on
أعراس سوريّة رغم الحصار
هنا، أفراح عاديّة في ظروف غير اعتياديّة. قد يلفت نظرك خبر عن عرس بكامل مراسمه واحتفالاته في مناطق تعاني أبشع ظروف الحرب في سورية.. الحصار. في بعض المناطق المحاصرة، تُقام الأفراح والأعراس بما يُتاح للأهالي من مستلزمات، فتزفّ أبناءها غير آبهة بالطوق الذي يحول بينها وبين أساسيات الحياة. يُذكر أنّ المحاصرين في هذه المناطق المحرومة من المواد الغذائية والأدوية والمواد الضرورية الأخرى، أثبتوا أنّهم أقوى من حصارهم، لا سيّما في إقامة حفلات الزفاف.
قبل فترة، زفّ حيّ الوعر المحاصر في مدينة حمص، 160 شاباً من شبانه وشاباته، بعدما تراجعت وطأة الحصار على السكان بعض الشيء، على أثر تسوية مع النظام. يقول مدير مؤسسة العزّ الخيرية في الحيّ، الشيخ بلال الأبرش، لـ “العربي الجديد” إنّ “العرس الجماعي أُقيم برعاية قناة إنسان وبالتعاون مع مؤسسة العز للتعليم الشرعي في حيّ الوعر”. ويشير إلى أنّهم أرادوا من خلال ذلك تشجيع المناطق المحاصرة الأخرى على القيام بالمثل، إذ لا بدّ من استمرار الحياة على الرغم من الحصار.
يضيف الأبرش أنّ “عملية تجهيز 80 شاباً و80 شابة مؤهّلين للزواج، استغرقت ثلاثة أشهر”، موضحاً أنّ “العرس الجماعي كان مقرّراً قبل توقيع الاتفاق مع النظام، أي تحت الحصار المطلق للحيّ. لكنّ ظروف القصف الشديد أخّرت الاحتفال”. وإذ يبيّن الأبرش أنّ كلّ عريس يحصل على مبلغ قيمته ألف دولار أميركي، نصفه قبل الزواج بفترة ليجهّز نفسه، والنصف الآخر بعد الزواج، يؤكّد أنّ “الحفل تضمّن معظم مراسم الأعراس العادية، كالعراضة الحمصية والسيف والترس والرقص الشيخاني وزفّة الأزواج إلى المنصّة والمنشدين”.
ابتكار للمستلزمات
في حيّ القابون الدمشقي، أقيمت عشرات الزيجات تحت الحصار. ويكاد لا يمضي أسبوع واحد إلا مع احتفال بزواج جديد. ويتحدّث المصوّر الصحافي مصطفى عمرو لـ “العربي الجديد” عن ظروف هذه الأعراس، مشيراً إلى أنّ “الأهالي كانوا قادرين على الاحتفال بالأعراس بكلّ طقوسها خلال أيام الحصار الأولى، إذ إنّ المواد الأساسية التي تلزم المواطنين كانت لا تزال متوفّرة”. لكنّ الحصار اشتدّ على الحيّ في الفترة الأخيرة، ولم يعد في إمكان الأهالي المضيّ بكل مراسم الأعراس.
يضيف عمرو أنّ “الأهالي ما زالوا مستمرّين في إقامة الأعراس عبر ما هو متاح، إذ من الصعب اليوم تأمين كلّ المستلزمات الضرورية. فيبتكرون ما يحتاجونه”. ويلفت إلى أنّ “في الحيّ فستانَي زفاف فقط، تلجأ إليهما الشابات اللواتي يقبلنَ على الزواج مداورة”.
في هذا السياق، يوضح الشيخ الأبرش أنّ الحال تتشابه في كثير من المناطق المحاصرة. ويقول إنّ “الحفل الجماعي في حيّ الوعر الذي تأجّل موعده على خلفيّة القصف المستمرّ وقيام الحصار، استخدم الأهالي فيه مستلزمات ابتكروها هم في ظلّ النقص في الحيّ”. يضيف: “واجهنا صعوبات عدّة في تأمين ملابس للعرسان، إذ لم تكن متوفّرة. حصلنا على بعض أقمشة من النوع الرديء. لكن بعدما أعدّها خياطون في المنطقة، أصبحت جميلة وجاهزة للاستخدام”.
من دون مراسم
في مقابل هذه الأعراس التي يُحتفى بها في المناطق المحرّرة بكامل طقوسها، كنوع من التحدّي وسط الحصار وتأكيد على استمرار الحياة، تُقام أعراس في مناطق محاصرة أخرى، لكن من دون مراسم ولا حفلات. هناك، يكتفون بتوجّه العريس إلى منزل العروس واصطحابها إلى منزلهما. أمّا الحضور العائلي فيكون مختصراً.
قبل عامَين، تزوّج عثمان على الرغم من الحصار الذي كان يفرضه النظام السوري على مدينة داريا في ريف دمشق. كذلك شهدت المدينة عدداً من الأعراس تحت الحصار الذي استمرّ لأطول مدّة على الإطلاق خلال الحرب التي اندلعت في سورية قبل أكثر من خمسة أعوام. يقول عثمان لـ “العربي الجديد”: “تزوجت فقط لإيماني بأنّ الحياة لا بدّ من أنّ تستمر سواء تحت الحصار أو خارجه”. ويشير إلى أنّ زواجه أتى من دون مراسم معتادة. فقط، “أقام أصدقائي حفلة متواضعة في منزل أحدهم، اقتصرت على تلبيسي بعض الثياب الجديدة، بما أنّني العريس، بالإضافة إلى بعض طقوس أهل المدينة”. وإذ يقول عثمان إنّ البعض أقام عرسه في احتفالات على نطاق أوسع، “إلا أنّني من جهتي شعرت بأنّ الوضع العام غير مناسب لإقامة حفل، لا سيّما مع استمرار سقوط القتلى والجرحى نتيجة القصف اليومي على المدينة”.
صدى الشام