on
علي العبد الله يكتب: المأزق التركي
علي العبد الله
تثير تصريحات ومواقف المسؤولين الأتراك ردود فعل متضاربة، مشاعر تعاطف وتطلّع، ومشاعر قلق وخوف، فالتصريحات والمواقف، ناهيك عن التحركات الميدانية، تعكس عصبية وتوترا واضحين في ضوء تعدد المشكلات وتشابكها وتعقّدها وطبيعة القوى والصراعات التي يواجهها النظام التركي، مشكلات داخلية، سياسية واجتماعية واقتصادية وأمنية، ومشكلات خارجية، من تطورات المشهدين السوري والعراقي وانعكاسهما على مصالح تركيا وأمنها الوطني الى تباين المواقف والتصورات حولهما مع الحلفاء التقليديين في حلف الأطلسي مرورا بالخلاف الذي نشأ مع هؤلاء الحلفاء على خلفية إجراءات النظام التركي ردا على محاولة الانقلاب الفاشلة.
الصورة كما تعكسها تصريحات المسؤولين الأتراك، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشكل خاص، خطيرة وتنطوي على بعدين نافرين، أول يشير الى وجود توجه لدى حلفاء تركيا التقليديين للتخلص من النظام التركي الحالي الممثل بحكومة حزب العدالة والتنمية وسياساتها الداخلية والخارجية، وثان يشير الى وجود توجه لدى الرئيس التركي لإعادة النظر في الكيان التركي ومراجعة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي أسست لقيام الجمهورية التركية.
في البعد الأول تعددت الإشارات التركية الرسمية الى ضلوع الإدارة الأميركية في محاولة الانقلاب الفاشلة، مع التركيز على وجود الداعية التركي فتح غولن في الولايات المتحدة ورفض الأخيرة للطلبات التركية المتكررة بتسليمه لها لمحاكمته على وقوفه وراء المحاولة الانقلابية، بالإضافة الى تأخر هؤلاء الحلفاء في إدانة المحاولة الانقلابية، واعتراضهم على الإجراءات التركية ضد كوادر ومؤيدي منظمة “الخدمة” في الجيش والشرطة والأمن والقضاء والتعليم والإعلام( بلغ عدد المطرودين من وظائفهم الآلاف)، وانتقادهم العلني للتضييق على الحريات العامة والخاصة، وانتقادهم للعمليات العسكرية العنيفة ضد المدنيين في المدن والبلدات والقرى الكردية في جنوب وجنوب شرق البلاد، وتعبيرهم عن القلق لتراجع فرص إحلال السلام بين النظام والكرد، وتجاهلهم لموقف النظام التركي من دور “حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي” وجناحه العسكري “وحدات حماية الشعب” في سوريا، وتحفظهم على التحرك التركي في العراق ومحاولات تركيا لعب دور في تحرير الموصل دون موافقة السلطات العراقية.
في البعد الثاني تنوعت ملاحظات الرئيس التركي حول دور الغرب في تقسيم الأمة الإسلامية، تحدث عن دس عنصر الخلاف والتفرقة بين الشعوب الإسلامية عبر تصدير فكرة القومية إليهم والعمل على ترويجها بينهم ودفع هذه الشعوب الى تشكيل كيانات سياسية وفق اعتبارات عرقية واثنية ما أدى الى تمزيق وحدة المسلمين السياسية والاجتماعية، وأعاد تقويم اتفاقية لوزان 1923 بين الدول الأوروبية التي انتصرت في الحرب العالمية الأولى والجانب التركي المهزوم(كانت النظرة التركية الى المعاهدة تقوم على اعتبارها القابلة القانونية للجمهورية التركية بينما تعلن إعادة النظر أنها كانت السبب في تقزيم تركيا وحصرها في حدودها الحالية بعد أن نُزعت منها السيادة على قبرص وليبيا ومصر والسودان والعراق وبلاد الشام، وفرضت عليها قواعد المرور في مضائق البسفور والدردنيل، مع تلميحات الى العودة عن هذه المعاهدة أو تعديلها أو تقديم ترضية ما لتركيا ثمنا للاعتراف بها، وهذا كله محمولا على ذريعة إشكالية: حماية التركمان خارج تركيا، والدفاع عن السنّة وحماية مصالحهم.
لا ترتب المقاربة التركية لنتائج الحرب العالمية الأولى، وخاصة عملية إعادة النظر في معاهدة لوزان، خلق مناخ سياسي إقليمي ودولي سلبي وخطر فقط بل وتفتح على تعميق المأزق التركي الداخلي كذلك، فالحديث عن حق حماية التركمان لا يتناقض مع التوجه الإسلامي للنظام فقط بل ويثير قضية حقوق غير الأتراك في تركيا( الكرد والعرب والأرمن واليونانيون)، وخلق سابقة تسمح لدول كثيرة بفتح ملفات هذه الجماعات والضغط على تركيا للاعتراف بهم كشعوب غير تركية وما يمكن أن يترتب على ذلك من حقوق وما يستدعيه من مقاربات دستورية وقانونية واقتصادية.
بينما يطرح الحديث عن الدفاع عن السنّة وحماية مصالحهم في الدول الأخرى ملف مصالح المسلمين غير السنّة في تركيا(العلويون ونسبتهم في تركيا ليست قليلة)، بدءا من الاعتراف بهم والسماح لهم بدراسة مذهبهم في المدارس الرسمية، ناهيك عن الأقليات الدينية الأخرى (المسيحيون واليهود). واعادة النظر تعيد تركيا الى مواجهة القواعد التأسيسية للدولة التركية الحديثة (الجمهورية، القومية، النزعة الشعبية، العلمانية، تدخل الدولة، الثورية) التي صاغها مؤسس الجمهورية الأول مصطفى كمال أتاتورك(= أبو الأتراك) في ضوء اتفاقاته مع الدول الأوروبية المنتصرة من جهة وتوجهاته لضمان استمرار الكيان الوليد من جهة ثانية، حيث ألغى حضور الإسلام في الحياة العامة وجعله في الوقت ذاته معيارا لهوية التركي، فكل مسلم تركي، كي يلتف على التعدد القومي في الدولة الوليدة، وقمع محاولات التعبير عن التميز القومي والديني بقوة مفرطة.
تحتاج تركيا الى مقاربة مختلفة، مقاربة تعتمد ما اسماه المفكر الأميركي المستقبلي الفين توفلر بـ “الهجمة المنطقية الشاملة” ما يعني معالجة المشكلات مع الأخذ بعين الاعتبار ترابطها وتشابكها وتأثيرها المتبادل بحيث يُنظر الى المشكلة ضمن المشهد بأكمله ويدرس أثر الحل المطروح على حل بقية المشكلات سلبا وإيجابا لتجنب التعارض والتفاضل بين الحلول، والعمل على توفر الخطة على شرطين: منطقي وعملي. تركيا بحاجة ماسة الى مراجعة توجهاتها وسياساتها الداخلية والخارجية فسياستها الراهنة تضعها في مواجهة مع اكثر من قوة واكثر من طرف ومشكلة وقضية ما يجعلها تنوء تحت عبء ملفات وقضايا لا تكفي التصريحات عالية السقف لمواجهتها والتخلص من تبعاتها وآثارها السلبية.
المصدر: المدن
علي العبد الله يكتب: المأزق التركي على ميكروسيريا.
ميكروسيريا -
أخبار سوريا
ميكرو سيريا