أهمية سورية في الموازين الإقليمية والدولية

30 أكتوبر، 2016

هاني أحمد

مقدمة                                                                                      

أولًا- الولايات المتحدة الأميركية

ثانيًا- روسيا

ثالثًا- إيران

رابعًا- تركيا

خامسًا- قطر

خاتمة

مقدمة:

يلعب الاقتصاد والمصالح الاقتصادية دورًا مهمًا في العلاقات الدولية، فتصرفات الدول وسلوكها السياسي يتلاءم مع مصالحها الاقتصادية، فتتدخل الدول في صراعات قائمة أو تفتعلها لعدة أهداف منها: السيطرة على المواد الأولية، الصراع على المنافذ التجارية وطرق المواصلات، السيطرة على الأسواق.

يرى فريدريك راتزل العالم الألماني ومؤسس كتاب الجغرافيا السياسية، أن الدولة، كائنٌ حي له أهداف يتطلع إلى تحقيقها، وذلك من خلال توظيف الحتمية الجغرافية، التي تحكم وجوده، فالدولة ليست حقيقة جغرافية ثابتة، بل هي كائن حي يتحرك نحو مجالات حيوية تعد ضرورية لبقائه واستمراره، وأن قوة الدولة تخضع لعلاقتها بالمكان، الذي رؤيته من ثلاث زاويا المدى (المساحة)، الموقع، الشكل الخارجي (الحدود السياسية).

ويعتقد أن المجال الإقليمي يؤثر في قوة الدولة، فالمدى يلعب حسب راتزل دورًا في العلاقات الدولية لأنه يؤثر في قوة الدولة، وهذه الأخيرة لا تتوانى عن الدخول في السباق من اجل السيطرة استراتيجيًا واقتصاديًا على المدى الواقع خارج أراضيها (مسألة القواعد العسكرية البحرية والبرية ومسألة طرق المواصلات).

ومن هنا، يعكس الصراع في سورية تضارب المصالح الاقتصادية والذي تجسد في استغلال الدول الإقليمية والدولية لهذا الصراع واصطفافهم في عدة محاور كلًا حسب مصالحه السياسية والاقتصادية بهدف التأثير السياسي والاقتصادي على سورية والمنطقة ومحيطها بشكلً كامل لما تمتلكه من ثروات كبيرة وغير متناهية تعمل على إدامة سير العجلة الاقتصادية لدولهم وذلك استنادًا إلى الأهمية الجيو-استراتيجية لسورية بالنسبة لكل دولة، وفيما يلي نستعرض مواقف عدد من الدول الدولية والإقليمية:

أولًا- الولايات المتحدة الأميركية:

بعد اكتشاف النفط والغاز الصخري في الولايات المتحدة الأميركية والبدء بإنتاجه والاستغناء نوعًا ما عن النفط الخليجي تأثرت المعادلة التي تحكم علاقة الولايات المتحدة مع دول المنطقة (الخليج)، إلا أنها لم تنهار ومن هنا كان لزامًا عليها الدخول في الصراع السوري، وذلك لتأمين استمرار تدفق النفط الخليجي إلى الغرب، ولمنع انتشار الفوضى، ووصولها إلى دول الخليج؛ ما يؤدي إلى انهيار الاقتصاد العالمي، بسبب الاعتمادية الدولية، مما يعني ضمنًا انهيار الاقتصاد الأمريكي، فكان التدخل الأميركي أشبه بصمام أمان؛ لضمان حرية انتقال الطاقة للحفاظ على توازن الاقتصاد الدولي، والرغبة الأميركية في مواجهة ومعاقبة روسيا عبر استنزافها  في الصراع  السوري، بعد قيام روسيا بضم شبه جزيرة القرم وتدخلها المستمر في أوكرانيا باعتبار سوريا منطقة نفوذ أساسية لروسيا. فيرى ميول مارسيل في كتابه (سوسيولوجيا العلاقات الدولية) “إن الدول تسعى دائمًا لتوسع نطاق وحدود الأراضي التي تسيطر عليها، وذلك من خلال العمل على إحاطة نفسها بعدد من الدول التي تستخدمها كحواجز وقائية في مواجهة القوة المنافسة، والعمل على الحصول على قواعد عسكرية (برية وبحرية) خارج حدودها مما يتيح لها حماية أفضل مع إمكانية الوصول إلى الخصم بسهولة ومن أماكن بعيدة عن حدودها”، وهذا بدوره يفسر إقامة الولايات المتحدة الأميركية لقاعدة عسكرية في مدينة رميلان في أقصى شمال شرق سورية، بالإضافة إلى أهداف أخرى منها الحفاظ على أمن إسرائيل ومحاربة الإرهاب لاسيما بعد صعود “تنظيم الدولة الإسلامية” (داعش)، وسيطرته على مساحات واسعة من سوريا والعراق وتهديده لها، الضغط على إيران باعتبار سورية منطقة نفوذ لها وأحد أحجار العقد الإيراني في المنطقة الذي يمتد من إيران إلى العراق وسورية ولبنان مما يعني انهيار هذا العقد بهدف جرها إلى التفاوض بشأن برنامجها النووي والذي تكلل لاحقًا باتفاقية (5+1).

وأيضا الرغبة الأميركية في إعادة هندسة الشرق الأوسط بعد مرور مئة عام على اتفاقية سايكس-بيكو، وإعادة التوازن الإقليمي في المنطقة لاسيما مع الصعود التركي – الإيراني والتنافس المحتدم بينهم على القيادة الإقليمية للمنطقة، فنتيجة تضافر هذه العوامل جميعها كان التدخل اﻷميركي في سورية.

ثانيًا- روسيا

مع انطلاق الثورة في سورية عملت روسيا على تعزيز تواجدها العسكري ودعمها للنظام عسكريًا عبر إمداده بالسلاح والجنود وإقامة القواعد العسكرية، وسياسيًا عبر دعمه بمجلس اﻷمن وتعطيل القرارات الصادرة ضده، وذلك يعود إلى عدة أهداف تمثل الأهمية الجيو-استراتيجية لسورية بالنسبة لها ومنها: تعتبر سورية دولة مستهلكة للأسلحة الروسية لفترة طويلة، فوفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي ﻷبحاث السلام (سيبري):

“شكّلت روسيا 78% من مشتريات سورية من الأسلحة بين عامي 2007 – 2012 كما وصلت حجم مبيعات اﻷسلحة الروسية إلى سورية بين عامي 2007-2010 إلى 4.7 مليار دولار”.  تعتبر القاعدة العسكرية الروسية في سورية هي القاعدة الوحيدة المتبقية لروسيا في المياه الدافئة (البحر المتوسط) فللحفاظ عليها تحتم عليها الدخول المباشر في الصراع السوري ورغبتها في إظهار نفسها كقطب دولي فاعل ومؤثر، له مصالحه المباشرة في المنطقة وكسر الأحادية القطبية. الاهتمام الروسي بالتنقيب عن النفط والغاز في الساحل الشرقي للمتوسط، فقد وقعت في 25 ديسمبر/ كانون الأول 2013 اتفاقًا مع النظام السوري للتنقيب عن النفط والغاز في المياه السورية لمدة 25 عامًا ممثلة بشركة سويوز نفتا غاز الروسية بكلفة تصل إلى 100 مليون دولار للتنقيب والاستكشاف.

وأيضًا المخاوف الروسية من استغناء أوروبا عن الغاز الروسي وذلك لمعاقبتها على ضمها لشبه جزيرة  القرم وتدخلها في أوكرانيا وذلك عبر استبداله بغازٍ قطري يصل بسرعة عبر أنابيب من قطر إلى الأردن إلى الساحل السوري، بحيث تكون سورية مصبًا له أو تكون تركيا هي المصب ومن ثم إلى الأراضي الأوربية، وغاز إيراني عبر أنابيب من إيران إلى العراق فالساحل السوري ولبنان ومن ثم الأراضي الأوربية، وبالتالي يشكل ذلك  إضعاف للموقف الروسي أمام الخيار الأوربي  في حال سقوط النظام السوري الموالي لروسيا مما يعني ضمنا تنفيذ هذه المشاريع مع العلم أن روسيا تمدّ الاتحاد الأوربي بنسبة 40% من أجمالي الإمدادات الخارجية للغاز الطبيعي.

ثالثًا– إيران

يعدّ الصراع في سورية بالنسبة لإيران هو مبارزة في حلبة مصارعة لابد من الفوز بها للمحافظة على المكانة والنفوذ الذي حققته سابقًا في المنطقة، وخسارتها للمبارزة يعني خسارتها لمكتسباتها ونفوذها الإقليمي، وللمحافظة على ذلك كان لزامًا عليها دعم النظام السوري الذي تربطه بطهران علاقات تاريخية وثيقة تعود إلى وقوفه جانبها في حرب الثماني سنوات ضد العراق وعلاقته أيضًا بحزب الله اللبناني الذي يرتبط بدوره مع طهران بعلاقات وثيقة فهو يشكل حلقة الوصل بين طهران والضاحية الجنوبية، بالإضافة إلى الرغبة الإيرانية بوصفها تملك ثاني أكبر احتياطي من الغاز في العالم في إنجاح مشروع “خط الغاز الإسلامي” الذي وقعته مع سوريا والعراق والذي ينص على نقل الغاز الإيراني إلى سورية والعراق والأردن ولبنان ومن ثم لاحقا الوصول إلى أوربا، بمعدل ضخ 110 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي يوميًا أي 40 مليار متر مكعب سنويًا وبقيمة 3.7 مليار دولار سنويا  إلى الميزانية الإيرانية متوقعًا،  لذلك عملت إيران على قطع الطريق على قطر لمنع منافستها في الوصول إلى الأسواق الأوربية بوصفها تملك ثالث أكبر احتياطي من الغاز في العالم بعد روسيا وإيران عبر سورية وذلك بدعم النظام السوري والذي بدوره يدعم بقاء حزب الله اللذان يشكلان معًا الضمان لتنفيذ المشروع الإيراني. بالإضافة إلى الرغبة الإيرانية في المساهمة في إعادة الإعمار في سورية وأيضًا الرغبة الإيرانية في عدم قيام تحالف سني حقيقي يهدد مكانتها الإقليمية.

رابعًا- تركيا

تشكل تركيا جسرًا عابرًا للقارات ومعبرًا استراتيجيًا ذا اتجاهات متعددة ﻷهم كتلتين دوليتين الأوربية والأميركية من الجانب الغربي والكتلة الآسيوية من الجانب الشرقي، فهي صلة الوصل بين العالم الحديث والقديم، وتشكل عقدة حيوية لإمدادات خطوط نقل الغاز والنفط. فتركيا ترغب في جعل أراضيها ملتقى لأنابيب الغاز والنفط الخليجي والإيراني إضافة إلى أنابيب غاز ونفط منطقة القوقاز وأسيا الوسطى والبحر الأسود لتكون ممرًا ومحطة نحو القارة الأوربية، لذلك دخلت في الصراع السوري، ووقفت إلى جانب الثورة السورية، مطالبةً بإسقاط النظام لتخوفها من منافسة سورية المحتملة لها في نقل الغاز والنفط الخليجي والإيراني إلى أوروبا عبر الساحل السوري، والرغبة التركية في منع قيام دولة كردية على طول حدودها الجنوبية تهدد وحدتها الداخلية وتكون معبرًا لنفط العراق وإيران إلى المتوسط ومن ثم أوروبا وبالتالي لعب دور منافس لتركيا يساهم في إفقار موقعها الاستراتيجي ويعزلها عن السوق الخليجية، ووجود الإرهاب (تنظيم الدولة الإسلامية) على حدودها الجنوبية الذي يشكل مصدر تهديد لها، والمنافسة التركية – الإيرانية على قيادة العالم الإسلامي في المنطقة.

خامسًا- قطر

تعد قطر من أبرز الداعمين للثورة السورية والمطالبين بضرورة رحيل النظام وذلك عبر دعمها اللامحدود للمعارضة بشقيها السياسي والعسكري، يعود الدعم القطري إلى مجموعة من العوامل منها: الرغبة القطرية في جعل سورية مصبًا ومرفًا لتصدير النفط والغاز القطري إلى الدول الأوربية عبر أنابيب من قطر إلى الأردن ثم سورية وإلى تركيا لاحقًا وذلك نتيجة القرصنة البحرية والحرب في اليمن والصومال والتهديد المستمر بإغلاق مضيق هرمز من قبل إيران (تحتل قطر المرتبة الثالثة عالميًا من حيث  إجمالي الاحتياطي المؤكد للغاز الطبيعي بعد روسيا وإيران بحسب كتاب حقائق العالم الذي تنشره وكالة المخابرات المركزية الأمريكية سنويًا). بنسبة 14.4% من إجمالي الاحتياطي العالمي، وبحسب التقرير السنوي للاتحاد الدولي للغاز الذي نشر في أيلول/ سبتمبر 2014 فإن قطر احتلت المرتبة الأولى في العالم بتصدير الغاز الطبيعي المسال للمرة التاسعة على التوالي حيث بلغ حجم التصدير 76.8 مليون طن في حين بلغت الإمدادات العالمية للغاز الطبيعي المسال 241 مليون طن.

الرغبة القطرية في إسقاط النظام الذي يشكل أحد أهم مرتكزات المشروع الإيراني (خط الغاز الإسلامي) لتصدير الغاز إلى أوروبا باعتباره المشروع المنافس للمشروع القطري، والرغبة في السيطرة على الأسواق الإقليمية والدولية عبر السرعة والأمان في نقل الغاز والنفط في ظل المنافسة الأميركية والأسترالية وبعض الدول الإفريقية والذي لن يتحقق بدون أنابيب النقل البرية عبر سورية.

خاتمة

ومما سبق نجد إدراك الدول الإقليمية والدولية للأهمية الجيو-استراتيجية لسورية الأمر الذي دفع كل دولة للتدخل في الصراع السوري بما يتلاءم مع مصالحها وأهدافها ومشاريعها في المنطقة، لإدراكها أيضًا بأهمية وجود بيئة سياسية وأمنية مستقرة لتأمين تنفيذ هذه المشاريع عبر إنهاء الحرب في سورية سواء عبر تسوية سياسية أو عسكرية، فبقدر ما يطول أمد الصراع يكتسب خيار استحالة تنفيذ هذه المشاريع على الأرض القدر ذاته. وهنا حقيقة ثابتة يجب أن يدركها السوريون وهي أن التدخل الدولي في الصراع السوري سيؤدي إلى استطالة المدى الزمني للحرب ويفضي إلى مزيدٍ من التعقيدات والصعوبات في التوصل إلى حل سريع ينهي معاناتهم، وهذا يتطلب منهم اللعب الجيد على حبال السياسة باستغلال المواقف الإقليمية والدولية تجاه الصراع في سورية وتوظيفه في اتجاه خلاصهم وتحررهم.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]