قراءة في اتفاقية اللجوء بين الاتحاد الأوروبي وتركيا


همام حداد

في 20 آذار/ مارس من العام الجاري، وقّع الاتحاد الأوروبي والحكومة التركية اتفاقية؛ بهدف معالجة قضية اللاجئين، تضمن للاتحاد وقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا، من جهة، ومن جهة أخرى، تسهل على الدول التي استوعبت العدد الأكبر من اللاجئين عملية توزيعهم على بقية دول الاتحاد.

وُعدّ تاريخ توقيع الاتفاقية هو نهاية فترة الاطمئنان النسبية التي عاشها اللاجئون وطالبو اللجوء في دول الاتحاد الأوروبي، على الرغم من الانتقادات الكبيرة التي وجهت للاتفاقية من منظّمات حقوق الإنسان، إلّا أن الاتحاد الأوروبي عدّها خطوة ناجحة، ولاسيّما الحكومة الألمانية التي قادت المفاوضات مع تركيا. كذلك صرّح عدد من الخبراء أن الاتفاقية حققت فوائد جمة للاتحاد الأوروبي، بما في ذلك خفض حدّة التوتر بين أعضائه، التوتر الذي كانت قضية اللاجئين عاملًا مسببًا رئيسًا له.

فوائد الاتحاد الأوروبي من الاتفاقية

يشرح المحامي باسم سليم، المختص في شؤون اللاجئين، لـ (جيرون) فوائد الاتفاقية للاتحاد الأوروبي: “بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي فقد استطاع التوصل إلى صيغة قانونية، تضمن له تقنين توافد اللاجئين إلى أوروبا من جهة، والتحكم بتوزيع اللاجئين على دول الاتحاد من جهة أخرى”.

وأضاف “أمّا الوضع السابق الذي سمح لأعداد اللاجئين الكبيرة باختيار بلد اللجوء، فقد أدى إلى ضغوط كبيرة على بعض الدول، من دون غيرها كألمانيا والسويد، وهذا ما انعكس سلبًا على قضية اللجوء بالعموم لذلك اعتبرت هذه الاتفاقية بمنزلة طوق النجاة للاتحاد الأوربي”.

الأوروبيون بهذه الاتفاقية صنّفوا اللاجئين على أنهم مهاجرون

اللاجئون الواصلون إلى اليونان -بحسب الاتفاقية- ستُفرض عليهم الإقامة في اليونان بغض النظر عن جنسية اللاجئ، وبعدها تقوم مكاتب الاتحاد الأوروبي بفرز اللاجئين إلى دول الاتحاد بناء على تقييم الحالة الشخصية. وهكذا تكون الدول الأوروبية ارتكزت على القوانين الفرنسية بما يخص موضوع اللجوء، حيث تعتبر فرنسا مصدر التشريع الأوروبي في هذا المجال؛ فالقانون الفرنسي يعتمد على الحالة الشخصية لطالب اللجوء، فإذا لم يكن صاحب الطلب يتعرّض لخطر شخصي مباشر كالملاحقة الأمنية أو تهديد حياته نتيجة نشاط سياسي أو انتماء حزبي معارض وغيرها، لا يحق له اكتساب وضعية اللجوء بل الحماية. والأضرار العامة التي يتعرض لها الإنسان كتدمير منزله أو حتى خطف أحد أفراد أسرته مهما كان مدى خطورتها على حياته، لا تمنحه الحق باللجوء.

هذه الآلية تصلح للتعامل مع المهاجرين الذين يملكون خيارات الهجرة أو البقاء، ولا تصلح للتعامل مع أزمة الهاربين من جحيم الحرب، كما هو الحال في سورية.

هذا الوضع الجديد لم يكن مطبّقًا في السابق في دول الاتحاد، فكان اللاجئ السوري يحصل على حق الإقامة الكاملة في ألمانيا أو في السويد، ولكن بعد تطبيق الاتفاقية، رُفض الكثير من طلبات اللجوء، وحصل أصحابها على حق الحماية فقط. وعلينا التنويه إلى أن هذا الوضع مخالف للقوانين الدولية التي تقول: إنه يحق لأي إنسان تعرض لضرر مادي أو نفسي وهناك خطر حقيقي على حياته، أن ينال حق اللجوء، وهو الأمر الذي ينطبق على الوضع السوري بالمجمل.

وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا قامت بتطبيق حق الحماية منذ بداية الثورة السورية.

المصير غير الواضح لطالبي اللجوء جميعهم

يُقسم اللاجئون في اليونان إلى قسمين، القسم الذي وصل قبل توقيع الاتفاقية، وهذه الفئة سوف تخضع لإعادة التوطين ضمن دول الاتحاد حسب الاتفاق. المجموعة الأخرى وهي الأكبر التي دخلت اليونان بعد توقيع الاتفاقية، وليس لها أي خيار سوى التقدم بطلب اللجوء ضمن الأراضي اليونانية، وحتى الآن لم يتم قبول أي طلب سوى طلبات لمِّ الشمل، وستطول فترة بقائهم ريثما يتم إيجاد حلّ مع تركيا، فإمّا الترحيل إلى تركيا وهذا يحتاج إلى موافقة تركية، أو إنشاء مخيمات خاصة لهم على الأراضي اليونانية.

وعلى الرغم من دخول الاتفاقية حيز التنفيذ منذ لحظة توقيعها، إلا أن جزءًا كبيرًا من بنود الاتفاقية مازال مجمّدًا حتى الآن، وحتى هذه اللحظة لم يقم أي مصدر رسمي في الاتحاد الأوروبي أو تركيا بالتصريح عن آليات تنفيذ هذه الاتفاقية، والمشكلة الأكبر التي يواجها الاتحاد الأوروبي تتمثل بمشكلة التوصيف القانوني للمقيم حديثًا على الأراضي اليونانية، هل هم لاجئون أم طالبو لجوء أم ماذا؟

هذه الارتباك لدى الاتحاد الأوروبي في توصيف اللاجئين انعكس على منظماته العاملة والمتخصصة في مساعدة ودعم اللاجئين؛ فالوضع القائم حاليًّا لا يسمح بوضع سياسة طويلة الأمد لتمكين ومساعدة اللاجئين، فالاستمرار بتقديم خدمات إسعافية وعاجلة فقط، لن يساعد في حل الأزمة، إضافةً إلى أنه مرهق للجميع، وبالتحديد للدولة اليونانية التي هي بالأصل تعاني من أزمات ومشكلات اقتصادية عميقة.

معاناة اللاجئين الناجمة عن الاتفاقية

يقول د. أمير عمر، المختص بالأمراض النفسية والذي يعمل حاليًّا مع إحدى المنظمات العاملة في اليونان، لـ (جيرون): “يعيش اللاجئون بالمجهول، ويشعرون بتوتّر وضغط كبير نتيجة هذه الوضع الذي وجدوا أنفسهم فيه (لا تقدم ولا تراجع)، وهناك جو من اليأس العام، حيث سجلت عدة حالات اكتئاب ضمن صفوفهم، إضافة إلى انتشار ظاهرة العنف بين اللاجئين”.

ما يزيد الأمر سوءًا هو عدم وجود أي جهة رسمية تخاطبهم، أو تحاول التواصل معهم وشرح ما سيؤول إليه مستقبلهم القانوني على الرغم من كل المناشدة والمطالبات بذلك، ناهيك عن الظروف المعيشية السيئة في المخيمات وانعدام مصادر الدخل.

تدور حياة اللاجئ ضمن حلقة مفرغة، حيث لا يوجد أي نشاط يستطيع اللاجئ أن يقوم به سوى الروتين اليومي بانتظار الطعام أو موعد مراجعة هيئة اللاجئين. فالأطفال من دون مدارس أو تعليم، على الرغم من إعلان وزارة التربية أنها وضعت خطة لاستقبال الأطفال اللاجئين ضمن المدارس الحكومية.

عدم رضا اللاجئين عن عمل المنظمات غير الحكومية

المنظمات العاملة في المخيمات، هي منظمات غير حكومية، تعنى بالشأن الإنساني العام، وعليها يقع الجهد الأكبر بتأمين متطلبات الحياة الإنسانية للاجئين، ولاسيّما مع غياب أي جهد حكومي من قبل الدولة المضيفة، ولكنّ للاجئين رأيًا مختلفًا فأغلب الذين قابلناهم عبّروا عن استيائهم من وضع المخيمات العامة. يقول “محمود مداراتي” من حلب: إنه لا يمكن أن تكون هذه أوروبا التي سمعنا عنها وتخيلناها، فعدد اللاجئين في اليونان لا يتجاوز الـ (60) ألف لاجئ، ولا يوجد حروب أو أخطار أمنية، فلماذا هذا الوضع المزري للمخيمات واللاجئين؟

وبطبيعة الحال وكنتيجة عامة لسوء الأوضاع في المخيمات، تطال تلك المنظمات الكثير من الاتهامات من قبل اللاجئين، حتى إن بعضهم يحمّلها مسؤولية وجودهم في هذه المخيمات، ويعتبرونها مستفيدة من استمرار الوضع كما هو عليه.

وفي هذه النقطة يقول عمر: “هناك بعض الفشل في عمل المنظمات بلا ريب، ولكن لا يمكن بأي حال تحمليها مسؤولية وضع اللاجئين القانوني، فهذا القرار ليس في يد المنظمات ولا حتى قرار الأمم المتحدة أو الدولة اليونانية”.

فشل المنظمات يبدو أيضًا في قضايا أخرى كإهمالها تعليم أطفال اللاجئين، ومشكلة التواصل بين اللاجئين والمنظمات بسبب عائق اللغة؛ فالمترجمون -في غالبيتهم- لا يتقنون اللهجة السورية، بل يتكلمون اللغة العربية الفصحى، أو لهجة المغرب العربي التي لا يفهمها السوريون بشكل جيد، وهو ما يزيد الأمر توترًا. ولكن يبقى الفشل الأكبر هو فشل الاتحاد الأوروبي الذي لا يمتلك تصورًا واضحًا عن مستقبل اللاجئين في اليونان.




المصدر