on
تقديم الأسد وداعميه للمحاسبة
نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية مقالًا للرأي اشترك فيه كل من (جون ألين)، وهو جنرال متقاعد من مشاة البحرية الأمريكية قاد قوة المساعدة الأمنية الدولية في أفغانستان 2011/2013 والتحالف الدولي لمواجهة تنظيم الدولة من عام 2014 إلى عام 2015. والصحافي (تشارلز ليستر) هو زميل في معهد الشرق الأوسط ومؤلف "الجهاد السوري: تنظيم القاعدة&تنظيم الدولة وتطورات تمرد".
في إيجاز للأحداث الدائرة في سوريا بين المقال أنه منذ خمس سنوات ونصف تقوم النظام السوري بالتعذيب وإطلاق النار وإلقاء قنابل محملة بالغاز على شعبها وهي تفلت من العقاب، بالرغم من الخسائر البشرية الناجمة عن عملياتها ضد شعبها الواضحة والتي يراها الجميع والتي خلّفت ما يقرب من 500.000 قتيل و11 مليون نازح. ومنذ بدء التدخل العسكري الروسي قبل عام واحد، بدأت الأحوال تتدهور أكثر فأكثر، مع أكثر من مليون شخص يعيشون في 40 بقعة سكانية مُحَاصَرة.
فبينما يقوم الأسد بمواجهة شعبه بحملة وحشية لا توصف على غرار ما كان يجري في القرون الوسطى، فإنه يخرب في الوقت نفسه المبادرات الدبلوماسية الرامية إلى تحقيق الهدوء الدائم لبلاده. والأسد ليس وحده المشارك في هذا المخطط الدبلوماسي المتدني وإنما روسيا تشارك في تطبيقه بطائراتها، وهي المتهمة الرئيسية بالهجوم الشرس الذي تعرضت له قافلة المساعدات التابعة للأمم المتحدة على مدار ساعتين في سبتمبر.
ومنذ ذلك الحين، ما يزيد على 2500 شخص على الأقل قُتلوا وجرح العديد في المناطق الشرقية من حلب، وسط القصف الشنيع الذي تنفذه كل من الطائرات الروسية مشاركة طائرات نظام الأسد؛ حيث إن روسيا اعترضت على نحو ساخر على قرار للأمم المتحدة من شأنه أن يحظر المزيد من الضربات الجوية في المدينة.
وشدد الكاتبان على أنه قد حان الوقت للولايات المتحدة أن تتصرف على نحو أكثر إيجابية في سوريا، لتعزيز أربعة أهداف مبررة: وضع حد القتل الجماعي للمدنيين. حماية ما تبقى من المعارضة المعتدلة لتقويض الروايات المتطرفة عن لامبالاة الغرب تجاه الظلم القائم. وأخيرًا لإجبار الأسد بالجلوس إلى طاولة المفاوضات. يجب على الولايات المتحدة ألا تتاجر بمسألة تغيير النظام، ولكن يجب أن يقدموا زمرة الأسد ومؤيديه إلى المحاكمة قبل فوات الأوان، فالعالم لن يغفر لنا تقاعسنا.
وأضاف المقال: أن عواقب استمرار التقاعس مروعة، فلقد سعت سياسة الولايات المتحدة دومًا على التأثير بشكل حاسم على الوضع التكتيكي على الأرض. فقد ألقت بقيود غير واقعية على فحص وتدقيق السياسة التي تمنع تسليح المجموعات لمحاربة للنظام وكانت غير قادرة على محاربة تنظيم الدولة؛ حيث كانت سياسة الولايات المتحدة واستراتيجيتها بشأن سوريا تعاني من عدم ترابط كبير، فلم تكن تركز عسكريًّا على المجموعات التي تقاتل النظام ولم تتبع أية وسيلة لتحقيق هدف السياسة المعلن وهو رحيل الأسد.
ونبّه الكاتبان إلى أنه لم يكن من الممكن ردم الهوّة الماثلة في هذه الاستراتيجية إلا من خلال برنامج تدريب وتجهيز شامل للسوريين المعتدلين لمحاربة تنظيم الدولة ومقاومة قوات النظام، ولكن للأسف، فقد سمح هذا النسيج المعقد بين استراتيجيتنا لمكافحة تنظيم الدولة وسياستنا المتبعة لإزالة الأسد – سمح ذلك بأن تتعرض المعارضة السورية المعتدلة لهجوم متواصل من قِبل النظام وروسيا معًا.
لقد قلنا لسنوات إنه لا يمكن أن يكون هناك أي نتيجة للحلول العسكرية في سوريا، ولكنّ الروس وحلفاءهم دفعت بالبعد العسكري للأزمة لتعزيز الموقف السياسي للنظام، وباسم محاربة "الإرهاب" للقضاء على منهجية المعارضة، بما في ذلك السوريون المعتدلون في حين قمنا نحن بالقول إنه يجب أن يكون خروج الأسد هو جزء من العملية السياسية للانتقال للحكم. وقد تم اتخاذ هذه الأهداف من عدم رغبتنا بالتورط مع النظام، والآن أيضًا عدم الرغبة بالتورط مع الروس.
إدانة الإدارة الأمريكية لروسيا، وتوقعاتها بسقوط موسكو في مستنقع شبيه بمستنقع فيتنام، يبدو بأنه سوء فهم لحساب التفاضل والتكامل لموسكو؛ حيث قامت روسيا وبإصرار بحماية مصالحها بأية وسيلة، بما في ذلك مهاجمة المدنيون وقوافل المساعدات التابعة للأمم المتحدة. التوقع بأن روسيا سوف تتعب من "مستنقع" سوريا وتصبح طيعة دبلوماسيًّا.... فهذا يتجاهل حقيقة واقعية، فلقد أظهرت روسيا قدرة فائقة على تعقب ثغرات السياسات الخاطئة والقتال تحت الشدائد، في نهاية المطاف، لا بد أن تكون روسيا فلاديمير بوتين -أو كما يبدو على الأقل أن تكون– في حالة صعود، كما هو الحال في أوكرانيا، على طول حدود حلف الناتو، في سوريا وحتى في ليبيا. إصلاح علاقاتها مع تركيا وتحسن لعلاقاتها في أماكن أخرى تزيد من تعقيد سياسة الولايات المتحدة.
في نهاية المطاف، لا يترك لنا ذلك سوى خيارين: أولًا، يجب على الولايات المتحدة أن تشجع انضمام حلفائها الأوروبيين لفرض مجموعة تصعيدية من العقوبات الاقتصادية ضد روسيا والهيئات والأفراد التي تدعم الأنشطة العسكرية وشبه العسكرية في سوريا وأوكرانيا وغيرها.
الخيار الثاني وهو ما يعتقد الروس أن الولايات المتحدة لن تفعله: تصعيد الصراع، فيجب على الولايات المتحدة تحدي الوضع الراهن ووضع حد لجرائم الحرب التي يرتكبها النظام، بالقوة إذا لزم الأمر، هذه الحاجة لا تتطلب جهدًا فائقًا. في الواقع، حتى الآن، قد يكون تحذيرًا هادئًا أكثر فعال.
بداية، يجب على الولايات المتحدة إنقاذ حلب. فكل من دمشق وموسكو وطهران تستعد لهدم المدينة بهجوم بري محتمل. وكما حدد كل من وكالة المخابرات المركزية والبنتاغون، فإن خسارة المعارضة في حلب يقوض بشدة أهداف الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب في سوريا. فرمزية المدينة وقيمتها الاستراتيجية كبيرتان جدًّا ولا نظير لهما، والسماح لها بأن تسقط من شأنه تمكين بشكل كبير الروايات المتطرفة، بأن جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة جنت ثمار عيوبنا.
ويؤكد المقال أنه ولإنقاذ حلب، يجب على كل من الولايات المتحدة وحلفائها تسريع وتوسيع تقديم المساعدة الفتاكة وغير الفتاكة لجماعات المعارضة المعتدلة المختارة. وتتمثل الغاية من هذه المساعدة لتمكين جبهات أخرى في شمال وجنوب سوريا لإجبار القوات الموالية للنظام لصرف الانتباه عن حلب، وينبغي أيضًا تزويد جماعات المعارضة بوسائل قصف المطارات العسكرية التابعة للنظام، وكثير منها تقع بالفعل داخل المجال الناري ومدى القذائف المدفعية.
في الوقت نفسه، يجب على الولايات المتحدة استخدام الآليات المتعددة الأطراف القائمة على الضغط من أجل وقف جديد لأعمال القتال الصارخة في سوريا والتي يجب أن تقابل بعواقب عسكرية أمريكية، ويجب أن يدعم مثل هكذا اتفاق الذي يبدو مستحيلًا بسبب التعنت المحتمل من دمشق ومؤيديها؛ إذ يجب على الولايات المتحدة جمع "تحالف الراغبين" لتهديد موثوق بعمل عسكري ضد البنية التحتية العسكرية لنظام الأسد.
إن الشروع في مثل هذا التسلسل ليس بالضرورة أن يؤدي لاستخدام القوة العسكرية كإجراءات عقابية في سوريا، فأي عمل ينبغي أن يستهدف المرافق والأصول العسكرية السورية التي تشارك في دعم وقصف المدنيين، مثل المطارات العسكرية والطائرات، ومخازن الأسلحة ومواقع المدفعية. وينبغي لنا أن نتوقع أنه من الممكن التعمد بخلط القوات والأصول السورية والروسية كرادع, في حين أن هذا الخيار من شأنه أن يعقد استراتيجيات ضرب الأهداف، فلا ينبغي أن تفوت فرصة لضرب العناصر والوحدات السورية المسيئة، مع الحفاظ على عمليات استهداف تنظيم الدولة لمكافحة التنظيم في أي مكان آخر.
وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي على الولايات المتحدة النظر في إنشاء ودعم قوات العمليات الخاصة الإقليمية، والتي يمكن أن تلعب دورًا استشاريًّا في مساعدة جماعات المعارضة في مهاجمة مراكز النظام.
وختم كل من الكاتبين أن مصداقية الولايات المتحدة كزعيم ومدافع عن العالم الحر يجب إنقاذها من الدمار المروع في سوريا، فالوقت لم يفت بعد لفرض القانون والأعراف الدولية. ومع ذلك، لا يمكننا انتظار لإدارة جديدة في واشنطن فالأحداث تتحرك بسرعة كبيرة جدًّا, وبشار الأسد ليس هو الحل للأزمة السورية، وهو أقل تأهيلًا كشريك محتمل في مكافحة الإرهاب، بعد أن قضى الكثير من السنوات الـ16 الماضية في مساعدة وتحريض القاعدة، وعلى ما يبدو دعم تنظيم الدولة أيضًا، العمل بالتأكيد مليء بالمخاطر، ولكن السماح للأحداث بالتسارع يكشف مخاطر ارتفاع التكلفة في المستقبل في حال التأخر، فتدخل الولايات المتحدة لا مفر منه.