البطل
29 تشرين الأول (أكتوبر)، 2016
إبراهيم صموئيل
على الرغم من لا واقعيّة المبحوث عنه على النحو المُتخَيّل، فإنّ معظم الناس يصرّون على البحث الدائم عن بطل. بطل شجاع، قويّ، لا يهاب، ولا يتردّد، ولا يتراجع، ولا يُهادن، ولا يلين، ولا يهجس بغير ما كُرّس له، بل قلْ: لا يتغيَّر ولا يتبدَّل -من حيث هو بطل- مهما تقلّبت الأوضاع، وتغيَّرت الأحوال، أو دهمته مشاعر معيَّنة، مثله في ذلك مثل أنفس المعادن، وأبقاها احتفاظًا بخواصّها.
يهوى معظم الناس الأبطال والشخصيّات، لا على الصورة التي تمنحها الحياة، بل على الصورة التي يرسمونها -هم أنفسهم- لأولئك الأبطال والشخصيّات. صورة تفارق الواقع الحيَّ، وتغايره. تخالف الطبائع والشرائع والسنن والقدرات المحدودة، بحيث يأملون أن يحمل البطلُ صليبَه ويمضي به في الطريق الطويلة نحو الأمام (نحو الأمام على الدوام)، دون أن تحين منه التفاتة -ولو خاطفة- إلى الوراء، ودون أن تعنَّ له -ولو وَمْضًا- فكرة أخرى تجافي ما يمثّله صليبه، ودون أن يتعب، أو يملّ، أو يُحبط، أو ييأس بطبيعة الحال.
معظم الناس يبحثون عن بطل مطابق لرسمهم عنه، وينشدون وجوده بين ظهرانيهم، ثمَّ يضعونه تحت مجاهرهم الحسَّاسة الدقيقة، وتنبّههم المركَّز الخالص، بغية رصد أدنى حركة أو نأمة أو قول أو ملمح، يظهر عليه أو يصدر عنه. فإذا ما حدث وضبطوا عبر مجاهرهم تعبيرًا، أيّ تعبيرٍ يخالف صورته التي رسموها له على هواهم ورغباتهم وآمالهم؛ عدّوا ذلك ضعفًا أو خوفًا أو تراجعًا أو ارتدادًا، وهو –عندهم- ما لا يليق بالأبطال، وما لا يجوز أن يصدر عنهم، أو يحدث لهم، أو يخطر في أذهانهم.
يتعلّق معظم الناس بالبطل، فيُنيبونه عنهم، ويُلغون أنفسهم. يُوكلون إليه ما يريدون تحققه، أو ما يحلمون به؛ ثمَّ يعفون أنفسَهم من أيّ دور أو مَهمّة. وعلى البطل، بعد ذلك، أن ينتصر. لكأنّ البطولة اختصاص لديه، ولا سبيل أمامه إلاّ أن ينجزها، فإن لم يتمكّن لاحقه العتب اللائم؛ حتى يومه الأخير.
[sociallocker] [/sociallocker]