الحرب تُنهك أشجار الزيتون في سورية وتبعدها عن العالمية في الإنتاج


يصلُ عدد أشجارها في سورية، لأكثر من 90 مليون شجرة، وتشكل ما يقارب 66% من إجمالي الأشجار المثمرة، وتغطي ما يصل إلى نحوِ 11.5% من المساحة المزروعة، إنها شجرة الزيتون، التي جعلت سورية تشغل المركز الثاني عربياً والسادس بين دول المتوسط، بإنتاج يصل سنوياً إلى نحو 1.2 مليون طن ينتج عنها 150 ألف طن من الزيت، ويقدر عدد الأسر التي تعمل في زراعة الزيتون بنحو 600 ألف أسرة، وتنتشر زراعته في المناطق الشمالية والغربية من سورية وهي “حلب وحمص وطرطوس واللاذقية وإدلب” بالإضافة إلى بعض المناطق الجنوبية مثل “السويداء والقنيطرة ودرعا”.

انخفاض واضح بإنتاج الزيتون للموسم الحالي

الأرقام السابقة تعبر عن واقع زراعة الزيتون وإنتاجه قبل الحرب الدائرة إلى الآن، بينما الواقع الحالي يظهر تغيراً واضحاً في الأرقام، فمع دخول شهر تشرين الأول تبدأ عمليات قطاف الزيتون، ووفق الإحصاءات الرسمية الصادرة عن مديريات الزراعة في المحافظات السورية مؤخراً. ويقدر إنتاج محافظة حمص من الإنتاج لهذا الموسم بـ65 ألف طن، بمساحة تصل إلى 950 ألف دونم بعدد أشجار يصل إلى 15 مليون شجرة منها 11 مليون شجرة مثمرة، أما في القنيطرة فيقدر إنتاج الزيتون للموسم الحالي بنحو 1253 طناً من إجمالي المساحة المزروعة البالغة 5036 هكتاراً، بعدد أشجار يصل إلى 790 ألف شجرة، وأما في حماة فيقدر إنتاج الزيتون بـ10 آلاف طن أي ما يعادل 625 ألف صفيحة زيت زيتون، وفي السويداء قدر إنتاج الموسم الحالي من الزيتون بـ12545 طناً من ونحو ألفي طن من الزيت بمساحة تقدر بـ10085 هكتاراً وبعدد أشجار يصل إلى 1.793 مليون شجرة، وفي طرطوس قدرت الإحصاءات الرسمية إنتاجها بـ140 ألف طن على مساحة زراعة تقدر بـ76 ألف هكتار وبعدد أشجار يبلغ 11 مليون شجرة، وبجمع أرقام الإنتاج فإن الرقم لا يتجاوز 400 ألف طن مجتمعة في 5 محافظات هامة بإنتاج الزيتون.

 

صعوبات بالجملة تواجه الزيتون السوري

ورغم كون هذه الأرقام تعتبر مؤشراً على كون إنتاج الزيتون وزيته لا يزال مستمراً، إلا أن انتكاسة واضحة، أدت لتدهور الأرقام بعد نحو 6 أعوام على استمرار الحرب، وفق ما أكده مصدر في اتحاد الفلاحين لـ”صدى الشام”، لافتاً إلى أن مزارعي الزيتون يواجهون جملة من الصعوبات في المناطق الساخنة والآمنة على حد سواء، مع اختلاف درجة الصعوبة، والتي تزداد بشكل كبير في المناطق الساخنة.

وتوقع المصدر أن يشهد الموسم الحالي للزيتون انخفاضاً في الإنتاج لعدم وجود زراعات جديدة لشجرة الزيتون نتيجة لظروف الحرب، واكتفاء الفلاح حالياً بترقيع المساحات والأشجار المريضة والتالفة، وارتفاع تكاليف الإنتاج من مبيدات وأسمدة وفلاحة، وصعوبة تسويق محصول الزيتون وعصره، والتهام الحرائق عدداً كبيراً من الأشجار خلال السنوات الماضية دون أي تعويض لها، وهذا كله أدى إلى تدني إنتاج الزيتون للموسم الحالي، بالإضافة إلى انتشار ظاهرة المعاومة أو تبادل الحمل، “أي ينتج في عام ولا ينتج في العام التالي”، عدا عن انتشار حشرة “ذبابة ثمار الزيتون وعين الطاووس وسل الزيتون”، ويعود ذلك إلى عدم التدقيق والخلط بالأصناف وإدخالها في مراكز إنتاج الغراس سابقاً، وعدم دراسة أصناف الزيتون التي تم توزيعها من قبل مشاتل وزارة الزراعة من ناحية النوعية وكمية الإنتاج ومدى مقاومتها للأمراض ومدى تأقلمها مع مناخ المناطق التي ستزرع بها، وبالتالي انخفض المردود الاقتصادي، ما أبعد الفلاح بسبب الخسائر المادية عن الشجرة، وأدى إلى إهمالها، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج والتي أدت لعدم قدرة الفلاح المالية على متابعة علاج الشجرة والاهتمام بها، وبالتالي ارتفاع تكاليف الإنتاج عليه، ولا يمكن إغفال ارتفاع أسعار المحروقات واليد العاملة، وهجرة الفلاح لأرضه نتيجة عمليات القصف والقنص وجعل حقول الزيتون مسرحاً للعمليات العسكرية، ما جعل من الثمار تموت على الشجرة دون قطافها، كما لجأ العديد من المواطنين للتعدي على أشجار الزيتون لقطعها والمتاجرة بحطبها، أو للحصول على الدفء، وانتشرت هذه الظاهرة في معظم المحافظات المنتجة للزيتون.

ولفت إلى أن مجمل هذه العوامل أدت بطبيعة الحال لانخفاض الإنتاج من جهة وارتفاع الكلفة الوسطية للدونم مع اختلاف ذلك بين المناطق حسب توفر مستلزمات الإنتاج، وأسعارها من جهة أخرى، حيث باتت تسعر وفقاً لسعر الصرف وخاصة بما يتعلق بالأسمدة والمبيدات، ولكن يمكن القول بأن الأسعار الرائجة لتكلفة الدونم وسطياً تصل إلى 24 ألف ليرة.

ونوه المصدر، إلى أن إنتاج العام الماضي قدر بنحو 1.100 مليون طن، نتج عنها نحو 180 ألف طن من الزيت، مشيراً إلى أن الموسم الحالي ربما لا تتجاوز أرقام إنتاجه أكثر من 800 ألف طن، و هذه الكميات ليست جميعها مطروحة للسوق المحلي بل إن المزارعين سيحتفظون بما لا يقل عن 250 ألف طن لاستعمالاتهم المنزلية في حين تتوجه بقية الكميات إلى السوق المحلية، للبيع أو للمعاصر لإنتاج زيت الزيتون، مع الإشارة إلى أن كيلو الزيتون تم بيعه للمستهلك بـ300 ليرة خلال العام الماضي، وسيرتفع هذا العام لنحو 350 إلى 400 ليرة حسب النوع.

زيت الزيتون..انخفاض بالإنتاج وارتفاع في السعر مجدداً

وعن إنتاج زيت الزيتون المقدر خلال الموسم الحالي لفت إلى أنه وفق الأرقام السابقة، تصل التقديرات إلى رقم لا يتجاوز 80 ألف طن، بعد أن كانت كميات الزيت المنتجة تضع سورية في المرتبة الثالثة عالمياً والأولى عربياً بإنتاج بلغ نحو 150 ألف قبل الحرب، لافتاً إلى أن كمية 80 ألف طن من الزيت غير قادرة على سد احتياجات السوق المحلية، وخاصة إذا علمنا أن تصدير زيت الزيتون لا يزال مستمراً، ويصل إلى نحو 26 دولة عربية وأوروبية، وتشير أرقام صادرات زيت الزيتون العالمية، إلى أن سورية استمرت بتصدير الزيت خلال الأزمة وبكميات متزايدة نسبياً، حيث صدّرت في عام 2011 نحو 22 ألف طن، وفي عام 2012 نحو 27 ألف طن، و 2013 نحو 30 ألف طن، وفي 2014 نحو 30 ألف طن،

 ووقفاً لأرقام المجلس الدولي لزيت الزيتون الصادرة مؤخراًـ فقد انخفض إنتاج زيت الزيتون السوري بين 2011-2015 بنسبة 40% تقريباً من 180 ألف طن، إلى 108 ألف طن، لينخفض بنحو 100 ألف طن للموسم الحالي “كتوقعات”، ومع ارتفاع نسبة التصدير بنحو 30% خلال أعوام الحرب، فإن مجمل هذه الأرقام تؤكد أن واقع أسعار الزيتون وزيته في الأسواق المحلية إلى ارتفاع، مع الإشارة إلى أن أسعار زيت الزيتون ارتفعت بنسبة 566% تقريباً خلال أعوام الحرب حيث كان يسعر ليتر الزيت بـ300 ليرة ليصل إلى 1700 ليرة لليتر الواحد، متوقعاً أن يرتفع سعر اليتر خلال هذا العام ليلامس ألفي ليرة، مع نقص كميات الإنتاج والمعروض في السوق.

تقلص نسب استهلاك الزيت للمواطن السوري

ونوه المصدر في اتحاد الفلاحين، إلى هذه العوامل أدت إلى انتشار عمليات الغش والتدليس الخاصة بزيت الزيتون وذلك بعد أن وصل سعر صفيحة الزيت “سعة 16 كيلو غرام”، حالياً في الأسواق إلى أكثر من 27 ألف ليرة، في حين كان سعرها نحو 16 ألف ليرة، لافتاً إلى أن المستهلك السوري سيرضى بالغش لأنه لا يملك سعر صفيحة الزيت غير المغشوشة، و الأسعار الحالية للزيت ستؤدي حتماً إلى  تغيير نمط استهلاك الزيت، وتقلصه للفرد السوري، حيث كان يبلغ معدل استهلاك الفرد من زيت الزيتون في سورية سنوياً بين 5 و6 كيلوغرامات، وفقا للأسعار الرائجة ستنخفض معدلات الاستهلاك إلى أقل من 4 كيلو غرامات سنوياً، أو سيلجئ المستهلك لشراء الزيت المغشوش، لتناسب سعره مع دخله، ففي الأسواق يوجد صفيحة زيت بسعر 8 آلاف وأخرى بـ19 ألفا وأخرى بـ27 ألف ليرة، وهذا التفاوت في السعر يؤكد أن مضمون الزيت مغشوش، كحال بقية السلع المتواجدة في الأسواق السورية، والتي يعتبر معظمها من درجة “الستوك” كون تصنيع أو استيراد أدوات وسلع من الدرجة الممتازة يعتبر مرتفع السعر ولن يستطيع المستهلك شرائها، لذا نجد أن معظم الصناعيين والتجار يلجؤون لتصنيع أو استيراد أدوات وسلع ذات جودة ضعيفة ولكنها تناسب دخل المستهلكين، وهذا ما ينطبق تماما مع زيت الزيتون.

طرق غش زيت الزيتون

وعن أساليب غش زيت الزيتون بين عضو بحماية المستهلك لـ”صدى الشام”، إلى أن هناك العديد من الطرق متبعة منها إضافة المنكهات التي تحمل مذاق زيت الزيتون، وتسخينه بشكل بسيط، ومن ثم وضع الزيت البلدي والزيت الأبيض، حيث أن نسبة الغش في زيت الزيتون يتوقف على سعر الزيت النباتي، مشيراً إلى أن فترة ما قبل الأزمة لم نشهد حالات كثيرة في غش زيت الزيتون وذلك كون سعر صفيحة الزيت الأبيض كان مقارباً لزيت الزيتون كما ظهرت طرق جديدة للغش كغلي بعض النباتات، وعندما يصبح ماؤها أخضر اللون، يتم مزجه مع الزيتون.

تعليق:

الزيتون وزيت الزيتون رغم أنهمها يعتبران من أهم الزراعات الإستراتيجية في سورية، ورغم كون سورية كانت تحتل مراكز متقدمة في الإنتاج والاكتفاء الذاتي منهما، إلا أن استمرار الحرب أبعدتها عن الترتيب العالمي والعربي في الإنتاج، فالأرقام تنحدر بشدة، ومع استمرار تداعيات الحرب وعدم التوجه لجعل الفلاح متمسكاً بأرضه وتذليل صعوبات عمله، فإن هذا ينذر دون شك باستمرار التدهور بالإنتاج وبالتالي الخروج من دائرة الاكتفاء الذاتي لهذه المادة الغذائية الأساسية، كما أن المواطن السوري رغم كون هاتين المادتين “الزيتون وزيت الزيتون” غير مستوردتين، فإنه لا يستطيع مجابهة أسعارهما، كحال الحمضيات، وفي قراءة للأرقام المذكور أعلاه، نجد أن أسعار الزيتون وزيته إلى ارتفاع جديد بكل تأكيد، مما يثير سؤالاً مشروعاً: هل سيجعل لهيب الأسعار الزيتون وزيته من الرفاهيات لدى المواطن السوري ويضعهما على قائمة المحظورات الاستهلاكية؟.

 

 



صدى الشام