on
محمد المزيني يكتب: ماذا يريد منا العرب؟
محمد المزيني
الغرب والشرق لا ينظر إلينا إلا بعين واحدة هي «المصلحة» المحضة، وهذا من حقهم وأمر طبيعي، بينما نحن ننظر إليهم بعين أخرى مختلفة تسكنها العاطفة الجياشة، لذلك تلتبس علاقتنا بالآخر بعاداتنا وتقاليدنا، وفي كثير من الأحيان ما تمليه علينا عقيدتنا، بغض النظر بأي عدسة يروننا أو يقوّموننا، وكمحصلة نهائية لعلاقاتنا بالدول تشكلت تجاربنا وفهمنا أنه ما كان يذهب للدول ليس بالضرورة سيصل إلى الشعوب، لذلك بتنا في مأزق لا نحسد عليه ما بين الدول وشعوبها بكل طوائفهم، لأن ثمة خللاً في ميزان التعاون أو التكامل بيننا وبينهم.
ففي الوقت الذي تعلو فيه لغة المصالح نستمرئ نحن لغة الإحسان ومد يد العون للأصدقاء الذين لا يفتأون بين الفينة والأخرى يستخدمون معنا أساليب وسياسات مكشوفة تراوح ما بين سقفي الإغراء والإيغار، وما بينهما فرق شاسع، فإن لم تنجح الأولى فستكون الثانية هي الأقرب، وهذه سياسة معروفة ومفهومة على مر الزمان، كانت سابقاً تستند إلى معيار القوة كما كانت تفعل القبائل العربية قبل تنظيمات الدولة الحديثة، فما لم يأت بالتحالف أو المصاهرة فسيأتي بالقوة الغاشمة، كي لا يلحق بها الصّغَار جرّاء الحاجة التي ستحيق بها وتهون على الناس وتصبح صيداً سهلاً للآخرين. طبعاً مع اختلاف الوسائل والأدوات التي أصبحت اليوم أكبر فتكاً وأقوى تأثيراً عن ذي قبل. لم يع هؤلاء أن موازين القوى اختلفت، وأن ما كان يعوّل على قوته سابقاً لم يعد يستطيع لملمة شتات أوصاله الممزقة تحت طائلة الفقر والفرقة والجهل، وتصر على استخدام أساليب «ديماغوجية» للضغط على الآخرين بلا أدنى وجه حق، فما هو غير مفهوم ولا معقول من بعض «عرب اليوم» أو لنقل «سياسيي عرب اليوم» هو انتقالاتهم السريعة غير المدروسة أو الواعية ما بين المواقف بأساليب لا يمكن أن توصف إلا أنها «ابتزازية» محضة لأقرب الناس إليهم في العرق واللسان والدم، والعجب كل العجب أنها تأتي من حواضر عربية كنا نراها سابقاً أنها قطعت شوطاً طويلاً في العلم والدرس، ولديها عقول كانت تفاخر بها الآخرين، ثم تأتي النتيجة بطريقة انتكاسية فجة تنسف كل التاريخ السياسي التوافقي الموحد لقضايا الأمة، متجاهلة القلوب البيض التي امتدت نحوها قبل الأيادي هكذا بلحظة، ليس هذا فحسب بل، إحراق كل المشاريع الواعدة التي يفترض أن تصب في مصلحة شعوبها لأجل فقط هوى سياسي لا ينم عن خبرة أو وعي أو حتى حرص على مصالح شعوبها الخاضعة لأوضاع اقتصادية صعبة. المواقف التاريخية مع بعض عربنا كثيرة شابت منها رؤوسنا أولها اليمن المغدور به على أيدي صالح وميليشيات الحوثي، فكم من البليونات استنزفت للأسف بلا طائل على السياسة والإدارة، قد لا نعتب هؤلاء قدر عتبنا على المتعلمين الذين توسمنا فيهم الحكمة والدراية، ثم نصدم حد القرف ونحن نستمع إلى تصريحات غير مسؤولة ولا حكيمة، بينما نحن نقف إزاء كل هذا بصمت حكيم يعبر عن سياسة مدروسة ومتأنية، ففي حين اشتعل إعلام بعض الدول تشريقاً وتغريباً، اشتغلنا نحن بهمومنا وبناء مستقبلنا وما يصيبنا بالإحباط أيضاً عندما تتصدر مقالات بعض كتاب السياسة صفحات الصحف لشتمنا، فقط لأننا ننهض ونرتقي ونرسم أجمل اللوحات في التفافنا حول قادتنا، تثور بينهم رائحة الحسد والكراهية وكأننا المسؤولون عن واقعهم البائس، أو عن ملفات سرقات الأموال العامة.
أمام هذا الكرم يأتي السؤال «المر» الذي أصابنا بخيبة أمل كبيرة، لم هذا الحقد الدفين الذي تستظهره بعض الأقلام بين الفينة والأخرى تجاه السعودية ودول الخليج؟ ما ذنبنا أنهم عجزوا عن إدارة بلادهم وسمحوا للاخرين أن يتحكموا برقابهم؟ هل يريدوننا أن نكون نسخة مكررة يأكل بعضنا بعضا أو يريدوننا أن ننام حتى تنتهبنا الأطماع الخارجية وتثور معها كل الأحقاد الطائفية، أم أنهم يريدون أن نكون رهينة بين أيادي جماعات تديرها إيران؟ صدقوني هؤلاء لن تستقر قلوبهم وتنام أعينهم حتى يرونا نتناهش كذئاب جائعة، فهم لا ينظرون إلينا إلا بأعين تفيض بالحقد، ونحن نعيد رسم خريطة مستقبلنا وفق نهج جديد، يمر بمنعطفات تاريخية صعبة.
ما يجب أن نفهمه ألا نسلم رؤوسنا للآخرين الذين أزعجهم هذا التوجه خوفاً من نجاح هذه التجربة، ما سيحرمهم تباعاً من كل المنافع المرسلة التي كانت تغدق عليهم بحساب ومن دون حساب، والخوف الأكبر في نجاح تجربتنا أن يسحب البساط من تحت أقدامهم ثم لا يعودون ممثلين تاريخيين للحضارة العربية والإسلامية، متى حلت دول الخليج تتقدمها المملكة كقوى اقتصادية وسياسية وتعليمة عالمية، ستخرجها من ذاك التصنيف الجائر بوصفها دول أطراف أو هوامش أو توابع لتصبح دول المحور الحضاري الجديد، فحتمية التبدل والتغيير ستصنع مفارقتها كي تضعنا أمام العالم كأمم متحضرة. فقط علينا أن نواصل ما بدأناه من دون الالتفات لكل ناعب.
المصدر: الحياة
محمد المزيني يكتب: ماذا يريد منا العرب؟ على ميكروسيريا.
ميكروسيريا -
أخبار سوريا
ميكرو سيريا