الدولة الإسلامية بعد الموصل


أحمد عيشة

3

حقل نفط تشتعل فيه النار بعد تراجع مقاتلي الدولة الإسلامية في القيارة، العراق، كارك كورت/تصوير جيتي

بينما يندفع تحالف القوات العراقية والكردية، لاستعادة السيطرة على مدينة الموصل من الدولة الإسلامية، لا ينبغي أن يكون هناك أي شك في  أن الجماعة تخطط لما ستقوم به بعد ذلك. ستقاتل حتى النهاية للدفاع عن معقلها الأكثر رمزيةً وتعدادًا بالسكان. بعد كل شيء، هناك في الموصل، أعلن أبو بكر البغدادي –والذي بقي زعيمًا للمدينة لمدة عامين قبل أن يصبح زعيم الدولة الإسلامية في عام 2010 – الخلافة من فوق منبر مسجدٍ شهير يعود إلى القرن الثاني عشر.

إذا فقدت الدولة الإسلامية الموصل، فلدى الجماعة خطة طوارئ محددةٍ بوضوح، وهي الإستراتيجية التي كثيرًا ما أُعلنت من على منصاتٍ متعددة على مدى الأشهر الخمسة الماضية: انحياز، inhiyaz، أو التراجع الموقت إلى الصحراء.

ظهرت كلمة انحياز “inhiyaz” في أيار/ مايو، في آخر خطابٍ ألقاه أبو محمد العدناني-المتحدث باسم الجماعة، والذي قُتل في غارةٍ جوية أمريكية في آب/أغسطس، حيث أوضح السيد العدناني أنَّ الخسائر الإقليمية لا تعني الهزيمة وأنَّ المقاتلين سيواصلون مسيرتهم حتى النهاية ثم يتراجعون إلى الصحراء، يحضرون للعودة، مثلما فعلوا ما بين عامي 2007 و2013.

التقطت مختلف قنوات الدولة الإسلامية الفكرة، فكتبت جريدة النبأ، وهي نشرة الجماعة، مقالًا عن هذا الموضوع في آب/ أغسطس، مذكرةً مقاتلي الدولة الإسلامية في العراق، سلفَ الدولة الإسلامية، الناجية بعد أن تم طردها من المدن العراقية في أعقاب تدفق القوات الأمريكية عام 2007، وتمرد القبائل المعروف باسم الصحوة.

في حين تراجع معظم المقاتلين، وفقا لهذه المقالة، بقيَ العشرات من النشطاء بغرض التحضير لحملة إرهابية. وتوضح المقالة -بحق- أن حَمْلَةَ الجهاديين لفترة ست سنوات استنزفت وشظّت الجماعات السنية العراقية، ما جعل الأمر أكثر سهولةً بالنسبة إلى الدولة الإسلامية لتسيطر على المناطق السنية عندما عادت في العام 2013.

“تظهر الأحداث التاريخية أن مجاهدي الدولة الإسلامية منعوا المرتدين من التمتع، ولو بيوم واحد، بالأمن والسلامة”، تقول المقالة وذلك في إنذار مشؤوم مما قد يكون الآتي للعراق

كما أصدرت الدولة الإسلامية شريط فيديو في آب/ أغسطس، ومن المرجح أنه مصوَّر في ولاية الفرات (الرقة)، وهي واحدةٌ من المحافظات المعلنة للخلافة. وخلافا لمعظم أشرطة الفيديو العائدة إلى الدولة الإسلامية، والتي تظهر القتال في المناطق الحضرية، صوَّر هذا الفيديو قتالًا في الصحراء، مع لقطات من الاشتباكات قرب الرطبة، وهي بلدة إستراتيجية تقع غرب العراق على الطريق الذي يربط بغداد مع العاصمة الأردنية، عمان، في الفيديو، يهاجم مقاتلو الدولة الإسلامية ويستولون على معسكر زعموا أنه كان محميًا من قبل القوات الأميركية والحكومية العراقية.

وزعت وكالة أنباء الدولة الإسلامية، أعماق، مقتطفات من الفيديو مع ترجمة إلى اللغة الإنكليزية، وبعد أسبوعين، أعادت القناة نفسها إنتاج شريط فيديو مماثل، وتوزيعه، وقد تم تصويره أيضًا في الصحراء، وينتهي بمشهد سحب جثة جندي عراقي في أسفل الشارع.

تهدف أشرطة الفيديو هذه، مثل خطاب السيد العدناني والمقالات حول الانحياز، إلى تدريب مقاتلي الدولة الإسلامية على خسارة الأراضي، ولكن ينبغي على الولايات المتحدة وحلفائها أن ينتبهوا أيضًا.

بالنسبة إلى الدولة الإسلامية، ليست ولاية الفرات أقل أهميةً من الموصل. من أجل البقاء على المدى الطويل، فالصحراء مهمة مثل المدن أيضًا. ولاية الفرات هي المقاطعة الوحيدة التي تعبر الحدود العراقية السورية والأراضي والمناطق النائية مثلها، ولذلك فهي المكان المحتمل لتخفّي كبار الأعضاء، إن لم يكونوا هناك بالفعل.

يرى مسؤولون عراقيون بالفعل علامات على ما يمكن أن يعنيه تراجع الدولة الاسلامية إلى الصحراء. حيث قال اثنان من مسؤولي الأمن في صلاح الدين، وهي مقاطعة شمال بغداد، في مقابلة تلفزيونية مؤخرًا إنَّ الدولة الإسلامية كانت تنسحب إلى المناطق المحررة منذ كانون الأول/ ديسمبر عام 2014، لتقوم بتجنيد أعضاء جدد وتنظيم عمليات الكر والفر والهجمات الانتحارية في مناطق مأهولة بالسكان، كما هو الحال في شبه جزيرة سيناء المصرية وشمال غربي الريف الباكستاني، حيث يتعذّر على قوات الأمن متابعتهم.

كما يتذكر قادة الدولة الإسلامية، وهذا ما حدث بعد العام 2007، أصبحت الصحراء قاعدة وغالبًا للمقاتلين الأجانب، في حين يبقى العراقيون في الخلف.

سمح وجود الجماعة في المناطق الريفية لها بتجديد خزائنها عبر قطع الطريق السريع وعمليات الابتزاز، حيث ركز المسلحون هجماتهم على الخصوم القبليين وعلى قوات الأمن العراقية، زارعين الخوف وانعدام الثقة، مما جعل الظروف مهيأةً لعودتهم بعد ست سنوات.

ولكن الظروف الحالية، هي أكثر ملاءمةً لإعادة بناء الدولة الإسلامية، فالعراق الآن هو أكثر تشظيًا سياسيًّا واجتماعيًّا مما كان عليه آنذاك، كما أخبرني أحد العراقيين الذين شاركوا في مجالس الصحوة، لا توجد الآن هناك جماعة سنية في العراق يمكن أن تملأ الفراغ الذي ستخلفه الدولة الإسلامية.

يزيد الصراع في سوريا من تعقيد الوضع: حتى لو طردت الدولة الإسلامية من المناطق المأهولة بالسكان في كلا البلدين، فالحدود الصحراوية المفتوحة بينهما تجعل من الصعب ملاحقة الجماعة.

لا يمكن كسب الحرب ضد الدولة الإسلامية من دون ملء الفراغ السياسي والأمني الموجود حاليًا في  كثير من مناطق العراق. في نهاية المطاف، سيكون تراجع الدولة الإسلامية من الموصل انتصارًا تحتاج إليه البلاد كثيرًا، ولكن ما لم تُمَّكِن الحكومة في بغداد السنة العراقيين من ملءِ هذا الفراغ، ستظهرُ الجماعة مرة أخرى من الصحراء.

اسم المقالة الأصليThe Islamic State After Mosul
الكاتبحسن حسن* ، Hassan Hassan
مكان وتاريخ النشرنيويورك تايمز، The New York Times
رابط المقالةhttp://www.nytimes.com/2016/10/24/opinion/the-islamic-state-after-mosul.html?ref=opinion
المترجمأحمد عيشة

*- حسن حسن هو زميل مقيم في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، ومؤلف كتاب “داعش: من داخل جيش الإرهاب.”




المصدر