المرأة السورية في الأردن.. قصص نجاح
26 تشرين الأول (أكتوبر)، 2016
عاصم الزعبي
استطاعت المرأة السورية في الأردن، كسر الصورة النمطية للمرأة اللاجئة، والتي عمل الإعلام والمنظمات الدولية والمحلية على إبرازها خلال السنوات الماضية، على أنها المرأة الضعيفة المستكينة، الراضخة لأوضاع اللجوء التي أجبرتها على الجلوس في المخيمات، أو في المنازل خارجها دون أن يكون لها أي دور في المجتمع، وأنها المرأة الساعية وراء جمعيات الإغاثة، وإغفال جانب مشرق لهذه المرأة تظهر فيه حقيقة النساء السوريات اللواتي يعملن بشرف لإعالة أسرهن، أو اللواتي يقدمن كل ما يمكن لمساعدة اللاجئين في محنتهم الصعبة، وقد تركت هؤلاء السيدات بصمات لا تزال نتائجها تتطور إيجابيًا يومًا بعد يوم.
تنوع العمل النسائي، للمرأة السورية في الأردن، بين عمل جماعي مؤسساتي، وفردي استهدف في مجمله تقديم كل أنواع الدعم للاجئين السوريين في الأردن وبكل المجالات الممكنة.
تجارب جماعية وفردية
راوية الأسود، سيدة سورية تقيم في البحرين، وبعد تدفق اللاجئين إلى الأردن صارت تمضي معظم وقتها في الأردن؛ لمساعدة هؤلاء الناس الذين يعيشون في أوضاع قاسية، وتقول عن تجربتها هذه: “أنا أؤمن بالعمل من أجل المجتمع، وبخاصة في هذه الأوضاع التي تمر بها سورية، فإيماني بذلك ينبع من مبدأ حرية الإنسان، والعمل على ذلك دائمًا”.
عملت راوية، مع مجموعة من السيدات السوريات، تعرّفت عليهن عبر وسائل التواصل الاجتماعي، على تشكيل أول منظمة سورية نسائية في الأردن من نوعها باسم (سوريات عبر الحدود)، والتي أنجزت أعمال عدة ناجحة خلال السنوات الماضية، ابتداءً من تأمين بيوت مسبقة الصنع لمخيم الزعتري، بعد أن غرقت معظم الخيام في شتاء عام 2013، وافتتاح مركز المنظمة في العاصمة الأردنية عمان، الذي يعمل على معالجة المصابين في مرحلة ما بعد العمليات الجراحية فيزيائيًا، وإنشاء قسم خاص لدورات اللغات الأجنبية، وورشات عمل نسائية، غايتها مساعدة المرأة السورية.
بقي تعليم الأطفال السوريين هو الهدف الأكبر الذي تسعى إليه راوية، بعد الازدياد الكبير في أعداد الطلاب المتسربين من المدارس، والذي وصل إلى نحو ستين ألف طالب في المرحلة الابتدائية، فبدأت مشروعها الجديد باسم (سوريات للتعليم)، ولكن ما لبثت الفكرة أن اصطدمت بالقوانين؛ ما أدى إلى إغلاق المركز بعد فترة وجيزة من انطلاقته، ومع هذا، رفضت أن تتوقف عن مساعدة أبناء بلدها، فلجأت إلى العمل التطوعي في تقديم كل أنواع المساعدات العينية لمخيمات اللجوء؛ وحتى اللاجئين الذين يسكنون في المدن الأردنية، وقالت: “العمل التطوعي مهم جدًا، وله أهداف كبيرة ومهمة من ناحية إيجاد قاعدة لبناء العلاقات الاجتماعية في مجتمع اللجوء بناء سليمًا، ومن ناحية ثانية لا يتعارض مع قوانين الدولة المضيفة”.
مؤسسات ناشئة وأعمال منزلية
تأسست مؤسسة (جاسمن) السورية في الأردن بداية عام 2014، وكان الهدف منها تأمين فرص عمل للسيدات السوريات، واختصت -في بدايتها- بتعليمهن الحرف اليدوية، لكن ما لبثت -بعد فترة وجيزة- أن بدأت بتوسيع عملها ليشمل الخياطة، حيث تعمل في المؤسسة 40 سيدة سورية تُعيل 40 أسرة، منهن 30 سيدة يعملن في المنازل، و10 سيدات يعملن في المؤسسة مقابل رواتب شهرية.
تقول لارا شاهين، مديرة المؤسسة: “نتعامل مع السوق المحلي الأردني، والخارجي بطريقة تجارية، ومن ناحية ثانية نسعى لتأمين فرص عمل للعوائل السورية، كما نقوم بعقد دورات دائمة للسيدات السوريات في مجال الخياطة، والحرف اليدوية، ونحاول مساعدة السيدات على العمل في المنزل، وتقوم المؤسسة بتسويق المنتجات وتصريفها في السوق ليعود ثمنها إلى تلك الأسر”.
تقوم منظمات أردنية وسورية بشراء ما تنتجه السيدات السوريات، وبشكل خاص المواد الغذائية التموينية، وتعمل على توزيعها في المخيمات النظامية، والمخيمات العشوائية في مناطق الأردن المختلفة.
نجاح تجربة شاهين في مؤسستها، دفع العديد من المنظمات إلى تقديم دعم تقني، من خلال تزويد المؤسسة بآلات للخياطة، والتطريز، وتعد وقفًا منها، وتهدف إلى تعليم السيدات عليها والعمل بها.
قروض وسوق خارجية
بدأت -في الآونة الأخيرة- منظمات عدة بدعم السيدات السوريات، بعد أن اكتسبن الثقة والصدقية في التعامل، عبر تقديم قروض تشغيلية بسيطة لهن، تُقدّم جماعيًا أو فرديًا، ويتراوح مبلغ القرض بين 500 إلى 1000 دينار أردني، وتهدف لشراء مواد أولية، تستخدمها السيدات في العمل في المنازل، أو شراء آلات الخياطة للعمل ضمن المنازل، أو ضمن أحد المراكز لكن لحسابهن الشخصي.
يقدم هذا القرض -كما تقول شاهين- “دون أي فوائد، ويبدأ استرداده بعد التأكد من انطلاق العمل انطلاقًا سليمًا، ومن وجود إيراد ناتج عن العمل، حيث يبدأ تسديد القرض بأقساط تتراوح ما بين 25 إلى 45 دينار أردني شهريًا، ويتلاءم ذلك مع مبلغ القسط الكلي”.
تُنتج مؤسسة (جاسمن) -اليوم- أكثر من عشرين صنفًا، بعد أن كانت تنتج خمسة أصناف في بدايتها، ومعظم منتجاتها لا تحتاج لآلات، فهي يدوية، وتهدف إلى تشجيع عمل المرأة في المنزل، وأوضحت مديرة المؤسسة أنها “تُنتج الصابون الطبيعي، والزجاج الذي يُرسم عليه، ومطرزات يدوية، ومطرزات النول، كما أن المؤسسة، ومن خلال الدورات التي تقيمها، تعلّم سيدات من الأردن، وفلسطين، والعراق، على طريقة صنع المنتجات التراثية السورية، وجلب مدربات من هذه الدول؛ لتعليم السيدات تراثها، بشكل يهدف للاندماج في المجتمع اندماجًا بسيطًا، من جهة، ومن جهة أخرى، لتبادل الخبرات بين السيدات؛ ما يؤثر إيجابًا في تنوع العمل واستمراريته”.
استطاعت المؤسسة تصدير منتجات السيدات السوريات إلى خارج الأردن؛ فهي اليوم تصدرها لدول أوروبية كالسويد، وبريطانية، ولدول عربية، منها الكويت والسعودية، والعراق.
أهداف نبيلة
تعدد نشاط السيدات السوريات في الأردن، ولم يقتصر على الناحية الإنتاجية، والإغاثية، فلم تكن الحملة التي أطلقتها ميسون مليحان، ابنة السادسة عشرة، والتي يُطلق عليها لقب (ملالا سورية)، أقل من أعمال سيدات أخريات، فقد أطلقت حملة في مخيم الأزرق للاجئين السوريين، للإبقاء على الفتيات السوريات في المدرسة، فكانت تزور خيام ومساكن اللاجئين، للعمل على إقناع الأهالي بضم أولادهم للمدرسة، وبشكل خاص الفتيات، والابتعاد عن تزويجهن في سن مبكرة؛ حتى صنفت ضمن قائمة أكثر 100 سيدة إلهامًا في العالم، والتي أصدرتها هيئة الإذاعة البريطانية في العام 2015.
هي المرأة السورية، بصورتها الحقيقية، التي طالما عُرف عنها قدرتها على التأقلم مع قسوة الحياة، وتغير الأوضاع، والتي لم يقف اللجوء حاجزًا بينها وبين طموحاتها في استمرارية الحياة، أو أن تقدم كل ما أمكنها لخدمة اللاجئين، هي ترفض أن تكون عالة حتى على منظمات دولية، وتضع بأولويات عملها المحافظة على مكانة المرأة، وحماية كرامتها.
[sociallocker] [/sociallocker]