هل تكفي البيانات في الغوطة الشرقية لحمايتها


حافظ قرقوط

تعيش غوطة دمشق الشرقية أيامًا ليست مُبشرة، على الرغم من كل التطمينات التي تحاول الفصائل المعارضة هناك تمريرها، تارة بالبيانات، وتارة ببعض التصريحات البسيطة لوسائل إعلام، أو باللقاءات مع الناس، ولكن الوضع الميداني بعد خسارة مواقع عدة تعدّ مهمة، وبعد الرسائل التي جاءت من إفراغ مدينة داريا في الغوطة الغربية من أهلها ومقاتليها، وتركها وحيدة بوجه المساومات واللوم الذي جاء للمعارضة المسلحة بجوار العاصمة، وكذلك ما يجري في مضايا والزبداني من ترحيل للسكان واستيلاء ميليشيا  حزب الله على تلك المناطق، بحيث بدا النظام وميليشياته -بعد التدخل الروسي- هو من يفرض الشروط التي يريدها.

الصراع الذي يدور داخل الغوطة الشرقية بين الفصائل، كان له أثره المباشر على الوضع الميداني، ومن المؤسف أن خلافات الفصائل على حاجز يُفترض أنه لحماية الناس، أو على أحقية امتلاك نفق للخدمة، أو على ملكية ورشة تلبي الحاجات بالحصار، هذا على الأقل ما يظهر من البيانات والوساطات اللجان التي أُنشئت، أما إن كان هنالك تحاصص من نوع آخر، فقد تُظهره الأيام أو الأحداث لاحقًا.

إلى ذلك، أصدر “جيش الإسلام”، في 24 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، بيانًا يتعلق بالأحداث التي جرت في الغوطة الشرقية خلال الأيام الماضية، وأعلن فيه استعداده للعمل على إنهاء الانقسام، “استجابة للمطالب الشعبية”، بحسب البيان، وقد جاء البيان بعد المظاهرة التي شهدتها الغوطة الشرقية، احتجاجًا على الانقسام الحاصل بين الفصائل، وعلى الوضع بالغوطة الشرقية عمومًا، حيث تعرضت المظاهرة يوم الجمعة الماضي في 21 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، لإطلاق نار من عناصر تابعة لـ “فيلق الرحمن” في مدينة زملكا.

قال “جيش الإسلام” في بيانه: إنه يجدد استعداده “للجلوس مع قيادة فيلق الرحمن، لوضع خطوات عملية تنهي الانقسام الحاصل في الغوطة الشرقية”، عادًّا أن ذلك الانقسام قد “مكّن عصابات الأسد من تحقيق تقدم كبير”، كما أعلن في بيانه “الموافقة على غرفة عمليات مشتركة” وأكد -أيضًا- الجاهزية “لرفع كافة الحواجز فور بدء الأخوة في فيلق الرحمن، بل سنقدم بوادر حسن نية في هذا المجال”.

وتابع بيان جيش الإسلام التأكيد “للفعاليات المدنية والحراك الشعبي في الغوطة”، على استعداده للتوقيع على المطالب، وأنه في انتظار موافقة “الأخوة في قيادة فيلق الرحمن على مطالبهم للبدء باللقاء فورًا”، مضيفًا أن وضع الغوطة الشرقية أصبح في خطر داهم، “ولا يحتمل تشكيل لجان جديدة”، مشيرًا إلى أن اللجنة السداسية التي تشكلت، لم تحرز أي تقدم في عملها خلال الأشهر الماضية.

طالب “جيش الإسلام” في بيانه ما أطلق عليهم “أخوتنا في فيلق الرحمن” للقيام بمبادرة تسليم “السلاح والمعامل والأنفاق، خصوصًا تلك التي لا خلاف على أن ملكيتها ترجع لجيش الإسلام، ولا تحتاج لقضاء للبت فيها”، وطلب -أيضًا- من فيلق الرحمن السماح لعناصر “جيش الإسلام”، بحرية الحركة والتنقل والوصول “إلى جبهات دمشق”، عادًا أن هذا الأمر -إن حصل- سوف يؤدي إلى “إيقاف هجوم العصابة الأسدية على شطر الغوطة”.

وحول ذلك، قال الناشط المدني والإعلامي، عبد الملك عبود لـ (جيرون): “إن هذه البيانات جاءت بعد ضغط مدني كبير، حيث خرجت مظاهرات عديدة تحت شعار “أنقذوا الغوطة”، وكان ذلك الضغط المتواصل من الأهالي؛ نتيجة تقدم النظام في الجبهة الشرقية للغوطة، وسقوط مناطق عدة، كانت تحت سيطرة “جيش الإسلام”؛ بسبب احتجاز فصيلي جيش فيلق الرحمن وجيش الفسطاط، كمية كبيرة من السلاح والمعدات”.

يُشار إلى أن هذا البيان من جيش الإسلام، جاء بعد أن أصدر فيلق الرحمن، الإثنين 24 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، بيانًا، قال فيه: إنه يستجيب لنداء وصرخة أهل الغوطة الشرقية، ويؤيد “الحراك الشعبي والتظاهر الذي يُحافظ على أهداف الثورة ومبادئها وشعاراتها الأولى”، وأكد الفيلق في بيانه أنهم “مقدّمين مصلحة الثورة على أي مصلحة فصائلية”.

وكان فيلق الرحمن قد أصدر البيان، بحسب قوله، بعد اجتماعه مع الفعاليات المدنية والحراك الشعبي فيها، ودعا البيان “قائد جيش الإسلام للاجتماع الفوري مع قائد فيلق الرحمن؛ للتباحث في قضايا الغوطة وإيجاد الحلول لها”.

كما طالب الفصائل العاملة بالغوطة الشرقية كافة بـ “تشكيل غرفة عمليات عسكرية مشتركة” كذلك العمل على “رفع الحواجز وإزالة السواتر الترابية، بما في ذلك مدخل مدينة دوما”، وطالب -كذلك- بالتنسيق مع اللجنة السداسية؛ لتشكيل “لجنة لإنهاء ملف الحقوق العالقة بين الطرفين”، ومن جهته، طالب “جيش الإسلام” في بيانه “بإحالة القضايا المختلف عليها إلى لجنة قضائية من الطرفين تختار مرجّحًا، ويصدر حكمها خلال أسبوع واحد فقط”.

من جهته، أوضح عبود أنه “شُكلت اللجنة من 25 شخصية، تمثل بلدات الغوطة كافة، وقابلت الفصائل، وكانت نتيجة هذه الاجتماعات والمظاهرات الشعبية إصدار هذه البيانات، ولكن الأهالي في الغوطة لا ينتظرون بيانات تأييد لمطالبهم، بل يطالبون بتطبيق البنود تطبيقًا عمليًا”، ويشير عبود إلى أن الأهالي يريدون إشعال الجبهات على تخوم العاصمة، فهذه الجبهات تابعة لـ (فيلق الرحمن)، وهي الأمل الوحيد حاليًا في حماية الجبهات المتهاوية من السقوط بيد النظام، وأن الأهالي سوف يستمرون بهذا الضغط والحشد؛ حتى تشكيل جيش موحد بالغوطة وله قيادة واحدة”.

من حق الناس التي صبرت وصمدت منذ نحو خمس سنوات ونصف، وقدمت شهداء وممتلكات وغير ذلك، تأمل أن تتحمل الفصائل -كافة-المسؤولية التاريخية؛ فالطيران والمدفعية والصواريخ تلاحق المدنيين في كل مكان، وربما خير وسيلة للدفاع هي الهجوم، أو مصارحة الأهالي بالحقيقة؛ كي يجدون سبل حماية أنفسهم والتعبير عن وجودهم، وعدم تركهم محاصرين بين البنادق والنيران بلا أمل.




المصدر