تركيا وتداعيات معركة الموصل على أمنها الإقليمي


فراس محمد

أعلنت القوات العراقية في السابع عشر من شهر تشرين الأول/ أكتوبر الحالي انطلاق معركة تحرير الموصل من (تنظيم الدولة الإسلامية)، في ظل وضع إقليمي ودولي بالغ التعقيد، خاصة بالنسبة للجارة تركيا، والتي ترى أن إصرار الحكومة العراقية على عدم السماح لقواتها في المشاركة في تحرير المدينة، سيشكل ضربة كبيرة للمصالح التركية في العراق، وتهديدًا لأمنها الإقليمي، وخاصة فيما يتعلق باتساع نفوذ حزب العمال الكردستاني حليف إيران، وما يترتب عليه من عواقب وخيمة، ستكون لها ارتدادات تطال حتمًا مناطق جنوب شرقي تركيا المحاذية للعراق.

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في حديثه عن حق بلاده في المشاركة بمعركة الموصل: “إن قواتنا يجب أن تكون في المكان الذي لابد أن نكافح فيه من أجل استقلالنا ومستقبلنا، وتركيا لن تنتظر حتى يدق خطر المنظمات الإرهابية أبوابها، لذا؛ سنقوم -منذ الآ-ن بملاحقة هذه المنظمات، وننقضّ عليها أينما وُجدت؛ لإنهاء فعالياتها والقضاء عليها”، وألمح أردوغان إلى أن تركيا لن تقبل بمحاولة إقصائها من معركة الموصول، بقوله: “عملية درع الفرات قمنا بها دون إذن من أحد، وسندافع عن العراقيين والسوريين دون استثناء”.

تستند تركيا في حقها في الوجود العسكري في الموصل على معاهدة لوزان 1923، واتفاقية أنقرة 1925 التي منحت تركيا حق التدخل العسكري لحماية الأقلية التركمانية في حال تعرضها لأي اعتداء، لذا؛ تخشى تركيا من تهجير مليشيات الحشد الشعبي العراقيين التركمان السنة، وخاصة في مدينة تل أعفر، والإبقاء على التركمان الشيعة، وربطهم بمناطق نفوذهم في كل من طوزخرماتو المحاذية لكركوك، وبالتالي؛ توجيه ضربة لحليف أنقرة في شمالي العراق رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني، لحساب مناوئيه في حزب العمال الكردستاني، من خلال السيطرة على منطقة سنجار، وهو ما سيشكل ضربة قوية لجهد أنقرة في محاصرة الحزب الذي يخوض حربًا شرسة ضد أنقرة في جنوب شرقي البلاد، كما تنظر تركيا بعين الريبة للدور الإيراني ذي البعد الطائفي في معركة الموصل، فهي تدرك مدى خطورة أحكام طهران السيطرة على المنطقة، وتشكيل ممر بري مع حلفائها في سورية ولبنان، وهو ما سيهدد مصالح تركيا في سورية من جهة، وسيزيد الضغط الذي يشكله حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني (PKK)، على امن حدودها الجنوبية، فنظاما طهران ودمشق يدعمان حزب العمال الكردستاني، وهناك توافق بينهما وبين الحزب على تسليم سنجار لحزب العمال، مقابل مساعدة الحزب للجهد الإيراني في السيطرة الكاملة على معظم مناطق السنة في العراق، وتقليص دور مسعود البرزاني حليف أنقرة في العراق.

أما النقطة الثانية، والتي لا تقل أهمية عن التهديدات المحتملة لأمن تركيا القومي، فهي أزمة اللاجئين الذين سيتدفقون إلى تركيا، وخاصة في ظل المخاوف من وقوع ممارسات تطهير عرقي من مليشيات الحشد الشعبي الشيعية بحق أبناء الموصل السنة، وهو ما سيتسبب بموجة نزوح لمئات الألاف من سنة العراق باتجاه تركيا؛ الأمر الذي سيفاقم من العبء الذي تتحمله تركيا؛ بسبب وجود ما يزيد عن 3 ملايين لاجئ سوري؛ بسبب أوضاع الحرب التي تشهدها سورية، كما سيشكل تدفق اللاجئين العراقيين من الموصل تهديدًا أمنيًا، في ظل الخشية التركية من تسرب عناصر(تنظيم الدولة الإسلامية) مع اللاجئين المدنيين.

وفق هذه المعطيات تدرك تركيا تمامًا أن إقصاءها من معركة الموصل سيكون ضربة قاسية لها، وأن من يقف خلف محاولات إقصائها ليس الحكومة العراقية فحسب، بل قوى إقليمية ودولية تسعى جاهدة لتقويض أي دور إقليمي مستقبلي لتركيا.




المصدر