تحذيرات في موسكو من عواقب انجرار روسيا في حرب طويلة الأجل في سورية


القدس العربي

تثير العملية العسكرية الروسية في سورية التي مر عليها أكثر من عام، المزيد من التساؤلات في موسكو التي قد لا تتوافق مع الرؤية الرسمية. وشرعت بعض الأصوات تحذر من خلال وسائل الإعلام من تداعيات العملية على روسيا واحتمالات تورطها في الحرب بسورية على غرار تورطها في أفغانستان.
وتقول مراكز التحليل والمراقبون الذين يدعمون العملية، أن المشاركة الروسية لم تكن خيارًا روسيًا، وأنها كانت خطوة نحو حماية المصالح الروسية في المنطقة، وتأكيد حضورها كلاعب فاعل في الشؤون الدولية وعدم الإتاحة لقوة واحدة فرض هيمنتها على القرار الدولي ولا لإثارة الفوضى في سورية فضلًا عن عدم منح المنظمات الإرهابية فرصة لنشر نشاطها في شمال القوقاز وجمهوريات آسيا الوسطى وبالتالي زعزعة الاستقرار في روسيا نفسها. كما انها تحظى بدعم من قبل غالبية الرأي العام المحلي.

ولكن صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» الصادرة في موسكو ترى في مقالها الافتتاحي العكس من ذلك وتقول: إن روسيا تنزلق في حرب في الشرق الأوسط، وان هذه الحرب ستكون متواصلة ولا يعرف أحد متى ستنتهي. الصحيفة نفسها اعتبرت أنه « وحتى لو أن قوات بشار الأسد والقوة الجوية الروسية ستسيطر على حلب، ولن يتمكن التحالف من السيطرة على الموصل حتى موعد الانتخابات الأميركية، فإن الولايات المتحدة لن تكون بكل الأحوال هي الخاسرة». وبرأي الصحيفة «ان واشنطن حققت الحد الأدنى من أهدافها والمتمثلة بجر روسيا للحرب في المنطقة».

وترى الصحيفة ان موسكو بالغت في البداية بنجاح عمليات الطيران في سورية، وأعلن فلاديمير بوتين في آذار/ مارس من هذا العام: أن القوة الجوية الفضائية «أنجزت مهمة مكافحة العصابات» وأعطى الأمر بتقليص حجم مجموعة الطيران في قاعدة حميميم الجوية. وفي رأي الصحيفة: من الواضح أن أولئك الذين أعدوا التقرير للقائد العام للقوات المسلحة، لم يأخذوا بالاعتبار أن الأميركيين لاعبون جيوسياسيون خطرون جدًا، وان في جعبتهم دائمًا شيئًا ما يمكن العثور عليه كاحتياط. وفي هذه المرة، وضعت الولايات المتحدة الموصل احتياطًا لها. وذهبت الصحيفة إلى القول: إن الأميركيين في الوقت نفسه لا يبالون على الإطلاق بمن الذي سوف يدخل المدينة – العراقيون أو البيشمركه الكردية. مشيرة إلى أن طائرات التحالف تقصف غرب الموصل بكثافة غير مبررة، متجاهلة تمامًا الخسائر في صفوف السكان المدنيين! – وبرأيها أنها تقوم بذلك فقط من اجل ان ينتقل المتشددون المرابطون هناك إلى حلب. ولهذا تُرك خصيصًا الممر «الإنساني» في اتجاه معين. ومن الممكن أيضًا إغراء القادة الميدانيين في الموصل ليسيروا بالاتجاه الصحيح، كما تم اغراء جنرالات صدام حسين عشية الهجوم على بغداد.

وقالت الصحيفة إنه وفي ظل هذه التطورات من المشكوك ان موسكو ودمشق سوف تنتظران حتى وصول التعزيزات الإسلامية المحلية من مدينة الموصل. ونظرًا لأن الهدنة الإنسانية في حلب لم تفض إلى شيء وأن المقاتلين لم يغادروا إلى خارج المدينة، ولم يتم الإفراج عن المدنيين، فمن السهل أن نفترض أن الطائرات الروسية سوف ترتفع قريبًا جدًا إلى السماء مرة أخرى.

وأضافت: عندما تدخل شواطئ سورية مفرزة السفن وعلى رأسها حاملة الطائرات الثقيلة «الأميرال كوزنيتسوف»، فإن القدرات القتالية للقوة الجوية/ الفضائية الروسية في المنطقة على أقل احتمال ستتضاعف. ولفتت إلى أن ظهور الأسطول الروسي في المياه الدولية قد أثار ردود فعل حادة للغاية. ولكن ليس لأن الغرب خائف بشدة من طرادين روسيين (إحداها «بطرس الأكبر» طراد نووي) واثنتان من السفن الكبيرة المضادة للغواصات – فلدى الولايات المتحدة وحلفائها ما يفوق القوة الروسية بعشر مرات، ولكن ببساطة أصبح من الواضح أن روسيا تتجه للقتال في سورية بكل جدية، لأنه، حسب الصحيفة، «لم يبقوا لها أي خيار آخر».

ولم تستبعد أن الولايات المتحدة راحت تصفق لهذا التطور وخاصة في مقر حملة هيلاري كلينتون، وذلك لأن النشاط العسكري الروسي كان الورقة السياسية الرئيسية الرابحة بيدها، وفي إدارة أوباما التي تنتظر انتهاء فترتها لأنها تمكنت أخيرًا من جر موسكو في الحرب، عمليا مع كل الإرهاب العالمي. كما كان قد حدث ذات مرة في أفغانستان.

وقالت انه سيكون من الصعب على روسيا الخروج من الحرب التي ستكون طويلة الأمد دون الإضرار بسمعتها ومكانتها، فضلًا عن تكبدها خسائر بشرية ومالية. وهذا ما يقع الآن جزئيًا. منوهة بأن قوات بشار الأسد عاجزة عن حسم الوضع لصالح النظام. ولفتت إلى أن الغرب وخاصة الولايات المتحدة تسعى إلى تغيير النظام في سورية وهذا يعني أن وجود القوات الروسية في سورية أمر ضروري للحفاظ على الوضع الراهن والوضع الراهن يعني بدوره حربًا لم تتضح نهايتها. وإلى ذلك أشارت الصحيفة إلى أن مشاركة روسيا في الحرب في سورية ألحقت الضرر بعلاقاتها ببعض دول المنطقة ولم تساعد على إلغاء الغرب العقوبات عنها فضلًا عن تعكر علاقاتها أكثر بواشنطن، كما أصبحت روسيا معرضة لأعمال انتقامية من قبل المنظمات الإرهابية.

(*) كاتب عراقي




المصدر