عبث بعبث


باسل العودات

خلال خمس سنوات ونيّف، طُرح عدد قياسي من المبادرات التي تهدف لإيجاد حل للمأساة السورية، عربية وإقليمية ودولية وأممية، بدءًا من المبادرة العربية التي طُرحت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، بعد أشهر من انطلاق الثورة، مرورًا بمبادرة عربية أخرى في كانون الثاني/ يناير 2012، ومبادرة لكوفي أنان في نيسان/ أبريل من العام نفسه، ثم مبادرة جنيف الأولى بعدها بشهرين، والتي عُدّت مرجعية أممية ودولية للحل، ثم جنيف 2 في كانون الثاني/ يناير 2014، ثم مبادرة موسكو 1 في كانون الثاني/ يناير، وتلتها موسكو 2، وخطة الأمم المتحدة في آب/ أغسطس 2015، فمبادرة فيينا 1 في تشرين الأول/ أكتوبر من العام نفسه، ثم فيينا 2 بعدها بشهر، و”خارطة طريق” مجلس الأمن بعدها بشهرين.

إضافة إلى هذه المبادرات، كانت هناك مبادرات جزئية أقل أهمية، نتجت عن اجتماعات دولية وإقليمية، أُعلنت من أراضي الله الواسعة، كمبادرة من القاهرة، وأخرى من بروكسل، وثالثة من لوزان، فضلاً عن مبادرات عديدة قدّمها “المُبدع” ستيفان دي مستورا.

لم تتوصل أي من تلك المبادرات لأي نتيجة تُذكر، بل على العكس، زادت من حدة الخلاف المحلي والإقليمي والدولي، ومن ضخامة المأساة، كما زادت من لهيب الحرب، وأججت سُعار نارها، وكان كل ذلك متوقعًا، بل وحتميًا.

أخطأت جميع المبادرات التي طُرحت؛ لأنها تجاهلت ثلاثة قضايا أساسية، عن عمد أو عن جهل، دونها لا يمكن لأي حل، من أي نوع أو لون، أن ينجح.

القضية الأولى، أن كل المبادرات افتقدت لآليات تنفيذية واضحة وصريحة ولجدول زمني تفصيلي، وأبقت بنودها غامضة، تخضع للتفسير والتأويل والاجتهاد، أي تترك المجال للشيطان؛ ليختبئ بين التفاصيل.

القضية الثانية، أن كل المبادرات افتقرت لقوة الإلزام، ولم تقترح أي عقوبة على من لا يُنفّذها، وتركت الأمر لعطف المجتمع الدولي، واقترحت الفصل السادس الذي يحيل الخلافات للجان تحكيم ودّية، ورفضت الاقتراب من الفصل السابع الذي يهدد بالعصا لمن عصا.

القضية الثالثة، أن كل المبادرات غضّت الطرف عن العدالة الانتقالية، وتعمدت عدم ذكر القتلة، ولم تقترح محاسبة المجرمين، أو -بأحسن الحالات- أدرجت الأمر كبند متأخر، لن يأتي إلا بعد سنوات طويلة، فاحتقرت المنكوبين، وتركت الباب مفتوحاً للثأر باليد.

هذه القضايا لا علاقة لها بموقف الدول، سواء أكانت مؤيدة للمعارضة أم للنظام، ولا علاقة لها بنوع الحل أو لمن يتحيّز، وإنما هي عناصر إلزامية، ودونها لن يُكتب لأي مبادرة أي أمل في النجاح، حتى لو وافقت عليها كل دول العالم، فعدم وجود هذه العناصر الأساسية على رأس أي مبادرة سيُشكِّل نقطة ضعف قاتلة لها.

إذن؛ هي ثلاثة معايير بسيطة للتمييز بين المبادرات التي يُمكن أن تُنهي المأساة السورية، أو تُنهي جزءًا منها، أو تُخفف من حدّتها، وبين المبادرات العبثية غير الجادة و”التسويفية”.. ثلاثة معايير بسيطة للتمييز بين الحل والمماطلة، وبين الجد واللهو.. ثلاثة معايير إن وُجدت بأي مبادرة يجب التمسك بها، وإن لم توجد وجب عدم تضييع الوقت في التفكير فيها.

من هذا المنطلق، يمكن بدقيقة الحكم، وبراحة ضمير، على أي مبادرة تصدر، سواء على المستوى الإقليمي أم الدولي، وبالتالي؛ ليس الأمر بحاجة لكثير فطنة؛ لمعرفة أن كل ما يجري الحديث عنه الآن عن حلول، هو عبث في عبث.

“جيرون”