المعارك تدخل الموصل… وصفقة بين العبادي والمليشيات ثمنها تلعفر


بعد 17 يوماً من المعارك وبواقع 408 ساعات قتال بري، وأكثر من ثلاثة آلاف ضربة جوية لقوات التحالف الدولي بحسب البيانات المعلنة، تمكنت القوات العراقية المشتركة من تحقيق أول اختراق من نوعه عبر السيطرة على منطقة كوكجلي شرقي الموصل ضمن الطرف الأيسر للمدينة، في تطور مفاجئ وغير متوقع حتى للقوات المهاجمة لتلك المنطقة، التي أكد قادتها قبل ساعات إنهم يتوقعون فصلاً غير قصير من المعارك على أسوار المدينة قبل تحقيق أول خرق فيها.
خلال ذلك، أكدت مصادر عسكرية وحكومية عراقية أن رئيس الوزراء، حيدر العبادي، توصل الى اتفاق مبدئي مع مليشيا “الحشد الشعبي” يقضي بمنحهم مهمة استعادة تلعفر، ذات الغالبية التركمانية، من تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) مقابل تخليهم عن مطلبهم دخول الموصل، فيما سارعت تركيا إلى الرد على هذه الصفقة بتعزيز قواتها المرابطة على الحدود بدبابات وقطع مدفعية. وقال وزير الدفاع التركي، فكري إيشيق “في منطقتنا هناك تطورات، فمن جهة هناك عمليات مكافحة إرهاب جادة تجري داخل الأراضي التركية، ومن جهة أخرى، هناك تطورات في الجهة المقابلة لحدودنا، وتعتبر هذه التعزيزات جزءاً من التحضيرات التي نقوم بها. على تركيا أن تكون جاهزة لجميع أنواع الاحتمالات”، في إشارة إلى المخاوف التركية من توجه مليشيا “الحشد الشعبي” نحو مدينة تلعفر ذات الغالبية التركمانية، على الرغم من التحذيرات التركية من محاولة المليشيات السيطرة على المدينة. وأعلن إيشيق أن تركيا قد ترسل قوات إضافية إلى معسكر بعشيقة في العراق إذا دعت الحاجة لذلك.
ملامح قريبة لنهاية معركة الموصل

وعلى وقع مئات القذائف، اقتحمت قوات جهاز مكافحة الإرهاب والفرقة التاسعة من الجيش العراقي منطقة كوكجلي، التي لا تفصل بينها وبين أول أحياء الموصل سوى بضعة أمتار، هي عبارة عن طريق عام يؤدي الى أحياء الخضراء والقدس والكرامة والشلالات المأهولة بالسكان. وتؤكد مصادر في بغداد أن المعارك لن تتوقف لاستغلال حالة الانكسار في صفوف تنظيم “داعش”. وبحسب مصادر عسكرية عراقية فإن الطيران الأميركي استخدم، بعد تأكده من خلو المنطقة من السكان، أسلوب الأرض المحروقة، عبر استهداف المنطقة بالقذائف، ما أسفر عن تدمير جميع دفاعات التنظيم في منطقة كوكجلي، وهي عبارة عن منطقة صناعية تحتوي على معامل وورش حدادة ومخازن للمواد الإنشائية، وتضم أيضاً، دوائر حكومية أبرزها مبنى الإذاعة والتلفزيون الذي كان تلفزيون الموصل المحلي يبث برامجه منه، والذي استطاعت القوات السيطرة عليه بعد الساعة الرابعة، كما سيطرت على نحو 10 مباني أخرى، غالبيتها معامل ومصانع كبيرة.

وقال ضابط في الجيش العراقي، لـ”العربي الجديد”، إن “الطيران الغربي مهد الطريق للقوات العراقية للتقدم، عبر استخدامه قنابل ارتجاجية دمرت حقلاً للألغام حول المنطقة، كما استهدفت مواقع وتحصينات داعش بالصواريخ”، مبيناً أن “التنظيم في حالة انهيار، ويستخدم الانتحاريين بكثافة، ما أفقدنا عدداً كبيراً من الجنود”. وقال آمر اللواء الرابع في المحور الشرقي للموصل، العميد أحمد الخالصي، لـ”العربي الجديد”، إن “القوات العراقية حققت، الثلاثاء، تقدماً نوعياً وكبيراً”، مضيفاً “نحن بشكل عملي داخل حدود بلدية الموصل، ونتوقع أن نتمكن خلال الساعات الأربع والعشرين المقبلة أن نسيطر على أول أحياء الموصل السكنية في الساحل الأيسر الشرقي”، مبيناً أن “التنظيم أقام حواجز ونصب كتلاً خرسانية حول الأحياء السكنية، لكن تمت معالجتها عبر الطيران والدبابات، وحالياً ليس لدينا سوى مشكلة القناصة”.

وقال قائد عمليات “قادمون يا نينوى” المكلفة الهجوم على المدينة، الفريق الركن عبدالأمير رشيد، في تصريح خاص لـ”العربي الجديد”، إن “القوات العراقية كبدت التنظيم خسائر كبيرة”، موضحاً أن “كوكجلي حررت، ونحن الآن في طور إطلاق مرحلة التقدم إلى أحياء الموصل السكنية من الساحل الشرقي لاستعادتها”. ووصف عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس محافظة نينوى، محمد الحمداني المرحلة الحالية: “الآن بدأت معركة الموصل الحقيقية”. مضيفاً، لـ”العربي الجديد”، أن “جميع الأيام التي مرت كانت عبارة عن معارك واشتباكات سهلة، تعتمد على كثافة النار والقصف، لكن حالياً وصلنا إلى أسوار الموصل، ونحتاج إلى كثير لإحراز النصر”، مبيناً أن “المرحلة الحالية ستكون حرب شوارع، ونأمل من قيادة داعش أن تتحلى بشيء من الأخلاق وتنسحب من المدينة، فالموصل ليست مدينة عادية ويجب ألا تتحول الى خراب كما فعلت بالفلوجة والرمادي وتكريت”. وتابع “إن كانوا يريدون الموت فليذهبوا إلى خارج الموصل، أما داخلها فيعني تدميرها، علماً أن القرار اتخذ باستعادتها وسنفعل ذلك مهما كلف الأمر”. وحول المدنيين قال “لنصلي لهم”.

وحصلت “العربي الجديد” على معلومات مهمة من مصادر عسكرية في بغداد تؤكد أنه تم في المرحلة الثانية من معركة الموصل استخدام 25 ألف جندي وعنصر من جهاز مكافحة الإرهاب والفرقة التاسعة والفرقة الذهبية التي استدعيت من الفلوجة أخيراً، فضلاً عن أفواج التدخل السريع، مدعومين بمروحيات أميركية قتالية من طراز “أباتشي” ستتولى عمليات التقدم داخل الموصل عبر طريقة “قضم الأرض” بشكل تدريجي من شارع إلى آخر ومن حي إلى حي، وهو ما يعني أن بغداد ستزج بعدد كبير جداً إلى داخل أحياء وأزقة قلب المدينة، يتفوقون فيها على عناصر التنظيم من ناحية العدد، كما ستكون المروحيات كفيلة بحسم أي اشتباك داخل الموصل، وهو ما أكده آمر الوحدة الرابعة في جهاز مكافحة الإرهاب، العميد طالب البياتي، لـ”العربي الجديد”، بالقول إن “المعركة داخل الموصل لن تكون طويلة، وقد تحسم خلال أيام رغم حجم المدينة”، مبيناً أن “الموضوع الأهم الآن هو السكان، ولدينا خطة لحمايتهم، لكن لا يمكن الإعلان عنها عبر وسائل الإعلام الآن”. وحول ذلك، يقول مختار حي عدن في الموصل الشيخ أحمد البيطار “في حال تم اختراق حي عدن أو الكرامة أو القدس، فإن ذلك يعني أن الأحياء ستتساقط بيد القوات العراقية واحداً تلو الآخر كحبات المسبحة”. ويضيف، لـ”العربي الجديد”، أن “التقدم سيكون سريعاً في الساحل الأيسر، لكن نهر دجلة وعبوره إلى الساحل الأيمن الغربي لن يكون سهلاً إلا إذا انسحب داعش باتجاه سورية”. وقال القيادي في التحالف الكردستاني حم أمين “ببساطة، فإن الأميركيين يريدون شيئاً قبل الانتخابات، لذا يشاركون منذ يومين بفاعلية كبيرة، ومسحوا الأرض أمام القوات للتقدم سريعاً”.
القوات النظامية فقط من يدخل الموصل

وأكدت مصادر خاصة في مكتب العبادي، لـ”العربي الجديد”، أنه تم مبدئياً الاتفاق على صيغة تنهي أزمة مليشيا “الحشد الشعبي” بشأن الدخول الى الموصل. ووفقاً للمصادر فإن زعماء “الحشد” والعبادي توصلوا، خلال اجتماع عقد في بغداد، إلى اتفاق على أن القوات النظامية فقط ستدخل الموصل، مقابل عدم دخول “الحشد” والبشمركة و”حشد نينوى”، التي باتت تعرف حالياً باسم “حرس نينوى” بزعامة محافظ الموصل السابق أثيل النجيفي والذين هم بالأساس من أهالي الموصل والعشائر. وفي مقابل ذلك، تتولى مليشيات “الحشد” ملف الهجوم على تلعفر، واستعادتها من تنظيم “داعش”، وهو ما وافق عليه رئيس الوزراء، على الرغم من أنه أبلغهم أن التحالف الدولي لن يدعم “الحشد” جوياً في المعارك التي ستجري مع “داعش”.
مصير مجهول للمدنيين
وأكدت مصادر محلية داخل مدينة الموصل أن “سكان المدينة، البالغ عددهم نحو مليون ونصف المليون شخص وفقاً لتقديرات مكتب بعثة الأمم المتحدة في بغداد، دخلوا في حالة من الرعب بعد اقتراب أصوات الاشتباكات، ومشاهدتهم للدخان المتصاعد جراء المعارك”. وأشار سكان، تواصلت “العربي الجديد” معهم، إلى أنهم، حتى الآن، في حكم المحاصرين، حيث يمنعهم “داعش” من الخروج، كما أنه لا توجد ممرات آمنة للخروج. وقال أحدهم إن “سحب الدخان تغطي الجزء الشرقي من المدينة، والحركة تنخفض تدريجياً في الشوارع، وعند غروب الشمس يدخل الجميع على منازلهم مع انقطاع الكهرباء”، فيما قال آخر إن “التنظيم أقدم على حملة إعدامات جديدة لأشخاص لا نعرفهم، ولا نعرف سبب اعتقالهم ثم إعدامهم”، مبيناً أن “الرعب ينتاب الجميع”.

وأشارت مصادر في بغداد مقربة من الحكومة إلى وجود خطة خاصة للتعامل مع المدنيين بعد الوصول إلى الأحياء السكنية، وتم الاتفاق عليها بين بغداد وواشنطن، من بينها الاتفاق على ساعات لوقف إطلاق نار، بالتزامن مع توزيع منشورات تحمل تعليمات للسكان المدنيين هناك. ولم تؤكد أي من القوات المهاجمة تلك المعلومات، حيث قال العميد في جهاز مكافحة الإرهاب، حسين الموسوي، لـ”العربي الجديد”، “لم تردنا أي تعليمات، حتى الآن، بخصوص المدنيين، ومهمتنا الحالية اقتحام الموصل”، فيما أكدت مصادر أخرى حصول موجة نزوح للسكان من الأحياء الشرقية إلى الغربية من الموصل، وخاصة أحياء القدس والكرامة وعدن والشلالات.



صدى الشام