‘جميل دياربكرلي لـ”صدى الشام”: إن استمرت الأوضاع السورية على ما هي عليه لعدة سنوات سينتهي الوجود المسيحي في سوريا.’

2 نوفمبر، 2016

وصف مدير المرصد الآشوري لحقوق الإنسان، جميل دياربكرلي، مشروع الإدارة الذاتية الكردية بـ”المشروع الذي تفوح منه رائحة العنصرية”، وقال دياربكرلي في حوار مع “صدى الشام”، إن الهجرة الآشورية ليست وليدة الأوضاع الناجمة عن الثورة السورية وتعامل النظام معها، لكنها هجرة تعود إلى خمسينيات القرن الماضي. كما رأى أن هناك خذلان من كافة أطراف الصراع السوري للآشوريين وللمسحيين، معتبراً أنهم يعيشون “وسط أمواج متلاطمة”.

ونوه خلال اللقاء، إلى قصور عمل المعارضة السياسية، وأضاف متسائلاً “لماذا لا يتم التركيز على دور المكونات الأخرى في المعارضة مثل “الدروز، والعلويين”، أسوة بالتركيز على الدور المسيحي!

وفيما يلي نص الحوار الكامل:

– قبل أيام قليلة تحدثتم في المرصد الآشوري لحقوق الإنسان، عن اقتحام قوات الأسايش “الكردية” لمدرسة “دجلة الخاصة” التابعة للكنيسة الأرثوذكسية، وعن قيام العناصر التي نفذت عملية الاقتحام بطرد الطلاب الأكراد من المدرسة، علماً أن المدرسة قامت منذ عقود باستقبال الطلاب في الجزيرة لكل المكونات، على ماذا يدلل هذا التصرف؟

لن نضيف شيئاً جديداً إن تحدثنا عن “غوغائية” من يقوم على ما يسمى بمشروع “الإدارة الذاتية”. هم يحاولون نسف تاريخ حافل بالعيش المشترك بين العرب والكرد والمسيحيين والآيزيديين والتركمان خدمة لمشروعهم الذي تفوح منه رائحة العنصرية، إن هذا التصرف “غير المبرر” لم يفاجئنا.

– في محافظة الحسكة هناك دور يصفه البعض بـ”الجيد”، تقوم به الكنائس، من خلال دعم بعض النشاطات المحلية المدنية، من أين يأتي دعم هذه الكنائس؟

دعم هذه الكنائس يأتي من ريع الأوقاف التابعة لها (مؤسسات وعقارات)، بالإضافة إلى التبرعات. أما ما يشاع عن دعم دول غربية بعينها لهذه الكنائس فهو حديث غير صحيح البتة.

– أين يتوزع المكون الآشوري في سوريا؟

عندما نتحدث عن الآشوريين، فنحن نتحدث قومية سورية، أو لنقل عن مكون قومي سوري. أي بمعنى أنهم قومية لها وجودها وليسوا مسيحيين فقط، وهم يشكلون نسبة 40% من إجمالي عدد المسيحيين في سوريا.

بالعودة إلى السؤال، فهم يتوزعون على كامل الرقعة الجغرافية السورية؛ في مدينة حمص وريفها لهم تواجد قوي، وفي دمشق، وفي حلب أيضاً، ولهم تواجد قليل في الرقة ودير الزور، لكن المعقل الأساسي للآشوريين السريان والكلدان هو منطقة الجزيرة السورية (الحسكة ومناطقها).

لقد لعب الآشوريون دوراً كبيراً في بناء محافظة الحسكة، وبناء نهضتها الزراعية، وذلك عند تشكيل الدولة السورية، وعملوا في كل المجالات الأخرى إلى جانب الزراعة، شأنهم شأن بقية السوريين.

– رغم عدم تبنينا لهذا الرأي، لكن البعض يعتقد أن مشاركة المكون الآشوري في الثورة كانت خجولة، ويعزوا هؤلاء اعتقادهم هذا إلى عدة أسباب من أهمها وقوف الكنائس السورية رسمياً إلى جانب النظام، وأيضاً لكون غالبية الآشوريين في سوريا هم من الطبقة الغنية، ما تعليقكم على هذا؟

قبل الحديث عن مشاركة المكون الآشوري في الثورة، دعني أجيب عن الشق الأخير. إن وضع الآشوريين الاقتصادي كان مستقراً نوعاً ما، ولكن ليس كما يتصور البعض، لقد تعرض الآشوريين إلى كثير من الهزات الاقتصادية نتيجة لسياسات النظام الخاطئة، وأعداد من تبقى منهم في سوريا تثبت صحة حديثي.

دعني أوضح أن الهجرة الآشورية لم تكن وليدة الأوضاع الناجمة عن الحالة التي فرضتها الثورة السورية، بل سبقت هذا التاريخ بكثير، تحديداً منذ خمسينيات القرن الماضي وهي مستمرة إلى يومنا هذا، وأحد أهم الأسباب المسؤولة عن ذلك إلى جانب القمع هو “الضيق الاقتصادي”.

غالبية الآشوريين اليوم يتواجدون في لبنان وتركيا والأردن، وفي شمال العراق، علاوة على الهجرة تجاه البلدان الأوروبية.

في سياق آخر، فأستطيع أن أقول بكل وضوح إن مشاركة المكون الآشوري في الثورة مثله مثل مشاركة أي مكون سوري آخر. بعبارة أخرى، شارك قسم منهم في الثورة منذ بدايتها، وهم من أوائل من خرج على النظام في منطقة الجزيرة.

– البعض يقول غير هذا، ويستدل هذا البعض من خلال دعم الميليشيات الآشورية لقوات النظام، في الجزيرة وغيرها، ما قولكم هنا؟

لقد كان للآشوريين دور كبير في إعلان دمشق، وفي تشكيل الأجسام السياسية المعارضة، من المجلس الوطني إلى الائتلاف.

أما عن الوضع الراهن، أي مع طول عمر الثورة والتجاذبات الإقليمية، ومع ظهور الصراع السني-الشيعي، فإن كثيرا منهم اليوم دخل في الفئة الصامتة.

– وضعتهم الآن ضمن الفئة الصامتة، فلماذا إذا تعرضوا لحوادث اعتداء من قِبل أكثر من طرف من أطراف الصراع في المنطقة، سواء من الإدارة الذاتية، أو من التنظيم؟

هناك خذلان من كل أطراف الصراع السوري للأشوريين والمسيحيين بشكل عام، وعلى رأسهم النظام. على سبيل المثال النظام لم يحرك ساكناً عندما دخل التنظيم إلى مدينة “القريتين” في ريف حمص التي يتواجد بها السريان، وكذلك الأمر بالنسبة للوحدات الكردية، الذين يمارسون سياسات عنصرية ضد الآشوريين. حتى المعارضة السورية ونتيجة لتوزع القرار فيها، أيضاً خذلت المكون الآشوري، وعلاوة على كل ذلك هناك خذلان دولي لهم.

اليوم نلمس تركيزاً دولياً على دعم القضية الكردية والعلوية والدرزية، بخلاف الحديث عن المسيحين الذين تركوا لكي يلتطموا بالأمواج.

– إذا كانوا عرضة لكل هذا الخذلان والاضطهاد الذي تحدثت عنه، لماذا إذا فضّل بعضهم البقاء في سوريا؟

لعدة أسباب، من بينها الإيمان بسوريا. كما أن البعض منهم لم تخدمه الظروف في الهجرة. ينطبق على الآشوريين كل ما ينطبق على بقية المكونات السورية الأخرى.

– نلاحظ أن هناك تواجداً لميليشيات عسكرية مثل “السوتورو” وغيرها من الميلشيات المسيحية التي تقاتل إلى جانب النظام، مقابل عدم وجود كتائب إلى جانب المعارضة، ألا تدلل هذه المعطيات على انحياز المسيحين إلى صف النظام؟

إن سوريا بلاد الحضارة والديمقراطية قد ابتليت بنظام سيء، وبمعارضة سياسية ليست بأفضل حال منه، وإذا كان من طرف يتحمل مسؤولية اصطفاف البعض من المسيحيين إلى جانب النظام، فهي المعارضة السياسية الموجودة اليوم.

الثورة جاءت بأهداف سامية ومقدسة، بالتالي فإن من واجب المعارضة أن يعطوا الصورة الصحيحة لما يحملونه من أفكار لكل أطياف الشعب السوري، وليس بالضرورة أن يؤمن الجميع بهذا الفكر، لكن من الواجب على المعارضة العمل على أن تجعل من الجميع يعتقد بمدى صحة الأفكار التي طرحتها الثورة (العدالة والحرية والديمقراطية).

دعني أتساءل هنا بكل أسف، لماذا سيقف المسيحيين إلى جانب المعارضة اليوم، وهم بلا مشروع سياسي واضح.

على سبيل المثال قبل فترة من الآن، طرحت الهيئة العليا للمفاوضات رؤيتها لسوريا الجديدة، وللمرحلة الانتقالية، والمفارقة أنهم أتوا على ذكر الأكراد والعلويين، لكنهم لم يأتوا على ذكر الآشوريين والمسيحيين بالمطلق.

– بالمقابل ما هو المشروع الذي يمثله النظام لكي يقفوا إلى جانبه أيضاً؟

سأجيب على هذا السؤال بسؤال آخر، لماذا لا يسأل عن دور الدروز في المعارضة السورية، لماذا لا يسأل عن دور العلويين، ولماذا التركيز على الموقف المسيحي فقط.

– اليوم كيف يرى جميل دياربكرلي وضع الآشوريين بشكل خاص، ووضع المسيحين في سوريا ككل؟

لدينا اليوم مختطفين عند التنظيم، وعند بعض الجماعات الإسلامية المتشددة، ومعتقلين في سجون الأسد، بالإضافة إلى تهدم الكثير من الكنائس.

وعليه إذا استمر الوضع على ما هو عليه لخمسة أعوام قادمة، فسينتهي الوجود المسيحي في سوريا.

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]