مخاوف روسيا من سقوط الأسد


آلاء عوض

استعادت روسيا بعضًا من هيبتها بعد قبولها التدخّل في سورية، وعدّت بروزها من جديد على الساحة الشرق أوسطية فرصة جيّدة لإثبات نفسها، وفرض هيمنتها، وتحويل كيانها من قوة إقليمية إلى قوة دولية، ولم تكن روسيا بصدد هذا التدخل لصالح النظام السوري، لولا أحداث ارتبط بعضها بمحاولات النظام السوري توطيد علاقته مع موسكو، ضمن لعبة التوازنات الدولية التي حرص على الظفر بها، وبعضها الآخر ارتبط بمصالح روسيا في المنطقة، حيث وصلت لمرحلة حرجة في علاقتها مع أميركا والدول الغربية، وأصبحت بحاجة لورقة جديدة، وكانت سورية في المقدمة.
سعى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، إلى توطيد علاقته مع روسيا قبل الثورة، وتمكّن من ذلك -بعد زيارته الأولى لموسكو في العام 2004- حيث أبرم اتفاقًا معها، يلغي أكثر من نصف ديون روسيا المُستحقّة على سورية خلال فترة الحرب الباردة، وتسديد الباقي على شكل بضائع أو استثمارات، كما وطّد النظام السوري علاقته مع الكرملين، بتأييده الغزو الروسي لجورجيا في آب/ أغسطس عام 2008، وهو أمر لقي ترحيب موسكو واستحسانها، وبعد اندلاع الثورة، تنبّهت روسيا إلى أهمية سورية، وراجعت حساباتها في المنطقة، ووضعت في حسبانها المواقف الأخيرة للنظام السوري معها.
ويرى الكاتب، عبد الرحيم خليفة، أن هناك تقاطعَ مصالح كبيرًا بينها وبين النظام السوري، سواءً من ناحية التقاء المخاوف، أم من النواحي السياسية والعسكرية والاقتصادية، وقال لـ (جيرون): “كان لخوف موسكو من تيارات الإسلام السياسي، وتصاعدها في العالم العربي، ووصولها إلى السلطة، واحدًا من أهم المحدّدات للموقف الروسي ممّا يحصل في سورية، ولم تُضمر موسكو قلقها من تصاعد هذا المدّ في أقاليمها التي يوجد فيها نسبة جيدة من المسلمين، لذلك؛ عدّت وصول نظام سُنيّ للحكم في سورية مبعث قلق رئيس لها، ويهدّد توازنات القوى في الشرق الأوسط والبلقان والقوقاز وآسيا الوسطى، وهي مناطق تحظى باهتمام كبير من الكرملين، إضافة إلى مصالحها الاقتصادية والعسكرية التي لم تكن لتستطيع أن تحققها لولا هذا التدّخل”.
ماذا لو سقط الأسد!
لن تجد روسيا خيرًا من الأسد لتحقيق مآربها، وهي على دراية تامة بأنها لن تحظى بمثله في المستقبل، وأن أي قوة ستتسلّم الحكم في سورية، ستحدّ من صلاحياتها ونفوذها، في هذا المعنى، أشار خليفة إلى “أنه في حال سقط الأسد، ستخرج روسيا من المنطقة خاسرة على الصعد كافة، فستفقد آخر مواقعها في الشرق الأوسط، وتحديدًا في المياه الدافئة، وستخسر أحد أهم الأوراق في سياستها الخارجية، وسيترتّب على ذلك خسارات جديدة ومتواترة لها في مواقع أخرى من العالم، سواء في محيط أمنها القومي، أو على مستوى العالم ككل، وستتضرر أيضًا على المستوى الاقتصادي، وعلى سبيل المثال، لا الحصر، فإنه منذ بدء التدخل الروسي في سورية ارتفعت صادرات السلاح الروسية ثلاثة أضعاف، بحسب خبراء روس”.
لكيلا يذهب تعبها سدىً
لن تتوانى روسيا عن اقتراف المزيد من الجرائم في سبيل إبقاء الأسد، ويُعبرّ التوحش الأخير الذي تقوده الجهات العسكرية الروسية، في حلب الشرقية، عن إصرارها على ترجيح كفّة الميزان لصالحه، كما ستقوم بمساعدته على تحقيق مكاسب عسكرية راسخة، بغطاء سياسي متين، قبل أن تتغيّر الإدارة الأميركية، والتي من الممكن أن تتّخذ مواقف مختلفة من القضية السورية.
وحول احتمالات التحركات الروسية في سورية، قال خليفة: “السيناريوهات بالنسبة للروس متّجهة نحو الحسم العسكري، والتغيير الديموغرافي، وتحييد كل الأطراف لأطول فترة ممكنة، وربما تلجأ موسكو -أخيرًا- إلى التقسيم، وبذلك تكون تخلّـت عن الأسد كشخص، ولكنها أبقت على منظومة من العسكريين والقادة المرتبطين به، وهؤلاء مُجرّبين ومُختبَرين، سيعملون على حماية أمنها واستراتيجيتها في المنطقة”.
رأى خليفة أنه من المُبكّر الجزم بما يمكن أن تقوم به روسيا؛ لأن هذا الأمر مرهون -أيضًا- بقوى وأطراف الصراع الأخرى التي من الممكن أن تتحرّك فيما لو تغيرت الحسابات.




المصدر