عمالة الأطفال في جنوب دمشق المحاصر تحطيم أحلام ومستقبل


أسامة العمر

ارتفع معدل عمالة الأطفال في سورية في كثير من المدن والبلدات السورية، خاصة تلك الواقعة تحت حصار النظام السوري، ففي جنوب دمشق المحاصر يتزايد دخول الأطفال إلى أسواق العمل، بدلًا من المدارس يوميًا، بعد أن اضطرتهم أحوال الحياة الصعبة إلى خوضِ غمار تجربة العمل في وقت مبكر؛ نتيجة استمرار الحصار منذ أكثر من أربع سنوات على أحياء وبلدات الجنوب الدمشقي.

غياب عدد كبير من آباء الأطفال وعجز آباء آخرين، وانتشار الفقر وضيق الأحوال المعيشية، دفع أطفالًا كثر إلى ترك مقاعد الدراسة والالتحاق بأسواق العمل، وممارسة جهدٍ كبير، لا تحتمله نعومة أظفارهم ولا أجسادهم النحيلة، من أجل الحصول على القليل من المال، وتأمين لقمة العيش لأسرهم، في ظل غياب لافت للنظر لدور المؤسسات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني، وضعف واضح في أداء المؤسسات الإغاثية المعنية بتحسين الأحوال المعيشية للأسر والعائلات الفقيرة والمحتاجة.

عامر طفل من بين العشرات، اتجه لبيع الخبز وعمره لم يتجاوز 13 عامًا، وجد نفسه في إحدى أسواق بلدة يلدا بمهنة، لا تعود عليه بأكثر من قوت يوم واحد، في أحسن الأحوال، بعد أن ترك المدرسة نتيجة سوء الوضع الاقتصادي لعائلته، قال لـ (جيرون) والتعب باد على وجهه: “تركت التعليم من أجل مساعدة أسرتي المكونة من خمسة أشخاص”، وأضاف: “أحلم بأن أصبح مدرسًا”، لكن حلمه الصغير تناثر بعيدًا، بين الفقر وضيق الأحوال المعيشية التي تعاني منها أسر كثيرة في جنوب دمشق.

في لقاء مع الطفل لؤي 12 عامًا، الذي أصبح ضحية لأوضاع عائلته الاقتصادية، أكد لــ (جيرون) أنه ترك مدرسته منذ ما يقارب السنة، ويعمل -الآن- في جمع مادة البلاستيك من الشوارع ومكبات النفايات في بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم،  وقال: “أعمل يوميًا أكثر من عشر ساعات في هذه المهنة، على الرغم من معرفتي بأنها خطرة على الصحة، ولكني مضطر لذلك؛ حتى أتمكن من إعالة عائلتي”، وأضاف لؤي: “لا أكترث للرائحة الكريهة المنبعثة من النفايات في أثناء البحث عن البلاستك، الشيء الوحيد الذي يهمني هو جمع أكبر كمية ممكنة، من أجل الحصول على مبلغ جيد من المال، وتأمين الحاجات اليومية لعائلتي”.

يحاول محمود 15 عامًا التوفيق بين دراسته والعمل، فينهي دوامه في المدرسة، ثم يلتحق بـ “بسطة الخضروات”؛ حتى ساعات المساء المتأخرة، وقال حول هذا التنسيق: “أشعر كثيرًا بالتعب في أثناء العمل، لكني أعمل لأجلي ولأجل إخوتي وعائلتي، فوالدي فقد عمله في العاصمة دمشق نتيجة الحصار، ولي أخوة أصغر مني، وأمي لا تملك أي حرفة لإعالتنا، والمنزل بحاجة إلى كثير من المستلزمات التي يجب علي تأمينها؛ لكي نستطيع العيش”، وأضاف محمود: “احصل على 500 ليرة سورية (أقل من دولار) يوميًا، وأبحث -حاليًا- عن عمل يعود على عائلتي بمبلغ أفضل”.

لم يعد كثير من أطفال -جنوب دمشق- يحلمون بالحصول على الحلويات أو اللعب مع أصدقائهم في المدرسة كل يوم، كما يفعل كثيرون في البلدان الأخرى، فجُلهم لا وقت لديهم لأحلام الطفولة، وممارسة حقهم الطبيعي فيها، بعد أن سرقتهم مشاغل الحياة، وحملتهم همومًا يعجز عن حملها الكبار، في ظل استمرار الحصار الذي تفرضه قوات النظام السوري، والتقصير المستمر من المنظمات الإنسانية والدولية المعنية بحقوق الأطفال، والغياب الواضح لدور المختصين الاجتماعيين والهيئات الأهلية والمؤسسات الإغاثية في نشر الوعي، واتخاذ الإجراءات اللازمة للتعامل مع الظاهرة المنتشرة في المنطقة المحاصرة؛ ما ينذر بخطورة كبيرة على المستوى الشخصي للطفل، والذي سيؤثر في مستقبل المجتمع تأثيرًا عامًا.




المصدر