الدوغمائية


رلى العلواني

كلمة يونانية تعني الجمود العقائدي، أو التشبث بالرأي والمعتقد، يعود أصل هذا المصطلح إلى كلمة “دوغما” الموجودة في الفكر الديني المسيحي الكاثوليكي، وترتبط الدوغما بمفهوم عصمة بابا الفاتيكان، حيث صدر مرسوم رسمي ودغمائي عام 1870 والذي يؤكد أن البابا معصوم عن الخطأ، وبيده صكوك الغفران وتعاليمه بمنزلة الهام إلهي.
تظهر الدوغمائية في الأديان السماوية كافة (الإسلام، المسيحية، اليهودية)، ورفضها يطلق عليه “الهرطقة” وممكن أن تصل الدوغمائية -بأفكارها- إلى تكفير معتنقي الديانات الأخرى.
عرفها الإغريق بالجمود الفكري، وتستخدم هذه الكلمة غالبًا للتعبير عن التشدد بالمعتقد، دون قبول غيره بما يسمى التصلب الفكري والاعتقاد الدائم أن فكره هو الحقيقة المطلقة التي لا يمكن الجدال أو النقاش فيها، وبات هذا المصطلح من أكثر المصطلحات شيوعًا واستخدامًا، اجتماعيًا وسياسيًا؛ لوصف الأساليب الفكرية المتصلبة والنقيضة للمنطق والعقلانية.
ووصفها المفكر الأميركي ميلتون روكيش بأنها نظام العقائد أو الإيمان، والمقصود بها التشدد لمجموعة من المبادئ العقائدية، والتي ترفض -في المقابل- وبشدة مجموعة أخرى من المبادئ وتعدها لا قيمة ولا معنى لها، وقد أشار إليها المفكر على أنها الصرامة العقلية، وهي عدم قدرة الشخص على تغير جهازه العقلي عندما تتطلب الشروط الموضوعية ذلك.
تلعب التربية والتعليم الدور الأساسي لدعم الدوغمائية وترسيخها في الفكر، فيفقد الشخص حاسة النقد وتقبّل الحقيقة، وخصوصًا إذا كانت هذه الحقيقة تتعارض مع فكرة نشأ عليها وتوارثها عبر الأجيال، وخاصة عندما تكون هذه الفكرة مرتبطة بالقيم الاجتماعية المحيطة أو بفكرة طرحها أصحاب السلطة، سواء سلطة سياسية أم دينية أم اجتماعية.
أصبحت الدوغمائية وصفًا ملتصقًا بالحركات المتعصبة فكريًا كالفاشية والنازية وكثيرون من منظرين العرب من لصق هذه الصفة على الإسلام مع العلم بأن الإسلام دين قناعة وتفكير لأن القناعة بالإسلام أمر اختياري وليس اجباري ولم يكن الإسلام يومًا نتاج عقلي بشري غير مستعد للنقاش، فمبدأ الإسلام قائم على الحوار والنقاش وحرية الإقناع، بدليل أن عشرات آلاف الغربيين يعتنقون الإسلام كل عام.
باتت الدوغمائية واضحة المعالم في عصرنا الحالي، وعلى وجه الخصوص في عالمنا العربي والإسلامي، ولا سيما عند الجماعات الإرهابية (تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية وفرق الشيعة والباطنية) التي عرفت بممارساتها المتطرفة والمتعصبة والتي لا تمت للإسلام وتعاليمه بأي صلة.
ومن هنا نجد أن الدوغمائية هي اللاعقلانية، ونقيضة للتفكير العلمي والمنطقي، وهي مصطلح يقابل التعصب والتطرف، ويمكن أن يطلق عليه الإرهاب الفكري، ولا يمكن القول بأن هذا الدين أو المذهب يشجع على الإرهاب أو التطرف، وإنما الأفكار الدوغمائية هي ما يقود إلى التعصب الفكري ونبذ ما هو حقيقة وعقلاني




المصدر