‘عاطف الغمري يكتب: أي من المرشحين كان الأفضل للعرب؟’

27 تشرين الأول (أكتوبر)، 2016

6 minutes

عاطف الغمري

ظل السؤال ذاته يتكرر في عالمنا العربي، في سياق التنافس الانتخابي على الرئاسة الأمريكية، عما إذا كان أي من المرشحين المتنافسين، هو الأكثر صلاحية – من وجهة نظر عربية – لقضايا المنطقة. والسؤال في حد ذاته طابعه نظري. ويبدو منفصلاً عن الواقع الأمريكي، بنظامه السياسي الفريد، وبكيفية صناعة سياسة أمريكا الخارجية.
ودون أن نتشعب في مسارات عديدة داخل النظام الأمريكي، ومدى تأثير كل منها على السياسة الخارجية، فإن هناك ما يميز عالم السياسة في الولايات المتحدة، عن أي شيء مشابه في أي دولة في العالم، بما في ذلك حلفاؤها في أوروبا.
مراكز الفكر السياسي ThinkTanks والتي توصف في مئات الكتب التي صدرت هناك محققة في نفوذ هذه المراكز ودورها، تمثل نوعاً من حكومة ظل غير رسمية، موازية للمؤسسة الرسمية للسياسة الخارجية، وأن هذه الظاهرة ذات الخصوصية الأمريكية قد شكلت دور أمريكا في العالم طوال مئة عام. وكان تطور هذه المراكز – التي وصل عددها في الولايات المتحدة إلى 1200 مركز – يسير بالتوازي مع صعود أمريكا إلى مرتبة القيادة للعالم.
وإذا عدنا إلى السؤال الذي بدأنا به هذا المقال، عما ستكون عليه سياسة الرئيس الجديد، فسنجد أن في تاريخ الولايات المتحدة رؤساء، لم يكن لديهم إلمام كافٍ وعميقٍ بالسياسة الخارجية، لكن تحققت في عهودهم إنجازات سياسية ودولية مهمة، نتيجة اعتمادهم على أصحاب الخبرة، وخاصة من ينتمون إلى هذه المراكز. ومن هؤلاء الرؤساء قليلو الخبرة بالسياسة الخارجية، هاري ترومان، والذي عوض نقص خبرته، بإحاطة نفسه بالخبراء ذوي التميز والمعرفة العميقة بالعالم، وعلى رأسهم جورج مارشال الذي كان وزيراً لخارجيته، ودين أتشيسون الذي يصفونه بعميد الدبلوماسية الحديثة، والمخطط الأول لإنشاء حلف الأطلسي. وهؤلاء كانوا في إدارة ترومان، هم صانعو مشروع مارشال، وإنشاء مؤسسات دولية مهمة، منها صندوق النقد، والبنك الدولي.
إن مراكز الفكر السياسي أصبحت تلعب في أمريكا دوراً له نفوذ على أداء الرئيس نفسه، وكل رئيس يبدأ عهده بتشكيل طاقم حكومته ومساعديه، باختيار من هم أقرب إلى تفكيره، من خبراء مراكز الفكر السياسي. وحتى من ظلوا في هذه المراكز، فهو أحياناً ما يتخذ من مقترحاتهم وبحوثهم، أساساً لسياسة خارجية له بشكل رسمي.
ولما كانت هناك أكثر من قوة مؤثرة بحكم الدستور والنظام السياسي، على صناعة السياسة الخارجية للرئيس، فإن الواقع العملي يكشف عن أن هذه القوى ليست منعزلة عن بعضها، أو أنها تتصرف فرادى.
فمثلاً يعرف الأمريكيون عن نظامهم، السطوة الطاغية، لاثنتين من هذه القوى، وهما قوى الضغط Lobbiesوجماعات المصالح InterestGroups ، الأولى يرتبط بعضها بدول أجنبية، وتكون داعماً لها في أي سياسة تتخذ بشأنها، مثل اللوبي اليهودي.
والثانية تمثل مختلف الكيانات التي تعبر عن أصحاب مصالح متنوعة، بدءاً من جماعة الدفاع عن حمل البنادق، وصولا إلى الإمبراطوريات الاقتصادية الكبرى، وعلى رأسها صناعات السلاح.
وثبت من مئات الكتب التي صدرت في أمريكا أن كثيراً من هذه القوى، نافذة في عمل مراكز الفكر السياسي، سواء من ناحية التمويل الذي تقدمه لها بسخاء، أو من ناحية التوافق الأيديولوجي. وهو ما كان قد أثير في الكونغرس في العام الماضي عن تأثير دول أجنبية على صياغة أجندة عمل بعض هذه المراكز، مقابل ما تقدمه لها هذه الدول من تمويل بملايين الدولارات.
إن النظام السياسي الأمريكي معقد للغاية، وهو كما سبق أن وصفه مسؤول أمريكي، بأنه أشبه بخريطة حددت فوقها مساحات لكل قوة من القوى ذات النفوذ على قرار السياسة الخارجية، وأن أي رئيس جديد يدخل البيت الأبيض، لابد وأن يحسب خطواته، فوق هذه الخريطة، بمراعاة مدى قوة ضغط أي من هذه القوى، على سياسته الخارجية، وحساب مصلحته في التماشي مع أي منها أكثر من غيرها.
لكن الرئيس أولاً وأخيراً يستخلص أفكاره من حكومة الظل غير الرسمية، التي تضم خبراء مهمتهم ابتكار الأفكار بشكل عاجل وغير متباطئ، يسعفون بها القيادات التنفيذية في حكومته، للتعامل مع الأحداث الدولية المتسارعة.
وإذا كان هناك في عالمنا العربي، من يسألون عمن هو أفضل لنا، فإن أي اثنين من المرشحين المتنافسين، هو ابن لهذا النظام، ولا يستطيع منفرداً، الخروج على قواعده المستقرة والتقليدية.
لكن، تبقى قاعدة لا يستطيع النظام السياسي الأمريكي، تجاهلها، بالرغم من الأفكار الثابتة لديه، وهي أن السياسة الخارجية في أمريكا، يحكمها مبدأ توازن القوى، أي موازنة قدرات الرئيس وإدارته، بقدرات أخرى صاعدة في النظام العالمي. فإذا حدث وتعدلت كفتا الميزان لصالح الطرف الخارجي، عندئذ يرغم صانع القرار في واشنطن، على إدخال تعديل في أولوياته السياسية، خشية اصطدامه بهذا التغيير العالمي في ميزان القوى.. وهذه هي أمريكا.

المصدر: الخليج

عاطف الغمري يكتب: أي من المرشحين كان الأفضل للعرب؟ على ميكروسيريا.
ميكروسيريا –

أخبار سوريا 

ميكرو سيريا