on
سفن الحل “السياسي الروسي” تعبر بمحاذاة مجلس الأمن
فؤاد عزام
تُصعّد الولايات المتحدة، من تصريحاتها إزاء روسيا في قاعات مجلس الأمن الدولي، فترسل الأخيرة سفنًا وحاملات طائرات إضافية إلى السواحل السورية، ويتحادث وزيرا خارجية البلدين هاتفيًا، للتنسيق في الحرب على الإرهاب، فتسحب نيوزيلندا مشروع قرارها الذي يدعو إلى توقف الأطراف عن القصف وشن الغارات على حلب.
لا شيء على الأرض يشير إلى جدية لدى المجتمع الدولي؛ لإنقاذ أرواح ثلاثمئة ألف مدني في حلب، “فـوضع الحسابات الجيوسياسية قبل مصالح الناس”، أدى -بحسب مندوب نيوزيلندا الدائم لدى الأمم المتحدة “جيرارد فان بوهمن”- إلى فشل المساعي للتوصل إلى اتفاق حول اتخاذ إجراءات مشتركة فاعلة في مجلس الأمن، من شأنها مساعدة المحاصرين والتخفيف من معاناتهم الإنسانية.
تصريحات نارية جديدة تطلقها الولايات المتحدة عبر مندوبتها في مجلس الأمن، سامنتا باور، وتتساءل: هل الأطفال، الذين يقتلون في حلب، أعضاء في تنظيمات إرهابية؟ هل تركت روسيا مستشفى في المدينة لم تستهدفه؟ إلا أن روسيا ترد بارتكاب المجازر، وآخرها مجزرة “حاس” التي قُتل فيها العشرات من تلامذة مدرستها؟ فماذا يفيد -إذن- اتهام روسيا بإبادة المدنيين، من خلال إلقاء الطيران الروسي منشورات، على حلب تحمل جملًا من مثل: “هذا أملكم الأخير، إن لم تتركوا مواقعكم، فسوف تتعرضون للإبادة، فالجميع تخلى عنكم”. بحسب تعبير باور.
ما الفائدة من تلك التصريحات سواء الأميركية أو الغربية عمومًا، وقد سُحب مشروع قرار نيوزيلندا، على الرغم من أنه يشكل الحد الأدنى، وهو المشروع الثالث بعد مشروع القرارين الفرنسي والروسي، و”ساحب” مشروع القرار، مندوب نيوزيلاندا، لا يشير حتى إلى روسيا بالاسم، بل يكتفي بالقول: “إن أحد الأطراف قال خلال النقاشات إن البند الرئيس “الخاص بوقف الهجمات” في مشروعنا غير مقبول؛ لأنه سيؤدي إلى وقف الغارات الجوية -كافة- على حلب الشرقية، فيما قال الآخرون: إن هذا البند غير مقبول؛ لأنه لن يضمن وقف تلك الهجمات”.
تدحرجت المطالب من سقف المشروع الفرنسي العالي، ذي الطابع السياسي، والذي يطلب من النظام وروسيا وحلفائهم التوقف عن قصف حلب، ومحاسبة المسؤولين عن جرائم القتل، وتحويل النظام إلى محكمة الجنايات الدولية تحت البند السابع الملزم، إلى مشروع قرار نيوزيلندا ذي الطابع الإنساني، والذي يأتي طلبه بما يشبه الرجاء من روسيا بأن تتوقف عن قتلها المدنيين، وإدخال المساعدات؛ حتى هذا الأمر لن توافق عليه روسيا؛ فهي لا “تريد مكافأة وثناء على توقف غاراتها عن قتل المدنيين لبضع ساعات،” كما قالت المندوبة الأميركية، بل ترفض أي مشروع قرار يطلب منها عدم استمرارها بقتل وتدمير المدينة بذريعة محاربة الإرهابيين، والمقصود بهم “فتح الشام” التي تقدر الأمم المتحدة عددهم بنحو ثلاثمئة شخص.
وعلى الرغم من انتقادات “باور”، لا تبدو روسيا معها معزولة خارج مجلس الأمن كما توحي النقاشات داخله، فترسانتها العسكرية مستمرة في التقاطر إلى سورية، وآخرها حاملة الطائرات “الأدميرال كوزنيتسوف” والطراد “بطرس الأكبر”، اللذين غادرا قاعدة أسطول الشمال في مدينة سيفيرومورسك، إلى البحر المتوسط، ويتزودان بالمؤن والوقود من الموانئ الغربية، كإسبانيا، لتصل إلى السواحل السورية في إطار عملية عسكرية كبيرة في سورية، كما تشير الدلائل.
وبشكل يدعو للريبة، لم تأت “باو” على طرح موضوع الحل السياسي، وكأنه قد سحب من مداولات مجلس الأمن؛ ليحل بدلًا عنه “الموضوع الإنساني”، إلا أن وزير الخارجية الأميركي “جون كيري” يؤكد -بعد محادثة هاتفية مع نظيره الروسي “سيرغي لافروف”- أن لا حل عسكريًا للقضية السورية، وعلى الجميع أن يعلم ذلك، وأن مسألة التسوية في سورية أمر مستحيل بدون إيران وروسيا، وأن استبعاد هاتين الدولتين من العملية التفاوضية يعني خلق مشكلات جديدة.
“البطة الأميركية العرجاء”، كما تسمى قبيل الانتخابات الرئاسية، لا تبدو بهذه الحال إلا بالنسبة لقضية الشعب السوري، فوزير الدفاع الأميركي، اشتون كارتر، ينشط في جمع نظرائه في “الناتو”، ويقرر أن اقتحام الرقة بعد تحقيق تقدم في الموصل وتطهيرها من تنظيم داعش الإرهابي، سيكون خلال أسابيع، في حين لا يبدو مع علو اللهجة الأميركية إزاء روسيا في مجلس الأمن أي فعل على الأرض؛ فالإدارة التي تتخذ قرارات بإعلان حرب ضد تنظيم إرهابي، وتحشد له وتخطط، تستطيع حمل مجلس الأمن على اتخاذ قرار يمنع الوجه الآخر للإرهاب، وهو النظام وحلفاؤه من الاستمرار في قتل المدنيين.
تغض الولايات المتحدة النظر عما تفعله روسيا، وإن بدا ذلك من خلال باب الانتقادات الكلامية والاستهلاك الإعلامي ليس أكثر، وربما تبارك ما تقوم به روسيا، فهي تؤكد أن لا حل دون روسيا وإيران، والحل -برأي الولايات المتحدة كما يبدو- قادم مع السفن الروسية، ومنها حاملة الطائرات التي ستصل بعد بضعة أيام لدعم العمليات العسكرية في سورية، بطريقة يمكن أن تزيد المعاناة البشرية” في حلب، بحسب تعبير الأمين العام لحلف شمال الأطلسي “الناتو” ينس ستولتنبرغ.
لكن أخطر ما في هذا الحل، ليس استمرار حصار حلب وقصفها وقتل أهلها أو تهجيرهم فحسب،بل الرعاية الأميركية للحل الروسي الذي يستند أساسًا إلى التوحش الإيراني الميليشياوي الطائفي، والذي تؤكد تصريحات “كيري” بأنه جزء من التفاهم “الأميركي – الروسي” الذي تترجم بنود وثائقه الخمس السرية على الأرض بالتدرج، ويعطى، كما تدلل الوقائع روسيا، وصاية كاملة على سورية بذريعة “محاربة الإرهاب “التشدد الإسلامي”، ويهدف إلى تغيير الطابع الديمغرافي في شرق المتوسط العربي، بالقتل أو التهجير، وإلى إخراج السوريين من سوريتهم؛ لدوافع “التوازن الطائفي، وبالتالي؛ استمرار الاقتتال” في ظل مواصلة إيران اجتياح سورية وحماية النظام فيها، بعد سيطرتها على العراق.
المصدر