ماذا أبقت الطائرات للطفولة المغدورة في سورية؟
2 نوفمبر، 2016
علاء كيلاني
من الصعوبة بمكان، أن تتخيل جريمة وحشية، مؤثرة، أكبر من جريمة أطفال تستهدفهم آلة الحرب، فيتساقطون بالعشرات وهم يحملون حقائبهم في الطريق إلى مراكز تعليمهم، أو داخل صفوفها، أو في طريق عودتهم منها.
آخر المشاهِدِ المروّعة، صورة لبقايا يد “تمسك حقيبة مدرسية” انفصلت عن جسد طفلة سورية، مزقته صواريخ أطلقتها طائرات الأسد وحليفه الروسي، مستهدفة المناطق المدنية الآهلة بالسكان. وهي صورة تمثل، إلى جانب مئات الصور الأخرى، نكبة بلدٍ يعيش أطفاله أهوال قيامة مرعبة، حلّت قبل أوانها، لا تختلف مشاهدها بين حلب، وإدلب، ودرعا، ودمشق، أو أي مدينة تعلن عصيانها على نظام الأسد، إذ سيعاقبها بطريقة، تقول (اليونيسيف) 26 تشرين أوّل/ أكتوبر: “إنها تثير الغضب الشديد.. أطفال فقدتهم عائلاتهم إلى الأبد… مدرسون فقدوهم طلابهم إلى الأبد”.
قبل أيام (الأربعاء 26 تشرين الأول/ أكتوبر) لقي 22 طفلًا و6 مدرّسين مصرعهم بغارات جوية متكررة، استهدفت إحدى المدارس في ريف إدلب، شمال غربي سورية. وقبيل هذه المذبحة، قُتلت “زينة” و”لامار”، وكذلك “اسماعيل” (5 سنوات)، وشقيقته “هنادي” (9 سنوات)، كما تعرّضت مدرسة “ذات النطاقين” الابتدائية في درعا لقذائف صاروخية أودت بحياة خمسة أطفال، في أثناء دوامهم المدرسي.
حقيبة “زينة” ذات التسع سنوات، التي تحتوي بعض قرطاسيتها، وكتب شقيقتها “لامار” 11 عامًا، تشبه حقيبة الطفلة التي بقيت يدها المنفصلة ممسكة بها، وكأنها تقبض على آخر حلم لها، في بلد لم يعد لأحلام الأطفال فيه أي مكان.
منذ آذار/ مارس 2011 ولغاية نيسان/ أبريل 2016، سقط نحو 18 ألف طفل، تتراوح أعمارهم بين الشهر والـ 16 سنة، منهم 13500 طفل من الفئة العمرية 10 سنوات. بينما يبلغ عدد الأطفال الذين قضوا جراء القصف البري والجوي، نحو 14 ألف طفل (إحصائيات مركزي توثيق الانتهاكات في سورية، ومركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان).
تؤكد منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في بيان لها: أن 8.4 مليون طفل سوري، تأثّروا نتيجة النزاع الدائر في بلادهم، ويُشكّل هذا الرقم نحو 80 بالمئة من مجموع أطفال البلاد. ويوضح البيان: أن 3.7 مليون طفل، أي طفل من بين ثلاثة في سورية، ولدوا منذ بدء النزاع في آذار/ مارس 2011، قد عاشوا العنف والخوف والنزوح، ويشمل هذا الرقم أكثر من 151 ألف طفل، وُلدوا كلاجئين في زمن الحرب. وقالت المنظمة: إن أكثر من 60 بالمئة من هذه الانتهاكات، تُمثّل حالات قتل وتشويه؛ نتيجة تعرض الأطفال للأسلحة المتفجرة، وقد قتل أكثر من ثلث هؤلاء في أثناء وجودهم في المدرسة أو في طريقهم من وإلى المدرسة.
لم يتخيل رادوسلو ريهاك مدير مكتب اليونيسف في حلب، أنه منذ ساعتين فقط، كانت ثمة فتاتان جميلتان تمشيان بسعادة إلى المدرسة، غير أنهما غادرتا بطريقة مؤلمة. ويقول: “توجهت إلى المشرحة، لقد رأيتهما، هنادي ولامارـ اللتين تبلغان التاسعة والحادية عشرة، مستلقيتين على السرير، وكأنهما تغطان في نومٍ سلاميّ. كان ما يزال في يد لامار غلافٌ للوح شوكولا، كانت تأكله في طريقها إلى المدرسة. نَظَرتُ إلى هنادي، المغطاة بالدم الجاف، كنت أستطيع أن أرى قرطي أذنيها اللامعين. لم أستطع تصديق ما رأيت”.
ومن جرّاء القصف المتواصل الذي تتعرض له المنشآت التعليمية، والأماكن القريبة منها في المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد، لا تخفي الأسر التي فضلت البقاء، قلقها على مصير أطفالها، فلا هي قادرة أن تدعهم يواجهون حتفهم، ولا هي قادرة أن تحجم عن إرسالهم لتلقي التعليم، وترى إحدى السيدات بأن إرسال أولادها إلى المدارس بات مصدر رعب، ففي أي لحظة يمكن أن يقتلوا بصواريخ الطائرات الحربية، أو البراميل المتفجرة، التي تلقييها الحوامات إلقاءً عشوائيًا.
وتستمر حكومة الأسد -بحسب التقرير العالمي 2016، الذي أصدرته منظمة هيومن رايتس واتش- في شن غارات جوية عشوائية، تشمل إسقاط أعداد كبيرة من قنابل مصنوعة من البراميل على المدنيين؛ وهي قنابل رخيصة غير موجهة وشديدة الانفجار، تُصنع محليًا من براميل نفط كبيرة، أو أسطوانات غاز أو خزانات مياه. تُملأ بالمتفجرات والخردة المعدنية لتعزيز التشظي، ثم تُرمى بعدها من طائرات مروحية.
خلال العام الدراسي 2011/ 2012، تخلّف نحو 2 مليون طفل عن التعليم، أعمارهم بين 6 و15 عامًا، نصفهم داخل سورية، بينما التحق قسم من الأطفال الذين هربوا برفقة أسرهم إلى الأردن وتركيا ولبنان والعراق، بشبكة مدارس حكومية –داخل المخيمات وخارجها– مازال التعليم فيها يعاني من مشكلات، مثل التسرب، وعدم الاستيعاب، واختلاف المناهج، واللغة.
إلى جانب العوامل النفسية العميقة التي خلفتها الأوضاع هذه، من شأن البعد الاجتماعي للصدمة التي أصابت جيلًا كاملًا من السوريين، أن تؤثر تداعياته تأثيرًا سلبيًا في قيم المجتمع وتماسك حلقاتها، كما ستؤثر مستقبلًا في بيئة وواقع التعليم في البلاد، ومستوى نموه المفترض.
لم تصبح سورية -خلال السنوات الست الأخيرة- بفضل الآلة الحربية لنظام الأسد وحلفائه، أخطر الأمكنة على الصحافيين، وحسب، بل أصبحت واحدة من أخطر الأماكن على الأطفال في العالم أيضًا.
[sociallocker] [/sociallocker]