سباق دعائي للفوز بـ”بطل معركة الموصل”


شهدت معركة الموصل التي انطلقت في أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أكبر حملة إعلامية بين مثيلاتها من المعارك السابقة التي خاضها الجيش العراقي والمليشيات المرافقة له وحتى قوات البشمركة الكردية ضد تنظيم “داعش”؛ فعشرات القنوات التلفزيونية بالإضافة إلى مراسلي وكالات الأنباء والصحف والمواقع الإلكترونية المحلية والعربية والعالمية تغطي العمليات التي تنطلق في محاور عدة من المدينة.

ومن خلال الأفلام ومقاطع الفيديو والأهازيج، وإن كان بعضها لا تمت للواقع بصلة، تحاول الجهات المشاركة في معركة الموصل تبيان قوتها، وأهميتها وإمكاناتها، ووطنيتها، ولتعلن أنها أدت أدواراً بطولية أكثر من غيرها، أو أنها الأبرز بين القوات الأخرى.

وتعتبر الموصل المحطة الأهم بالنسبة للقوات المهاجمة، لا سيما أنها المدينة الأكثر تحصيناً لدى “داعش” وهي الحصن الأخير له التي بخسارتها يخسر قوته في العراق، وبداية خسارة قوته في سورية أيضاً، بحسب ما يؤكد مختصون.

ماكينات إعلاميّة لكل جهة
في مقطع فيديو منتشر، تتخذ مجموعة من مقاتلي مليشيا “الحشد الشعبي” من سطح منزل موقعاً لمواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش). تنتقل الكاميرا التي ترتفع في مستوى أعلى

من رؤوس المقاتلين المتحصنين. وفي الأثناء، يصاب أحد المقاتلين برأسه فيخليه زملاؤه من الموقع، ليظهروا في لقطة أخرى وهم يضعونه في خلفية سيارة “بيك آب”.
بعد ذلك، يصل المقاتل المصاب لمستشفى ميداني، ويعمد المُعالِج إلى ضماد رأسه، فيرفض المقاتل المصاب الراحة وتكملة العلاج مصراً على العودة لموقع القتال، فيوافق الكادر الطبي والمسؤولون على ذلك. وفي اللقطة التي تليها يظهر المقاتل وهو يدخل إلى سطح البناية وكانت الكاميرا تستعد لتصوير دخوله ثم عاد لمكانه، وعادت الكاميرا تصور الحدث في مستوى أعلى من رؤوس المقاتلين المحصنين.
من يملك خبرة في التصوير يعلم جيداً أن المقطع الذي مدته لا تتجاوز خمس دقائق ما هو إلا فيلم غير محبوك القصة بشكل جيد، كما أنه يشير إلى ضعف الإمكانية الإخراجية. إذ من غير المعقول أن يحتمي المقاتلون خلف ساتر ويوجهوا الرصاص صوب عدوهم الذي يبدو من خلال التصوير أنه على مسافة قريبة، فيما يتحرك المصور بحرية بحسب ما يتوضح في التصوير. لا بل إن الكاميرا في مستوى أعلى من المقاتلين وتُظهر ما هو تحت السطح، ما يعني أن المصور مكشوف للعدو المقابل.
كما أنّ المقاتل أصيب برأسه، أي أنّه دليل على وجود رمي متبادل، لم يتبيّن حين أخلي لموقع الطبابة إن كان أصيب برصاصة أم غير ذلك، وما درجة إصابته؟ لكن وعلى الرغم من ذلك لقي المقطع إعجاب كثيرين شاركوه على صفحات التواصل الاجتماعي وأعلن عنه على أنه حدث حقيقي وقع أخيراً، في معركة تحرير الموصل، شمال العراق.

يكثّف الأكراد بدورهم من تغطياتهم الميدانية لقوات البشمركة الكردية. وتُنقل مقاطع فيديو انتظام الأكراد وإنسانية التعامل مع السكان النازحين أو الذين بقوا بمناطقهم في أثناء تحريرها.

وترفع الأعلام الكردية في مواقع تحررت حديثاً، كما تظهر في كل مقاطع الفيديو التي تصور من قبل الأكراد، وبعض المقاطع ترفق بموسيقى كردية اختيرت بعناية لتناسب موضوع تحرير الأرض واستعادتها.
ويوثق مقاتلو البشمركة توجيه ضربات بصواريخ على مواقع لـ “داعش”، أيضاً تفجير سيارات ملغمة كانت تتجه صوب مقاتلين أكراد، تلك اللقطات يكفي أن تصور بكاميرا موبايل وإن كان التصوير ضعيف الدقة؛ وذلك لأهمية الحدث، وهو ما يستغل في ما بعد من قبل الماكنة الإعلامية لإظهار قوة البشمركة.

من جهتها، توثق الشرطة الاتحادية أحاديث قائدها وحثه المقاتلين من منتسبي الشرطة الاتحادية على الثبات والمواجهة، كما يحاولون توثيق ما يحققون من تقدم في أرض المعركة.
وتنشر الشرطة الاتحادية مقاطع فيديو على صفحات خاصة بها بمواقع التواصل الاجتماعي، تظهر عمليات قتال ومواجهات قوية بين قواتها ومقاتلي داعش.

أما الجيش العراقي، فتقف خلفه ماكينة إعلامية ضخمة، وهو ما يتجسد من خلال صناعة تقارير وأفلام متقنة، تنقل المشاهد إلى أرض المعركة وتؤثر فيه من ناحية دقة العمل وإجادة إخراجه، ليتأكد المتابع أن القوات العراقية، منذ اليوم الأول لانطلاق المعركة ماضية بعزم في تحرير كامل الأرض في غضون أيام أو ساعات حتى.

تعويل على مواقع التواصل
وسائل التواصل الاجتماعي هي المعوّل عليها والأبرز بالنسبة لإعلام القوات المشاركة في معركة الموصل. إذ يواصل عدد كبير من الصفحات المتخصصة بدعم كل قوة، ومحاولة

إظهارها بصفة القوة الأبرز، وصاحبة الدور المحوري في المعارك، متخذين من مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة لنشر المعلومات والأفكار والفعاليات لأكبر عدد ممكن.
الكاريكاتير والتصاميم الفنية والأشعار الشعبية صارت سمة تميز الصفحات المساندة للقوات المشاركة في معركة الموصل، وهو يعتبر أحد أنواع الدعم النفسي المهم، والحشد الجماهيري، وهو ما نجحت صفحات تابعة لمليشيا “الحشد الشعبي” في صياغته.

الإنسانية كبروباغاندا
وكانت “الإنسانية” عنواناً أعلنت كل جهة مقاتلة في المعركة أنه ديدنها. وتجلى ذلك واضحاً في قرى وأقضية مسيحية بالموصل حُررت أخيراً، فالبشمركة عنونت صوراً لها نشرتها على مواقع خاصة بوسائل التواصل الاجتماعي، “إنها جيش الإنسانية”. فيما نشرت مواقع مؤيدة لمليشيا الحشد الشعبي صوراً لعناصر تابعة لها ترفع الصليب “إنها تمثل الإنسانية”، وأخرى تبين مدى التلاحم بين مكونات الشعب العراقي، إذ يشارك جنود من قوات الجيش العراقي في إعادة الحياة إلى كنيسة تعرضت للخراب، موجهة إشارة تشرح عمق الإنسانية التي يتحلى بها المقاتلون.
وفيما يرى مختصون بـ “السوشيال ميديا” أن اعتماد العامل الإنساني أقرب إلى كسب الآخرين، يؤكدون أن تشويه صورة العدو الذي يواجهه في الضفة المقابلة رجل ضحى بنفسه في سبيل وطنه، وإظهاره بمظهر البطل يكون الأكثر تأثيراً بصفة خاصة بين العراقيين.
ويتفق مع هذا الرأي نمير حسن العبيدي، وهو ناشط في مجال الإغاثة الإنسانية، إذ يؤكد أن “مواطنين سنة عانوا بشكل كبير من اضطهاد المليشيات في مناطقهم في وقت سابق، شاركوا مقاطع فيديو للمليشيات وهي تُظهر قوة في مواجهة داعش بمعركة الموصل”.

الأناشيد أيضاً
كما كانت القصائد الحماسية المغناة والأهازيج أحد أساسيات الإعلام في سباق بيان القوة، كل جهة عن الأخريات، الذي اعتمد إدخال مقاطع فيديو من عمليات الموصل على أغنيات حماسية، وهو ما اعتمدته خاصة المليشيات.
وكان لتلك الأغنيات والأهازيج تأثير أكبر على الشباب، وصارت تسمع في كل مكان تقريباً داخل مدن العراق، حيث تنطلق من أجهزة التسجيل في سيارات القوات الأمنية داخل المدن، بالإضافة إلى سيارات النقل العمومي والخاص، والمحال التجارية؛ إذ يعبر العراقيون عن تضامنهم مع عودة الموصل محررة من “داعش” وهو ما يشعرون به من خلال هذه الأغاني.



صدى الشام