كيف ترعى إيران إرهابَين؟


الاتحاد

اتُّهمت إيران برعاية الإرهاب قبل أن تصبح الدولة الأكثر دعمًا له. وأُسقط عنها هذا الاتهام فعليًا حين حققت نقلة نوعية في سياسة رعاية الإرهاب بعد أن تمكنت من الجمع بين دعم إرهابَين مختلفين بل متناقضين في خلفياتهما ومرجعياتهما.

وليست هذه إلا إحدى مفارقات سياسة الولايات المتحدة ودول أوروبية كبرى في الشرق الأوسط. فعندما تغيرت مصالح واشنطن في المنطقة، قادت مفاوضات لإبرام اتفاق نووي يكافئ إيران ضمنيًا. وتجاهل من أقبلوا على طهران في العامين الأخيرين أنها تتبنى إرهابًا ذا مرجعية شيعية يخضع لتوجيه «الحرس الثوري»، وتقدم دعمًا لوجيستيًا في الوقت نفسه لتنظيم «القاعدة» ومجموعات إرهابية أخرى مرتبطة به، وتوظّف ممارسات تنظيم «داعش» لدعم هيمنتها على العراق ونفوذها في سورية على نحو يطرح سؤالًا جديًا عما إذا كان الأمر يقتصر على هذا التوظيف.

وأدى تجاهل الولايات المتحدة ودول غربية هذا كله إلى دعم قدرة إيران على توظيف الإرهاب الذي يتشح برداء إسلامي سُني بريء منه، في الوقت الذي تتبنى إرهابًا آخر مرجعيته إسلامية شيعية.
فقد أصبح واضحًا في العامين الأخيرين بصفة خاصة المدى الذي بلغه اعتماد إيران في مشروعها الإقليمي على ميليشيات مسلحة شيعية تمارس الإرهاب. وباتت معروفة قصة هذه الميليشيات التي أشرف «الحرس الثوري» على تأسيس بعضها في العراق، ودرَّب وسلَّح وموَّل غيرها، ثم جمعها في إطار ما يُطلق عليه «الحشد الشعبي».

ولا يخشى داعمو هذه الميليشيات في إيران توسع نشاطها في المنطقة، فالمصالح التي دفعت واشنطن وعواصم غربية لأن تغمض عينيها عن إرهاب هذه الميليشيات في العراق ما زالت مستمرة. وروسيا، على الجانب الآخر، تجمعها وإيران أهداف مشتركة صارت هذه الميليشيات إحدى وسائل تحقيقها في سورية.
ولذلك يواجه من يقدمون أدلة على إرهاب ميليشيات «الحشد الشعبي» حالة دولية تحول دون إدانة هذا الإرهاب، في الوقت الذي تلتزم فيه القوى الكبرى الصمت إزاء علاقة إيران بالإرهاب الآخر الذي تحارب هذه القوى نفسها بعض تنظيماته.

فقد أبدت واشنطن لا مبالاة تجاه المعلومات التي باتت مؤكدة عن العلاقة بين إيران وتنظيم «القاعدة» على رغم أن جهاز استخباراتها المركزي «سي. آي. إيه» هو الذي يقدم آخر هذه المعلومات تباعًا منذ مارس الماضي من واقع أوراق أسامة بن لادن التي ضُبطت خلال عملية اغتياله في «أبوت آباد» الباكستانية في مايو 2011.

يحوي بعض هذه الأوراق خطابات تثبت وجود علاقة قوية قديمة ومستمرة بين إيران و«القاعدة»، ويفيد بعضها الآخر أن هذه العلاقة تشمل تأمين ملاذات لبعض قادة «القاعدة» وكوادرها في فترات معينة كانوا مطاردين فيها، والزعم بأنهم معتقلون حين تتسرب أنباء عن وجودهم على أرضها، ولكن هؤلاء الذين قيل إنهم اعتُقلوا غادروا إيران بعد ذلك، وواصلوا نشاطهم الإرهابي.

ويعني ذلك أن العلاقة بين إيران و«القاعدة» صارت ثابتة بأدلة كافية، بعد أن كان الاعتقاد في وجودها معتمدًا على استنتاجات منذ أن كُشف النقاب عن انزعاج بن لادن والظواهري من إقدام فرع «القاعدة» في العراق عقب تأسيسه بقيادة الزرقاوي على مهاجمة أهداف شيعية.

ولا يثير ذلك استغرابًا لأن مشروع إيران الإقليمي يفوق قدراتها ويدفعها إلى توظيف كل ورقة تستطيع استخدامها لخدمة أهداف هذا المشروع. ورغم أنه ليس هناك ما يثبت أن لها علاقة مع «داعش» أيضًا، فقد وظَّفت ممارساته الدموية وصورته المخيفة لتبرير صنع ميليشيات شيعية إرهابية ودعمها، وإحياء حليفها المفضَّل في سورية وتعويمه دوليًا، فضلًا عن إلحاق ضرر جسيم بالمكون الإسلامي السُّني في العراق.

ولذلك ربما يُثار لاحقًا سؤال مؤجل حتى الآن عن تفسير انسحاب القوات العراقية من الموصل في صيف 2014 فيما بدا كأنه تسليم المدينة لتنظيم «داعش». والسؤال هو: هل حدث ذلك عمدًا بفعل النفوذ الإيراني القوي في المؤسسات الأمنية الرسمية لدفع آية الله السيستاني إلى إصدار فتوى «الجهاد الكفائي» التي بررت صعود الميليشيات الشيعية من تحت السطح وتصدرها المشهد الميداني، وتولي الجنرال قاسم سليماني القيادة الفعلية للعمليات في العراق؟

وأيًا تكون الإجابة التي ستظهر يومًا ما، فالحاصل أنه ما كان لإيران أن تجمع بين رعاية إرهابَين مختلفين على هذا النحو، واللعب بأوراق تبدو متناقضة، إلا لأن القوى الدولية الكبرى تكيل بمكيالين أو أكثر في مجال الإرهاب.




المصدر