المفكر السياسي ياسين الحافظ… افتقدناك
27 تشرين الأول (أكتوبر)، 2016
عبد الحفيظ الحافظ
(في ذكرى رحيل ياسين الحافظ – 28 تشرين الأول/ أكتوبر 1978)
مقدمة:
منذ مقاله “القومية العربية لم تولد في السوق الرأسمالية”، أثبت ابن دير الزور ياسين الحافظ أنه مشروع مُفكّر وكاتب وسياسي متميز. وهو أحد مؤسسي حزب العمال الثوري العربي، ومن أهم قياداته ومفكريه، منذ تأسيس الحزب عام 1965 إلى وفاته عام 1978.
قد لا يُنصِف ياسين الحافظ من يذكر دور رفاقه في الحزب في ما كتب، وقد لا ينصفهم من لا يذكر دورهم بما كتب، وبالتأكيد كان الحافظ أكبر من الحزب، وعنده استشراف لمستقبل المرحلة والمنطقة العربية.
كانت “مناكفات” الحافظ الفكرية السياسية مع صديق عمره، المفكر الماركسي إلياس مرقص، مُحرّضًا ومُحفزًا لكل منهما، حيث رسما معًا صوت “تعريب الماركسية” و”الماركسية النقدية”.
لعبت ترجمة دار “الحقيقة” لكتب المفكر عبد الله العروي عندما ترأس الحافظ الدار، وتعرفه على العروي، دورًا في التقاطه وتبنيه مقولة “الـتأخر التاريخي”، وقد اعترف للعروي بهذا، واشتغل بدلالة هذا المفهوم.
عندما اشتد المرض على ياسين الحافظ، وقبل وفاته بأيام أملى على مَنْ حوله:
– عندما أمسكت بالقلم سقط من يدي.
وأصابت أم هيثم بعد وفاته عندما قالت: تُطلّ من وجه ياسين إشراقةٌ لا أراها عند غيره..
هزيمة حزيران 1967:
سبح الحافظ ضد التيار فيما كتب حول الهزيمة، حفر باحثًا في عمارة المجتمع والفكر عن جذور تلك الهزيمة، عادًّا الحرب اختبارًا لجميع قوى الأمة، يكشف فاتورة بما حققناه بعد عشرين عامًا من نكبة فلسطين.
حرب تشرين عام 1973:
دعا الحافظ في بيان أصدره باسم القيادة المركزية القومية لحزب العمال الثوري العربي، وقف التناقض مع الدول المنخرطة في الحرب، وطالب بتعبئة قوى الأمة في حرب إزالة مظفرة لآثار العدوان، وهزيمة حزيران/ يونيو.
ثم تحدث عن جنرالاتها التي اشتركت في الحرب: 1- الجنرال وحدة عربية، 2- الجنرال ناصر، 3- الجنرال سام، 4- الجنرال مفاجأة، 5- الجنرال معلومات، 6- الجنرال النفط، لكنها لم تكن بالتأكيد حرب تحرير؛ لغياب جنرال الجنرالات وهو الشعب، وغياب عقل عصري، ولو كان الشعب العربي حاضرًا، لما تمكّن أحدٌ من القبول بوقف الحرب والهدنة، ومن ثمة توقيع معاهدة كامب ديفيد، وخروج مصر من الصراع العربي – الإسرائيلي.
ياسين الحافظ في فرنسا:
– ماذا وجدت هناك يا أبا هيثم؟ أجاب:
– وجدت المواطن الفرد ديكًا، وأجد الإنسان هنا دودة. وجهتُ هذا السؤال إلى أحد قادة حزب البعث بعد زيارته لموسكو السوفيات، فأجاب:
– عندما تمر سيارات المسؤولين تقف سيارات الآخرين!
مبادرة روجرز:
وافق عبد الناصر على مبادرة روجرز فور إعلانها، فأيد ياسين الحافظ المبادرة، على الرغم من رفضها من القوى العربية ومن منظمة التحرير الفلسطينية، ورفضت قيادة الحزب في سورية توزيع بيان القيادة القومية، وفي اليوم التالي أخذت إسرائيل تندب؛ لأن ناصر نقل ليلًا قواعد سام إلى شاطئ القنال الغربية؛ ليحمي مدنها ولعودة سكانها، وليتفرغ لبناء الجبهة الداخلية استعدادًا للعبور.
بيروت مخمر العقل العربي:
بعد وفاة الحافظ تحدث إلياس مرقص:
كنت في بيت الحافظ، فأشار إلى مطعم قريب من بيته -في الحمرا- قائلًا:
– إن الإسرائيليين سيحتلون بيروت، وسيأكلون في هذا المطعم. دُهشت من حديثه. وأضاف:
– إن بيروت مخمر العقل العربي، إنها مستهدفة يا أبا زياد، وكان حديثه قبل اجتياح 1982.
أحكام الواقع وأحكام القيمة:
يكتب ياسين الحاج صالح: “كان ياسين الحافظ يميز -أواسط سبعينيات القرن العشرين- بين أحكام الواقع وأحكام القيمة، من أجل أن يفسح مجالًا للمعرفة في غمار تقييمات جاهلة، نازلة قص وتقطيع وتنكيل بروليتاري بالعالم كله، يبدو اليوم كتير بدائي هالتمييز، بس لسه شائع اعتبار الاهتمام بأمر ما والشغل عليه، ورفض الاكتفاء بلعنه، هو تفضيل له، أو ربما تبشير به.
لا تعرف! المعرفة خطأ، وهي اللي طلعتنا من الجنة! برأيي عدم المرور بمرحلة (حافظية) في الشيوعية السورية هو اللي أبقاها في حالة تحجر دائمة لا مخرج منها. تتطور، إذا تطورت، نحو ليبرالية غير نقدية، من صنف شيوعيتها نفسها.
ياسين الحافظ كان ممرًا إجباريًا للخلاص من الدوغما، متل ما كان هيوم لكانط. السلام لروحك يا أبأ هيثم”.
الحرب الطائفية اللبنانية 1975:
بدأت الحرب الطائفية في لبنان بحادثة تفجير الباص في عين الرمانة، فأطلق ياسين الحافظ تصريحه:
– تمخض الجبل فولد فأرًا، إنها حربٌ طائفية قذرة تحط بوعي اللبنانيين، وواجه بنقدٍ صارم مَنْ عدّها حربًا طبقية ووطنية وثورية.
ثمة ميل مصري للخروج من الصراع العربي – الإسرائيلي:
بعد وفاة جمال عبد الناصر وحلول نائبه السادات رئاسة الجمهورية وضربه الناصرية المستقيمة ممثلة بعلي صبري، وبعد حرب تشرين، أصرَّ ياسين الحافظ على رأيه:
– ثمة ميل مصري للخروج من الصراع العربي – الإسرائيلي، ورفض التصويب بالقول ثمة ميل النظام.. بل صوب رأيه ثمة ميل شعبي مصري…
اليمن الجنوبي:
كتب جوزيف مغيزل: عدتُ من اليمن الجنوبي “دولة الشيوعية” فاجأني ياسين الحافظ بسؤال:
– كيف وجدت البدوريتاريا؟
عندما نشبت الحرب الدامية بين قادتها الماركسيين – اللينيين، ولوذ كل منهم بعشيرته وقبيلته في حرب مسلحة، تذكرت سؤال الحافظ الكبير: كيف وجدت البدوريتاريا؟
عرف الحافظ الديمقراطية:
– هي الليبرالية زائد مفهوم الشعب.
التحالف الاستراتيجي مع المعسكر الاشتراكي:
أكد ياسين الحافظ على ضرورة تحالف الأمة العربية مع المعسكر الاشتراكي، لكنه اشترط:
– علينا أن نبعد مشروع الثورة العربية عن مجال الصراع بين المعسكرين.
ترييف المدن العربية:
وفدت قوى ريفية إلى المدن العربية، فسورتها بمخالفات قضمت غوطتها ومساحاتها الخضراء، وهي ليست قوى عمل فائضة عن تلك الأرياف، ولم تجد في المدن في الغالب فرص عمل منتجة، فمارست البطالة المقنعة، فجذب بعضها العسكر إلى صفوف الجيش والأجهزة الأمنية.
إن المدن العربية قرى انداحت سرطانيًا، وليست مدنًا حديثة، وحداثتها لا تتعدى قشرة سطح مجتمعاتها، فتريفت تلك المدن، وتعسكرت بانقلابات، رفعت شعارات القومية العربية والاشتراكية وتحرير فلسطين، فمكَّن الترييف والعسكرة من وأد جنين دولة الاستقلال، واستبدال دستور الاستبداد بالدستور المدني، دستور 1973 و2012 بدستور 1950.