(عبق الثورة) محاولة شابة لتصحيح مسار الثورة جنوب دمشق


مهند شحادة

يحاول الشباب في جنوب دمشق، إعادة ترتيب أوراقه وتصويب المسار داخل مناطقه التي عايشت -وتُعايش- ظروفًا صعبة جدًا؛ نتيجة الحصار المطبق الذي تفرضه قوات النظام وميليشياته منذ ثلاث سنوات ويزيد، وما زال مستمرًا، إضافةً إلى تفتيت النسيج الاجتماعي بين مكونات المنطقة بفعل ممارسات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، مستفيدًا من مناخ الهدنة في المنطقة؛ ليستنزف فصائل المعارضة المسلحة بمعارك طويلة الأمد، ويجعلها في حالة استنفار دائم على خطوط التماس مع مناطق سيطرة التنظيم، وتجميد جبهاتها مع النظام، ولا سيما بعد أن استباح التنظيم عددًا من أحياء المنطقة في نيسان من العام الماضي، انطلاقًا من معقله في حي الحجر الأسود، وسيطرته على أجزاء واسعة من مخيم اليرموك وحي التضامن، إضافة إلى أجزاء من حي العسالي على تخوم حي القدم الدمشقي.

دفع ذلك الواقع بالعديد من الطاقات الشابة في المنطقة لإعادة تنظيم صفوفهم ضمن تجمعاتٍ (إعلامية، مدنية، إغاثيةٍ، تعليمية)، مازال ينقصها كثير من الدعم والرعاية، محاولين من خلالها دفع الفصائل العسكرية إلى تشكيل قيادة موحدة، وتسليم إدارة المناطق إلى هيئة مدنية تحت سقف ميثاق دار القضاء، بعد ضمان استقلالها استقلالًا كاملًا، بما يقود إلى إعادة ضخ الدماء من جديد في عروق الثورة المتكلسة إلى حدٍ ما، وترميم الحاضنة الشعبية بعد ما شهدته من تراجع؛ بفعل المعطيات الراهنة، وما نتج عنها من مسلكياتٍ عديدة جاءت ردَّ فعلٍ على ممارسات التنظيم وأوضاع الهدنة السائدة.

(عبق الثورة) إحدى تلك المحاولات الشابة، المتعثرة؛ لعدم توافر الدعم والرعاية، ويسعى القائمون عليها، على الرغم من قلة إمكاناتهم، للعمل -ما استطاعوا- على تعميم مبدأ (واعتصموا)، في إشارةٍ إلى ضرورة رص الصفوف؛ لمواجهة مخططات النظام وحلفائه، والتي بلغت ذروتها -أخيرًا- ضد مناطق الثورة في محيط العاصمة.

في هذا الجانب، أوضح ماهر رمضان، أحد أعضاء التجمع، أن “عبق الثورة” تأسس من خلال مجموعة من الشباب في بلدات وأحياء جنوب دمشق، في تموز/ يونيو 2016، وبدأ بممارسة نشاطه في آب/ أغسطس من العام الحالي؛ انطلاقًا من الإحساس العميق لدى شباب المنطقة بضرورة تحمل مسؤولياتهم تجاه الأوضاع العصيبة التي تمر بها الثورة، بعد ما قدمت من تضحياتٍ جسيمة على مدار أكثر من خمس سنوات، وقال لـ (جيرون): “التجمع نابع من عبق الثورة السورية، وهو عبارة عن فريق من شباب الحراك الثوري، ويضم مجموعة إعلاميين ثوريين مستقلين في جنوب العاصمة دمشق، إضافةً إلى مجموعة من أصحاب الخبرات في كل المجالات التي عملنا فيها في المنطقة خلال السنوات الماضية، وجميعها مسكونة بهموم الثورة وأوضاع الناس”، مشددًا على “أن التجمع مستقل، ولا يتبع أي جهةٍ سياسية أو عسكرية، داخلية أو خارجية”.

وعن أهداف التجمع، قال رمضان “أن أبرز أهداف عبق ثورة يتمثل في العمل على حملة (واعتصموا)؛ لحث الفصائل على العمل الموحد، وتشكيل قيادة مشتركة؛ بهدف حماية المنطقة من خطر التنظيم والنظام، إلى جانب إحياء وتجديد دماء الثورة في جنوب العاصمة دمشق، ونقل معاناة الأهالي إعلاميًا، علّ ضمير العالم يتحرك وينقذ أطفالنا من مصيرٍ لا يتمناه أحد”، وعدّ رمضان أن الأمل في تحقيق هذه الأهداف مازال ممكنًا، عكس كثير من الآراء التي تعد مناطق الجنوب الدمشقي خارج سياق الثورة حاليًا، مؤكدًا قدرة شباب المنطقة على إعادة ضخ الدماء في عروق الثورة في جنوب دمشق، بشرط العمل الموحد في كل المجالات، ونبذ الخلاف والفرقة.

تأتي هذه المحاولات الشابة؛ لتصويب الوضع القائم في جنوب العاصمة، ذي الملفات المتعددة والمعقدة، والتي يحتاج كل منها إلى معالجةٍ تختلف بحسب طبيعة ومعطيات الملف نفسه، وذلك؛ بحسب رمضان الذي أوضح، قائلًا: ” معظم ملفات المنطقة تحتاج إلى عمل جاد ومتواصل، وفق مقتضيات كل ملفٍ على حدة، فملف العسكر يختلف عن الملف الإغاثي والملف السياسي وملف القضاء، وأعتقد أنه لا بد من العمل عليها من خلال إنشاء لجنةٍ مشتركة، ومتوافق عليها من الجميع؛ لجمع الكلمة وتوحيد الصف”

تجمّع عبق الثورة الذي مازال حديث العهد، توقف عن العمل حاليًا؛ لأسباب عديدة أهمها وفق رمضان، العجز المالي وعدم توفر الدعم، إضافة إلى عدم التفاعل الجاد والإيجابي من بعض الفصائل العسكرية، وذلك؛ لأن المنطقة في حالة هدنة مع النظام؛ ما يلعب دورًا في انحسار الحاضنة الشعبية للثورة، مؤكدًا أن التجمع حاليًا في سياق تطوير أدواته وآليات عمله، وسيعود إلى العمل في أقرب وقت، على الرغم من كل الصعوبات التي يواجهها.




المصدر