‘“الألغام” تحرم ريف حلب الشمالي من استثمار أراضيه الزراعية’
27 تشرين الأول (أكتوبر)، 2016
إلى الشرق من مدينته مارع في ريف حلب الشمالي، وقبالة حقله الذي لم يتمكن من زراعته للسنة الثالثة على التوالي، يقف المزارع أبو علي متكئاً على دراجته النارية، والحزن باد على وجهه.
كان الخمسيني هو نفسه متفائلاً قبل أيام بعودته إلى عمله في الزراعة كما كان سابقاً، لكن يبدو أن مخلفات الحرب “الألغام” التي زرعها تنظيم الدولة في حقله، قد جعلت من تفاؤله السابق في غير محله.
تمتد يده اليمنى لتشير إلى منتصف حقله متحدثاً: “كل هذه المساحة الممتدة من جانب الوادي إلى هنا، هي مناطق مزروعة بالألغام”، يصمت قليلاً قبل أن يعيد التحديق بها “يبدو أن هذه الأرض ستبقى بوراً بدون زراعة لهذا الموسم، رغم أن التنظيم قد ذهب إلى غير رجعة عن هذه المناطق”.
وبصوت خافت يضيف لـ”صدى الشام”: “لو لم تكن هذه الألغام هنا، لكنا الآن في صدد تجهيزها لزراعة القمح”، ومن ثم يستدرك “لا بد لنا من أن نزرعها يوماً، فإن لم يكن ذلك في هذا الموسم، ففي الموسم المقبل”.
حال أبو علي هو حال العشرات من المزارعين الذين ستحرمهم الألغام من زراعة حقولهم الممتدة على طول خطوط الاشتباك السابقة، والتي تقدّر بمئات الكيلومترات.
وفي هذا السياق أكد مدير مؤسسة إكثار البذار الحرة، المهندس الزراعي معن ناصر، لـ”صدى الشام”، وقوف الألغام المتناثرة في الأراضي الزراعية في ريف حلب الشمالي والشرقي، كعائق دون الاستثمار الأمثل لهذه المساحات الخصبة من الأراضي الزراعية.
وعبّر ناصر عن قلقه من هذا الواقع، مشدداً على أن “المؤسسة عازمة على توزيع البذار المحسنة والأسمدة على المزارعين، أملاً في دفعهم إلى ممارسة نشاطهم الزراعي السابق”.
حراثة الحقول مهمة انتحارية
محاطاً بالمعدات الصناعية في مخزنه الصغير، ينهمك أبو عبدو الحلبي بصيانة جراره الزراعي “المجنزر”، استعداداً لموسم قادم من حراثة الأراضي.
يقول الحلبي: “نرفض حراثة الأراضي التي تقع بالقرب من حقول الألغام، علماً بأننا نتلقى عروض مالية مغرية لقاء ذلك”، مضيفاً “العمل هناك أشبه ما يكون بمهمة انتحارية”.
وعدا عن الألغام التي تشكل هاجساً هنا، يشير أبو عبدو إلى بقايا القذائف العنقودية التي خلفتها الغارات الجوية الروسية على المنطقة، حيث يقول: “تمتلئ الأراضي هنا بالقنابل العنقودية التي لم تنفجر، ومع ذلك نحن نعمل، لأن هذا هو سبيلنا الوحيد لتحصيل قوتنا وقوت أطفالنا”.
يخوض الأهالي صراعاً يومياً مع الألغام، حتى أنهم كادوا يعتادون على سماع أخبار الحوادث الناجمة عنها، والتي غالباً ما تؤدي إلى الوفاة، أو بتر الأطراف على أحسن تقدير.
آلاف الألغام بلا خرائط
نبه قائد كتيبة الهندسة التابعة للجبهة الشامية، الملقب بـ”أبو ظريف”، المزارعين إلى خطورة الاقتراب من حقولهم الواقعة في ريف حلب الشمالي على خطوط الاشتباك مع التنظيم سابقاً، واصفاً إجمالي الريف الشمالي في حلب بـ”المنطقة الموبوءة بالألغام”، ومقدراً عدد الألغام في جنباته بنحو خمسة آلاف لغم، دون توفر خرائط عن مناطق زراعتها.
وقال لـ”صدى الشام”، إن “التنظيم وأثناء محاولته اجتياح الريف الشمالي، كان يعمد إلى زراعة المساحات التي يتقدم بها بكل أنواع الألغام ليمنع الثوار من استعادتها. بالمقابل، كان الثوار يفعلون الشيء نفسه لحماية مناطقهم من تسلل التنظيم إليها. وعلى إثر ذلك صارت لدينا مناطق ومساحات متطاولة مكتظة بالألغام”.
وحول أسباب عدم توفر خرائط للألغام التي زرعتها المعارضة، قال “أبو ظريف”: “أغلب من زرع هذه الألغام استشهد على إثر الاشتباكات مع التنظيم، ونحن على تعاون مع من بقي منهم على قيد الحياة في الوقت الراهن”. وتابع: “منذ بدء عملية درع الفرات حتى الآن، بلغ مجموع ما تم تفكيكه من الألغام حوالي 1000 لغم، ونتطلع إلى زيادة هذا العدد في الوقت القريب”.
غياب المعدات المتطورة يبطئ العمل
من جانب آخر، ناشد “أبو ظريف” الطرف التركي الداعم للمعارضة بتوفير “كاسحات ألغام متطورة” للتسريع من وتيرة العمل، الذي يسير ببطء كنتيجة للأعداد الكبيرة للألغام.
وعن وجود تعاون مع الجانب التركي بشأن تفكيكك الألغام، قال أبو ظريف إن “الخبراء الأتراك معتادون على التعامل مع الألغام التقليدية، وليس مع هذه الألغام المتطورة التي برع التنظيم في صناعتها”.
وتابع “أبو ظريف”، العامل في مجال تفكيك الألغام منذ حوالي أربع سنين: “هم يتقنون التعامل مع الألغام التقليدية، ونحن ومن خلال تجربتنا الطويلة، امتلكنا خبرات مختلفة على الأرض”.
ويؤكد محدثنا استحالة إزالة كل الألغام دون هطول الأمطار، حيث تساعد على كشف الأتربة التي تغطيها، كما أن المياه تسرع أيضاً من صدأ المعدن، مما سيؤدي إلى “تفوير” اللغم وتلفه.
كاسحة ألغام بخبرات محلية
وكانت الجبهة الشامية منذ وقت قريب، قد أعلنت عن تصنيع أول كاسحة ألغام محلية الصنع، بهدف تمشيط المناطق التي تتقدم إليها قوات المعارضة ضمن معركة درع الفرات في ريف حلب الشمالي.
ونشرت الشامية شريطاً مصوراً يظهر نجاح الكاسحة في تخطي الاختبارات التي أخضعت لها من تمشيطها لألغام حقيقة، وتصديها لحشوة ضد الدروع (آر بي جي) استهدفتها عن قرب.
وبحسب الجبهة، فإن الكاسحة التي يبلغ وزنها 50 طن، وبتكلفة مالية وصلت لنحو 150 ألف دولار أمريكي، ستقلب موازين المعركة.
[sociallocker] صدى الشام[/sociallocker]