الرئيس الضحية… من المنفى إلى المقصلة
29 تشرين الأول (أكتوبر)، 2016
غياث كنعو
إن صدقت التوقعات والتحليلات فيما ذهبت إليه عن انتخاب العماد ميشيل عون رئيسًا للجمهورية اللبنانية، وكذب المنجمون وقارئو الفنجان، في جلسة 31 الشهر الجاري، أو في 17 الشهر المقبل، على أبعد حد، كما يرسم ويريد حزب الله، ولا سيما بعد تبني وتأييد تيار المستقبل لهذا الانتخاب على لسان رئيسه، سعد الحريري، على الرغم من إعلان بعض أعضائه رفضهم لهذا التبني، إن صدقت، سنشهد عودة عون لقصر بعبدا قريبًا بعد أن أخرجه منه الرئيس السوري حافظ الأسد قبل ستة وعشرون عامًا مضت بالتمام والكمال، أي في 13 تشرين الأول/ أكتوبر 1990، بضوء أخضر أميركي – إسرائيلي، بحسب ما صرح به السفير الفرنسي الأسبق في لبنان آنذاك، رينيه آلا. عودة قد تتقارب مع دخوله الأول قصر بعبدا رئيسًا للحكومة، وعودته إليه رئيسًا للجمهورية، في الأولى خرج منه هاربًا ولاجئًا إلى السفارة الفرنسية بعد أن أطبقت دبابات النظام السوري حصارها للقصر، ودكّه من الطائرات السورية آنذاك، وفي الثانية قد يقود رأسه إلى المقصلة، في حال حاول “التكويع” 180 درجة في التفاتة غير محمودة العواقب. فهل سيُقدم عون على هذه التكويعة، حتى لو كلفته حياته؟
ستة وعشرون عامًا تفصلنا اليوم عن وعد الجنرال عون بالتحرير والنصر، وتحقيق السيادة والاستقلال في لبنان يوم 13 تشرين الأول/ أكتوبر 1990، وإعلانه الاستسلام الكامل لاحقًا، في بيانٍ أبكى كثيرين وأفرح الخصوم، فهل سيستطيع تنفيذ ذلك الوعد، الذي عجز عن تنفيذه طوال تلك السنوات… على الأقل لناحية السيادة والاستقلال، وما الثمن الذي سيدفعه لقاء هذا التنفيذ؟
لقد حيرت شخصية عون كثيرين، على مدار أربعة عقود، أمضاها في صفوف الجيش اللبناني، مرورًا بتسلمه قيادة هذا الجيش، ثم رئاسة الحكومة في أوضاع أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها استثنائية، على غرار ما هي عليه اليوم، وبالتالي؛ منفاه الإجباري، وعودته بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومبعث تلك الحيرة تنبع من التقلبات التي نفذها عون، إلى جانب الالتفافات الخطِرة، علاوة على القفز السريع من ضفة إلى أخرى، ومن قطار إلى آخر.
الحيرة في شخصية عون، لا تقل حيرة عن مسألة تبني ترشيحه لرئاسة الجمهورية، سواء أكان ذلك القوات اللبنانية على لسان رئيسها سمير جعجع، أم من تيار المستقبل على لسان رئيسه سعد الحريري.
ثمة أسئلة شغلت بال كثيرين، ليس عن أسباب ودوافع -فحسب- ومن يقف وراء تبنّي تيار المستقبل لهذا الترشيح، وتراجعه عن ترشيح رئيس التيار سعد الحريري سمير جعجع، ومن بعده سليمان فرنجية، بل حتى قبل ذلك بأشهر، وأعني بذلك ترشيح عون من القوات اللبنانية، أعداء الأمس حلفاء أو أصدقاء اليوم، ولكن كما يقول المثل إذا عرف السبب بطل العجب، علمًا أن الاثنين: فرنجية وعون، من أقرب المقربين إلى حزب الله، العدو اللدود للتيارين: (القوات اللبنانية وتيار المستقبل)- في تحالف يضمهما وحركة أمل، ومعرفة السبب الذي عنيناه تكمن في المتحولات والمتغيّرات، يُشبّهها بعضهم بتسونامي يأكل الأخضر واليابس، تلك التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، إلى جانب ما يجري على الساحة الدولية، وتحديدًا على الساحة الأميركية، والانتخابات الرئاسية الأميركية ليست بعيدة عن أنظارنا، وما المناظرات التلفزيونية بين المرشحين: هيلاري كلينتون، والمرشح الجمهوري دونالد ترامب، خير دليل على ذلك، ولا سيما المناظرة الأخيرة، التي بدأت ترتسم فيها ملامح فوز كلينتون، الداعية إلى القضاء على كل الأنظمة التوتاليتارية في العالم، ومعها كل الأحزاب والمنظمات والجبهات الإرهابية، أينما وجدت، وما تقدّم كلينتون على ترامب في المناظرة الأخيرة، إلا مؤشر واضح على ما يحدث في سياق التحضير ليوم 8 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، والرفض الأميركي لفوز ترامب، الذي اتهمته كلينتون بأنه مجرد دمية في يد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
لا يمكن لعاقل أن يُصدّق -كما رأت صحيفة “الأخبار اللبنانية”- بأن الحريري أقدم على تبني ترشيح عون بعيدًا عن الموقف السعودي، هل لجاهل في ألف باء السياسة أن يستولد آراء كهذه؟ لم يخرج الحريري بخطابه يوم 20 الجاري، إلا بعد أن حمل في جيبه تفويضًا سعوديًا تركيًا فرنسيًا، وتنازلًا روسيًا، وليس كما يذهب بعض “متفزلكي” الإعلام والسياسية، إلى أن هذا التبني لم يأت لولا الوضع المالي والتنظيمي الذي يعاني منه الحريري؛ ما دفع بأحد “دهاة” الإعلام إلى القول، إن الحريري وصل إلى هذا الاقتناع بعد أن أيقن حجم المأزق الذي وصل إليه، على صعيد أعماله التجارية وتنظيمه السياسي والإداري، وأضاف أن هذا التنبؤ جاء على خلفية انحسار التأثير السعودي عن الساحة اللبنانية شيئًا فشيئًا، وكتب آخر يقول: كما عاد عون إلى لبنان في إثر استشهاد الرئيس رفيق الحريري، كذلك تم ترشيحه مستغلًا الأوضاع المالية والإدارية التي يمر بها الحريري الابن.
لقد أقدم رئيس تيار المستقبل على تبنّي ترشيح عون، بعد أن اطّلع على حيثيات “التسونامي” السياسي، الذي سيجتاح المنطقة والعالم في الأشهر القريبة المقبلة، مرورًا بمعركة الموصل وكركوك والرقة، وما يجري في حلب، وصولًا إلى الشمال السوري، حيث قضم المساحات الواسعة وتمدد الجيش الحر على حساب (داعش) والقوات الكردية، كل ذلك يتطلب تحضير لبنان لما هو آت، من هنا نفهم سبب ما جاء على لسان الرئيس سعد الحريري مما اعتبره مخاطرة سياسية قائلًا: “نعم إنها مخاطرة سياسية كبرى، لكنني مستعد للمخاطرة بشخصي وبشعبيتي وبمستقبلي السياسي، ألف مرة لحماية الجميع، وغير مستعد للمخاطرة بأي أحد منكم”.
يُدرك الرئيس الحريري ويعي ما يقول، ويعرف ما هو آت، وإلا لما أقدم على هذه المخاطرة، بحسب تعبيره، وقد استوعب حزب الله الرسالة جيدًا وفق ما جاء على لسان أمينه العام حسن نصر الله، المُعرقل الأساس لانتخاب رئيس للبنان على مدار سنتين ونصف السنة.
وتأسيسًا على ما تقدّم؛ ثمة حزمة من الأسئلة تفرض نفسها في ملفات شائكة، تحتاج إلى إعادة خلط الأوراق، وإجابتها لدى الجنرال عون شخصيًا، في حال فوزه بمنصب الرئاسة، ومن أبرزها:
1 – هل سيكون بمقدور عون بث الروح -مجددًا- في إعلان بعبدا الذي صدر في 6/ 2012، كنتيجة لطاولة الحوار بين هيئة الحوار الوطني اللبناني التي شكلها الرئيس اللبناني السابق ميشيل سليمان؟ وهو الإعلان الذي عاد وعارضه بشدة حزب الله، الحليف الرئيس للجنرال عون، والذي عدّه -يومًا- امتدادًا للسياسة الإيرانية في المنطقة؛ كون الحزب المتضرر الأول والأخير من تطبيقه، ويلجم اندفاعاته، أكان في الداخل اللبناني، أم في ما وراء الحدود؟
2 – هل سيتجرأ -بحكم منصبه- على الطلب من حليفه حزب الله سحب ميليشياته من سورية؟
3 – ما خياراته لإعادة إحياء الجمهورية اللبنانية، التي سقطت وفق تعبير الجنرال عام 1990، عندما أُجبر على مغادرة قصر بعبدا بالقوة؟
4 – هل سيكون باستطاعته إعادة التوازن لسياسة لبنان الخارجية، التي حرف بوصلتها صهره العتيد؟
5 – وأخيرًا، وهو الأهم، هل سيكون بمقدور الجنرال نسف اتفاق الطائف، الذي طالما عارضه، على الرغم من إعطائه وعدًا للرئيس الحريري بالمحافظة على الاتفاق، بحسب ما جاء على لسان عضو كتلة المستقبل، النائب عاطف مجدلاني؟
ويبقى أن نسأل، ماذا عن حزب الله، الذي أعلن تأييده لترشيح الجنرال، هل سيقبل بالتكويع الذي قد يُقدم عليه الجنرال، أم أنه قد يقدم على خطوة تنهي حياة الجنرال؟ مقبل الأيام كفيل بتقديم الجواب بكل شفافية.
ونختم بما بدأنا، في حال “كوّع” الجنرال عون، بحسب ما تقتضيه الأوضاع التي أفسحت له الطريق إلى سدة الرئاسة، هل سيلقى مصير الرئيسين الأسبقين: بشير الجميل ورينيه معوض؟ ويكون -بذلك- من قدّم رأسه طواعية للمقصلة، أم أن الثالثة ثابتة كما يقول العرب؟ نتمنى ذلك، كما نتمنى أن يخرج لبنان من هذه المحنة بأقل الخسائر، وأن يكون الرئيس القادم بحجم دولة لبنان.
[sociallocker] [/sociallocker]