمت الخطّ الأوباميّ إزاء سورية. يضيف فيرهوفشتات أنّ المجتمع الدولي فشِلَ؛ أولًا لأنّ الأميركيين، ومنذ بواكير الكارثة السورية، اتخذوا قرارًا برسمِ خطّ أحمر على استخدام السلاح الكيميائي وحسْبْ، وثانيًا عندما وقف متفرّجًا حين استخدم الأسد ذلك السلاح، لكأننا بعثنا له برسالة تقول: إنّ بإمكانك أن تفعل ما تشاء، عليك فقط أن لا تستخدم السلاح الكيماوي!

تتوارد الأنباء القادمة من أحياء حلب، وتكشف عن فصول جديدة من تغوّل المشروع الإيراني داخل سورية، يبدو أن الإيرانيّين في عجلةٍ من أمرهم؛ لمنافسةِ الحليف الروسي اللّدود، لم تعُد سرًّا أنشطة إيران في شراء العقارات التي طالها القصف في أحياء حلب، يعرِض وكلاء طهران الطائفيين أثمانًا بخسةً على السوريين الذين هُدِمَت بيوتهم، وانكشفوا على العراء بلا نَصير ولا مُعين. هكذا يبدو المشهد التراجيدي في حلب، المدينة المأهولة منذ 5000 عام، والتي استقبلت زوّارًا من أرجاء شتى، لا تجد اليوم من يرفع عنها حيف الطغاة وعصاباتهم الطائفية، هكذا يبيع العالم دُرّةَ الشمال السوريّ، فيما يشتريها الإيرانيّون وعملاؤهم الطائفيون بثمنٍ بخس.

نقول في سورية بأنّ الفَرَجَ مُقدّرٌ وحتميّ بعد استحكام الضيق، وهل من ضنك أشدّ مما تشهده سورية اليوم؟ دعونا نتفاءل، فَلعلّ من شأن الاحتلالين الروسي والإيراني لسورية إعادة الحياة للثورة السورية وتحويلها إلى حركة تحرّرٍ وطني ضد احتلال أجنبي. ربّ ضارّة نافعة.




المصدر