السوري جول جمّال: جمال الذكرى وألم الاستذكار


منصور حسنو

في الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر، نتذكر نحن -السوريين- جول جمّال، ابن اللاذقية، الذي ضحّى بحياته في مواجهة البارجة الفرنسية “جان بار” إثر العدوان الثلاثي على مصر، وتدميرها بعملية فدائية أصبح السوريون يروونها للأطفال والكبار، كعملية بطولية رسخت في الضمير الوطني والذاكرة السورية.

جول جمّال، الذي ودّع أهله وأحبابه، كان ملازمًا أولًا، ولم يكن يحتاج لنعوة يُكتب عليها الملازم شرف، وكل سورية تشرّفت بحمل اسمه، فهو لم يذهب ليقتل أهله وجيرانه، ولم يكن من الغرباء -قط- يوم غادر اللاذقية، ليقوم بعملية انغماسية بحرية في بلد غير بلده، ولم يكن عربيًا مزيفًا، ولا إسلاميًا يُغامر بحياته من أجل “مشروع توسعي مزيف”، بل كتب بدمه معنى أن تكون وطنية الإنسان فوق كل حسبان.

أُطلق اسم جول جمّال على كثير من الشوارع والمدارس، لكنّ الأهم هو تلك المدرسة العريقة العتيقة التي تتوسط مدينة اللاذقية، كقلعة تُخلّد معنى الأصالة والتاريخ، وقد تحولت مع انطلاقة الاحتجاجات والمظاهرات التحررية السلمية في اللاذقية، 25 آذار/ مارس 2011، إلى ثكنة عسكرية وأمنية، وأصبحت صفوف الدراسة فيها مهاجع للعسكر، وقُتل أول شهداء المظاهرات تلك (بيازيد، قبارو، اندرون) بقنصهم من نوافذ تلك المدرسة.

ما الذي جرى كي تتحول تلك المدرسة التي تحمل اسمًا وطنيًا جامعًا لكل السوريين، إلى ثكنة عسكرية لمراقبة المارة وقنصهم إذا تطلب الأمر؟ وما الذي دفع هؤلاء كيلا يراعوا حرمة الاسم؟

وهي لا شك مصادفة قبيحة، أن يتخرج من هذه المدرسة الرجل نفسه المسؤول عن كل هذا التحول الذي يجري في سورية، وقد شوّه المعاني، وحقيقة لم تتقوقع الأقليات، ويتراجع دورها الوطني، إلا مع قدوم الأسد، الذي درس في هذه المدرسة، ولم يحمل شيئًا من قيمها الوطنية.

هذا الشعب الذي أخرج من ساحله رجلًا وطنيًا شجاعًا، جعل من المعتدين في بور سعيد هدفًا له، هو نفسه الشعب الذي أخرج -من قبل- من حلب الشهباء من ذهب الى قلب مصر؛ ليغتال معتديًا أثيمًا آخر، وهذا النظام نفسه هو المسؤول عن تراجع دور الأقليات في مدينة جول جمّال، وهو نفسه الذي يُدمّر مدينة سليمان الحلبي اليوم، نعم هذا النظام هو المسؤول عن تخريب البنى المعنوية والفوقية لهذا الشعب العظيم، بله البنى التحتية والسكانية.

لقد رحل جول جمال، وبقيت ذكراه العطرة في ضمير كل سوري ومصري، ورحلت بوارج العدوان الثلاثي عن مصر، وكما صار جول جمال أسطورة شرقية، ستكون ثورة هذا الشعب أسطورة عالمية، وسيرحل كل عدوان، والزمن لا يموت ولا يعرف النسيان.




المصدر