العنف في مراكز اللجوء.. اختلافات ثقافية وتجارب صادمة


أصبحت ظاهرة العنف بين اللاجئين في مراكز الإيواء أو بيوت السكن الجماعي تأخذ باهتمام الإعلام الألماني. DWعربية رصدت بعض الأسباب التي تؤدي الى ذلك. كيف يتعامل الباحثون الاجتماعيون مع هذه الظاهرة وما هي حلولهم المقترحة؟

محمود شاب فلسطيني- سوري عانى بشكل كبير في الأشهر الأولى من إقامته في ألمانيا ويقول: “اضطررت إلى أن أتقاسم الغرفة مع لاجئ إيراني، و نتقاسم نحن الاثنين الشقة الصغيرة مع لاجئين آخرين من مصر و الأردن. لم تكن المسألة سهلة لدرجة أني اعتبرها من أقسى تجاربي في ألمانيا حتى بعد مرور سنة وسبعة عشر شهرا على إقامتي هنا”. محمود كان يفضل أن يقضي أغلب الوقت خارج الشقة، تفاديا لأي نقاش قد يؤدي إلى شجار عنيف بينه وبين الشاب الإيراني، أو حتى مع اللاجئين الاخريين اللذين فضلا أيضا عدم التعامل مع بعضهما.

يضيف محمود بنوع من التوثر: “بالنسبة لي عشت صدمات متكررة في فترة إقامتي في تلك الشقة المشتركة. فمن جهة، لم نستطع ـ أقصد الشابين الاخرين و أنا ـ رؤية جارنا الإيراني عند أكل لحم الخنزير واستعماله لأواني المطبخ أيضا، لأننا كبرنا بالمفهوم الثقافي الذي يعتبر أن الإيرانيين مسلمون. من جهة أخرى وجدت صعوبة في مناقشة بعض الامور مع الشابين الآخرين المصري والاردني وذلك بحكم الخلفية الثقافية. فمن غير الطبيعي أن تتقاسم مكانا ضيقا مع شخص آخر يعتنق دينا آخر ويتحدث لغة أخرى وتختلف ثقافته تماما عن ثقافتك. فما قد تراه أنت طبيعيا في ثقافتك يراه هو إهانة أو استفزازا و هذا ما يؤدي إلى عدم الشعور بالاستقرار النفسي وإلى مشاداة كلامية أيضاً”.

محمود يؤكد من خلال تجربته على أن معظم المشاكل والمشاداة التي تحدث بين اللاجئين في مراكز الإيواء تعود إلى عدم وجود توافق ثقافي، مثلا في الاختلاف العقائدي، حيث يصعب الجمع بين مسلم سني وآخر شيعي في مكان واحد، ونسيان اختلاف الهوية التي تشكل أساس شخصية الانسان. ويضيف محمود: ” لقد عشت الخوف بشكل كبير خلال تلك الفترة، وهو الخوف الذي كان يجعلني اخرج اليوم كله تفاديا للشجار، و في الليل لا أتمكن من النوم خوفا من أن يذبحني جاري الايراني، و الأكيد أنه هو الاخر كان لا ينام لاحساسه بالخوف مني، حيث كنا نتبادل التهديدات عند التشاجر، الحمد لله بعد الشكاوي المتكررة منا معا، تم نقله الى شقة أخرى.”

ضرورة مراعاة الخلفية الثقافية
بالنسبة للاجئة السورية ياسمين فهي تعتبر أن السكن المشترك حتى بين لاجئين من بلد واحد قد يساهم في العديد من المشاكل. تقول ياسمين لDW عربية : “وصلت ألمانيا قبل ثمانية أشهر، أعيش الآن ولسوء حظي في مركز لإيواء اللاجئين يضم عددا كبيرا من السوريين. فكوني شابة و مثقفة يخلق لي ذلك الكثير من المشاكل خصوصا مع نساء سوريات. طبعا أقدر مشاعر خوفهن لأنني شابة غير مرتبطة، لكن تعاملهن معي يجعلني أحس بالكثير من التذمر والاحباط، فهن يختلقن المشاكل معي باستمرار و يطلقن الدعايات عني عند لاجئين آخرين” ثم إنها تبتسم وتضيف: “الحمد لله هناك لحظات كثيرة أحس فيها حقيقة بالمرح و لو اني أطلق عليه أسم المرح الاسود، أقصد تلك اللحظات التي يبدأ فيها الشجار بين بعض اللاجئين السوريين، بسبب الشجار بين الاطفال أو بسبب معلومات خاطئة قدمها بعضهم عن قانون اللجوء أو عن دور من سيدخل الحمام. اما المشاداة بين اللاجئين من جنسيات مختلفة فكثيرة جدا خصوصا حين يكون النقاش عن اللجوء والاقامة في المانيا، حيث يكون هناك تبادل للاتهامات بينهم. السوريون يتهمون اللاجئين الافغان بعدم أحقيتهم في البقاء في ألمانيا، حيث لا يحق لهم اللجوء. وقد تكون المأساة أكبر عندما يحتفل بعض اللاجئين علنا بخبر ترحيل لاجئين أفغان.”

أسباب فردية وبنية شخصية
من جهته يرى السيد بهروز اسدي مدير قسم مساعدة اللاجئين في مؤسسة مالتيزر أنه من الطبيعي وجود حالات عنف بين اللاجئين ، فمراكز إيواء اللاجئين الكبيرة مثلا، تضم بالضرورة عددا كبيرا من اللاجئين من جنسيات، وثقافات وديانات مختلفة. وقد يكون ذلك كافيا للتسبب في الشعور بعدم الاستقرار.
وأضاف في حديثه لـDw عربية: ” نحن أمام عدد كبير من اللاجئين الذين تختلف ثقافاتهم، وجنسياتهم، وظروف لجوئهم. إن لكل لاجئ حكايته، فالأسرة السورية التي فقدت كل شيء في سوريا بسبب الحرب، تختلف نفسية أفرادها عن نفسية لاجئ قادم من منطقة لاتدور فيها أي حرب، حيث يكون الهدف هو البحث عن الاستقرار الاقتصادي أو السياسي.
كما إن الشجار بين الأسر في هاته المراكز قد ينشعل بسبب شجار بين اطفال، حيث يتدخل والد احد الطرفين و يتساءل لماذا تم ضرب ابني بهذا الشكل، وهنا يبدأ الشجار بين الراشدين منهم فيحلل كل طرف الوضع من زاويته الخاصة، والتي ترتبط عادة بظروفه النفسية”.

ويؤكد بهروز اسدي على ضرورة أن ” تعمل المقاطعات على فرز اللاجئين مع أخذ الجنسية، واللغة والدين بعين الاعتبار، رغم قلة مراكز الايواء وارتفاع عدد اللاجئين. طبعا من غير الممكن توفير سكن للاجئين حسب اللغة، وجنسيتهم او دينهم أو ايضا انطلاقا من ظروف هروبهم. علينا أن نبحث عن طريقة للحد من هاته النزاعات و خلق سلم اجتماعي، السلم الاجتماعي بالنسبة لي هو ضبط القواعد في تلك المراكز او السكن المشترك، و ذلك عن طريق الاخصائيين الاجتماعيين الذين يسهرون على اللاجئين. ويتجلى دور هؤلاء في لعب دور الوسيط للتعريف بمقومات الديموقراطية التي تدخل في اطارها حرية الدين والمعتقد، مع العمل على ملاحظة المشاكل ورصدها و البحث عن حلول لها، وبالتالي مساعدة هؤلاء اللاجئين على فهم الحياة في ألمانيا وعلى التكيف معها”.



صدى الشام