Written by
MICRO SYRIA ميكروسيريا
on
on
فؤاد مطر يكتب: سوريا وأخواتها بين العجز والتعجيز
فؤاد مطر
لم يستبشر اللبنانيون، ماضيًا عندما كانت حالهم يرثى لها وعلى نحو ما تُرثى لها أحوال سوريا الحاضر، خيرًا باجتماع لوزان، لكي نستبشر نحن والأشقاء السوريون والعرب عمومًا باجتماع لوزان بين رمزيّ الدبلوماسية الأميركية والروسية جون كيري وسيرغي لافروف يوم السبت 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2016.
جاء الوزيران إلى لوزان وأشاعا الأمل بأن كلاً منهما جاء للتوصل ولو إلى الحد الأدنى من التفاهم على صيغة لوقْف إطلاق النار، ذلك أن هنالك في حلب وبلدات أُخرى أرواحًا بريئة صغارًا ونساء ومسنين ينزفون دمًا ويتضورون جوعًا، وأن القليل من النظر بضمير إلى ما يحدث يستوجب التوافق على هدنة لبضعة أسابيع أو في الحد الأدنى لبضعة أيام. هدنة استثنائية كفيلة بإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذه الأرواح التي تصطادها طائرات «الصديق» الروسي الذي يرى أنه حقق نصرًا سياسيًا عسكريًا كبيرًا بمصادقته على اتفاق مع حليفه الرئيس بشَّار الأسد يتيح للقوات التي يرسلها ولعائلاتهم حصانة دبلوماسية وإعفاءات ضريبية طوال إقامتهم غير المحددة في القاعدة الأرضية التي تنطلق منها الطائرات التي تدمر ما شاء لها التدمير وتقتل ما شاء لها القتل. وهذا يحدث من دون أن يخالج هذا الطيار أو ذاك شعور بالرحمة أو بعذاب الضمير، وكيف سيخالجه ذلك ما دامت الأهداف بشرًا وحجرًا عربية سورية وليست روسية، وهو في فقدان هذا الشعور يتساوى مع الطيارين الأميركيين الذين أجازوا لأنفسهم إطلاق صواريخ طائراتهم على الفلاحين والأطفال في حقول فيتنام، وعلى ملجأ «العامرية» في بغداد حيث كان بضعة آلاف مع الجد والجدة والجيران الخائفين مثلهم يحتمون في الملجأ مطمئنين إلى أن هذا المخبأ يحميهم مِن الصواريخ البوشية الدقيقة في التصويب والتي طوَّرتها الآلة العسكرية الأميركية بحيث يفتك الصاروخ الواحد بالمئات دفعة واحدة، لكن صواريخ بوش الأب خيبت ظنهم وأزهقت أرواحهم. كما يتساوى هذا الطيار الروسي مع أقرانه الإسرائيليين الذين قتلوا بصواريخ طائراتهم تلامذة «مدرسة بحر البقر» في مصر وبالملاذ الأممي في قانا بلبنان، وهذا على سبيل المثال لا الحصر.
لم تنفع إطلالة كل مِن كيري ولافروف واكتفى الاثنان بتناول فطور الصباح من أطايب سويسرا التي تضاهي في حلاوتها أطايب آخرين، كما أنه لا مثيل لطعم حليب أبقارها، واحتسى كل منهما قهوته بعد حمَّام دافئ وربما بضع دقائق من التدليك. وفي هذه الأثناء كان القصف الجوي على حلب أبو الطيب المتنبي برضى الرئيس بشَّار الذي أوصل حاله إلى ما وصلت إليه سوريا، من طائرات بوتين النجم الوارث على أهون السبل رئاسة روسيا، يتواصل ضمن خطة مؤازرة النظام البشَّاري الصديق. ثم ينعقد الاجتماع الذي كان هنالك بعض من تعليق الآمال عليه، وينتهي وكما لو أنه لم يبدأ. وما يمكن افتراض حدوثه هو أن لافروف لمجرد انتهاء الاجتماع، زفَّ عبْر الخط الخاص إلى رئيسه بوتين ما معناه أن الأمور انتهت كما تحب. لم نتوصل إلى نتيجة. وعلى هذا الأساس ستكون إقامة قواتنا في سوريا على نحو ما ترمي إليه. وأما كيري فإنه بدوره اتصل برئيسه الذي يعُد الأيام المتبقية على ولايته الرئاسية الثانية. ونفترض أن الرئيس أوباما استقبل عدم التوصل إلى نتيجة باللامبالاة. ولعله في العقل الباطن يرى أنه منصرف وأن بوتين الباقي المبتهج بالاستيطان الحربي في سوريا سيجد نفسه ذات لحظة حرجة أنه أمام مرجعية سورية تطلب منه استعادة القوات التي أرسلها إلى سوريا، وعلى نحو ما فعله الرئيس السادات مع النظام الذي كان أعلى شأنًا في الكرملين من نظام بوتين. وعندما نتذكر ما أصاب «ترويكا» ذلك الزمن (بريجنيف. كوسيغين. بودغورني) من الخطوة الساداتية نزداد اقتناعًا بأن مقولة «التاريخ يعيد نفسه» إنما هي حقيقية، أما اللحظة التي يقول التاريخ فيها كلمته فإنها عمومًا بعد وصول تراكُم الأطماع واستباحة إرادة الشعوب إلى النقطة التي تفرز قرارًا سياديًا حتى إذا كان القرار مؤلمًا.
خلاصة القول: إن الحالة اللبنانية لم تلقَ في الماضي صيغة الخلاص في لوزان، وإنما وجدتْها في «الطائف». وكما الحالة اللبنانية فإن الحالة السورية لن تجد الحل إلا في الرحاب العربية، طائف أو ما يشبه هذا الطائف. وبإيجاد تسوية للموضوع السوري تُطوى صفحة خمس سنوات من التلاعب الدبلوماسي الدولي كنا في غنى عنه لو أن الرئيس بشَّار تجاوب مع المبادرة العربية الأخوية التي كانت ستصون سوريا شعبًا وكيانًا وتُبقي الرئيس في منأى عن الذي يعيشه نظامه منذ خمس سنوات. ونحن عندما نستحضر الحل العربي الذي لم يتجاوب معه الرئيس بشَّار قبل خمس سنوات يتضح لنا كم أن الفرصة التي أضاعها كانت ذهبية بمعنى المكانة والسلامة. وللتذكير فإن الحل كان يتضمن وقْف العنف والإفراج عن المعتقلين وسحْب قوات الجيش التي انتشرت في البلدات والمدن الغاضبة ونقْل سلطات الرئيس إلى نائبه وتشكيل حكومة وحدة وطنية. لكن الرئيس بشَّار فضَّل التحدي على الحكمة وأصغى إلى الذي زيَّن له مكاسب ما بعد رفْض الحل العربي. وها هي المكاسب ماثلة أمامه حيث سوريا مستباحة وملايين من شعبها بين لاجئ وتائه وكثير من عمرانها إلى دمار.
وعلى رغم تنوع الرؤية والمواقف وبالذات موقف مصر في مجلس الأمن، فإن محاولة عربية جديدة قد تنقذ سوريا، وبذلك لا يعود الانطباع السائد هو أن سوريا وبعض أخواتها تعاني أسوأ المصائر من العجز العربي والتعجيز الدولي الذي كان واضحًا في ضوء اجتماع لوزان أنه مستمر إلى ما شاء الحليفان المخلصان لسوريا البشَّارية اللدودان لسوريا الوطن والشعب، وهما إيران المرشد وروسيا القيصر. والله المنجي.
جاء الوزيران إلى لوزان وأشاعا الأمل بأن كلاً منهما جاء للتوصل ولو إلى الحد الأدنى من التفاهم على صيغة لوقْف إطلاق النار، ذلك أن هنالك في حلب وبلدات أُخرى أرواحًا بريئة صغارًا ونساء ومسنين ينزفون دمًا ويتضورون جوعًا، وأن القليل من النظر بضمير إلى ما يحدث يستوجب التوافق على هدنة لبضعة أسابيع أو في الحد الأدنى لبضعة أيام. هدنة استثنائية كفيلة بإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذه الأرواح التي تصطادها طائرات «الصديق» الروسي الذي يرى أنه حقق نصرًا سياسيًا عسكريًا كبيرًا بمصادقته على اتفاق مع حليفه الرئيس بشَّار الأسد يتيح للقوات التي يرسلها ولعائلاتهم حصانة دبلوماسية وإعفاءات ضريبية طوال إقامتهم غير المحددة في القاعدة الأرضية التي تنطلق منها الطائرات التي تدمر ما شاء لها التدمير وتقتل ما شاء لها القتل. وهذا يحدث من دون أن يخالج هذا الطيار أو ذاك شعور بالرحمة أو بعذاب الضمير، وكيف سيخالجه ذلك ما دامت الأهداف بشرًا وحجرًا عربية سورية وليست روسية، وهو في فقدان هذا الشعور يتساوى مع الطيارين الأميركيين الذين أجازوا لأنفسهم إطلاق صواريخ طائراتهم على الفلاحين والأطفال في حقول فيتنام، وعلى ملجأ «العامرية» في بغداد حيث كان بضعة آلاف مع الجد والجدة والجيران الخائفين مثلهم يحتمون في الملجأ مطمئنين إلى أن هذا المخبأ يحميهم مِن الصواريخ البوشية الدقيقة في التصويب والتي طوَّرتها الآلة العسكرية الأميركية بحيث يفتك الصاروخ الواحد بالمئات دفعة واحدة، لكن صواريخ بوش الأب خيبت ظنهم وأزهقت أرواحهم. كما يتساوى هذا الطيار الروسي مع أقرانه الإسرائيليين الذين قتلوا بصواريخ طائراتهم تلامذة «مدرسة بحر البقر» في مصر وبالملاذ الأممي في قانا بلبنان، وهذا على سبيل المثال لا الحصر.
لم تنفع إطلالة كل مِن كيري ولافروف واكتفى الاثنان بتناول فطور الصباح من أطايب سويسرا التي تضاهي في حلاوتها أطايب آخرين، كما أنه لا مثيل لطعم حليب أبقارها، واحتسى كل منهما قهوته بعد حمَّام دافئ وربما بضع دقائق من التدليك. وفي هذه الأثناء كان القصف الجوي على حلب أبو الطيب المتنبي برضى الرئيس بشَّار الذي أوصل حاله إلى ما وصلت إليه سوريا، من طائرات بوتين النجم الوارث على أهون السبل رئاسة روسيا، يتواصل ضمن خطة مؤازرة النظام البشَّاري الصديق. ثم ينعقد الاجتماع الذي كان هنالك بعض من تعليق الآمال عليه، وينتهي وكما لو أنه لم يبدأ. وما يمكن افتراض حدوثه هو أن لافروف لمجرد انتهاء الاجتماع، زفَّ عبْر الخط الخاص إلى رئيسه بوتين ما معناه أن الأمور انتهت كما تحب. لم نتوصل إلى نتيجة. وعلى هذا الأساس ستكون إقامة قواتنا في سوريا على نحو ما ترمي إليه. وأما كيري فإنه بدوره اتصل برئيسه الذي يعُد الأيام المتبقية على ولايته الرئاسية الثانية. ونفترض أن الرئيس أوباما استقبل عدم التوصل إلى نتيجة باللامبالاة. ولعله في العقل الباطن يرى أنه منصرف وأن بوتين الباقي المبتهج بالاستيطان الحربي في سوريا سيجد نفسه ذات لحظة حرجة أنه أمام مرجعية سورية تطلب منه استعادة القوات التي أرسلها إلى سوريا، وعلى نحو ما فعله الرئيس السادات مع النظام الذي كان أعلى شأنًا في الكرملين من نظام بوتين. وعندما نتذكر ما أصاب «ترويكا» ذلك الزمن (بريجنيف. كوسيغين. بودغورني) من الخطوة الساداتية نزداد اقتناعًا بأن مقولة «التاريخ يعيد نفسه» إنما هي حقيقية، أما اللحظة التي يقول التاريخ فيها كلمته فإنها عمومًا بعد وصول تراكُم الأطماع واستباحة إرادة الشعوب إلى النقطة التي تفرز قرارًا سياديًا حتى إذا كان القرار مؤلمًا.
خلاصة القول: إن الحالة اللبنانية لم تلقَ في الماضي صيغة الخلاص في لوزان، وإنما وجدتْها في «الطائف». وكما الحالة اللبنانية فإن الحالة السورية لن تجد الحل إلا في الرحاب العربية، طائف أو ما يشبه هذا الطائف. وبإيجاد تسوية للموضوع السوري تُطوى صفحة خمس سنوات من التلاعب الدبلوماسي الدولي كنا في غنى عنه لو أن الرئيس بشَّار تجاوب مع المبادرة العربية الأخوية التي كانت ستصون سوريا شعبًا وكيانًا وتُبقي الرئيس في منأى عن الذي يعيشه نظامه منذ خمس سنوات. ونحن عندما نستحضر الحل العربي الذي لم يتجاوب معه الرئيس بشَّار قبل خمس سنوات يتضح لنا كم أن الفرصة التي أضاعها كانت ذهبية بمعنى المكانة والسلامة. وللتذكير فإن الحل كان يتضمن وقْف العنف والإفراج عن المعتقلين وسحْب قوات الجيش التي انتشرت في البلدات والمدن الغاضبة ونقْل سلطات الرئيس إلى نائبه وتشكيل حكومة وحدة وطنية. لكن الرئيس بشَّار فضَّل التحدي على الحكمة وأصغى إلى الذي زيَّن له مكاسب ما بعد رفْض الحل العربي. وها هي المكاسب ماثلة أمامه حيث سوريا مستباحة وملايين من شعبها بين لاجئ وتائه وكثير من عمرانها إلى دمار.
وعلى رغم تنوع الرؤية والمواقف وبالذات موقف مصر في مجلس الأمن، فإن محاولة عربية جديدة قد تنقذ سوريا، وبذلك لا يعود الانطباع السائد هو أن سوريا وبعض أخواتها تعاني أسوأ المصائر من العجز العربي والتعجيز الدولي الذي كان واضحًا في ضوء اجتماع لوزان أنه مستمر إلى ما شاء الحليفان المخلصان لسوريا البشَّارية اللدودان لسوريا الوطن والشعب، وهما إيران المرشد وروسيا القيصر. والله المنجي.
المصدر: الشرق الأوسط
فؤاد مطر يكتب: سوريا وأخواتها بين العجز والتعجيز على ميكروسيريا.
ميكروسيريا -
أخبار سوريا
ميكرو سيريا