on
قتلتُ المنفى بمذاق الدراق
رغدة حسن
وأنا صغيرة السن كنت أخاف من الليل، بسبب حكايات جدتي عن الغول واللصوص والأشباح، وكل مصادر الخوف التي تنشط في العتمة…
كنت أغطي رأسي؛ حتى لا أرى خيالاتهم تتحرك في غرفتي. قلبي يطرق بشدة، أشعر بأنفاسهم تقترب من وجهي، أرفع الغطاء ببطء، وأدقق في ظلمة الغرفة فلا أرى شيئًا… وأظل بين النوم والصحو؛ حتى يأتي ضجيج الصباح، يمسح، بندى فرحه، كل مخاوفي ويدعوني ليوم جديد ومغامرة جديدة.
حين قطعت فترة الطفولة ذهبت هذه الكوابيس، وحلّ مكانها قلق وهواجس مختلفة، وكنت أحاول استحضار مخاوفي الطفولية لأقتل قلقي؛ كما كنت أستأنس بها.
في تلك الفترة اكتشفت والدتي أنني أمتلك موهبة الكتابة، وأخبرتني أنها تقرأ ما أكتب في دفتري الصغير الأخضر الذي لا يفارق وسادتي. سألتني دهشة: من أين تأتين بأفكارك وخيالاتك؟!
أخبرتها عن كل مخاوفي وأنا صغيرة؛ تلك المخاوف التي كانت تصيبني بحمى لا تفارقني، وكم كنت أبكي وحيدة تحت غطائي.
ذات ليلة؛ وكان الخوف يكاد يفتك بي، عقدت اتفاقًا مع ملكة الليل؛ أخبرتها أنني لا أمتلك الشجاعة لأصرخ بوجه خوفي، علّه يهرب ويتركني وشأني. شعرت كأن دوامة تبتلع صوتي ولا أقدر على مقاومتها. أردت أن تعطيني مسحوقًا يمكنّني من التخلص من الخوف.
وهكذا قدمت لي ملكة الليل وصفتها السحرية وجعلت لصوتي يدين، تكتبان ما لا أقوى على قوله بصوت مرتفع. لكن، حين اجتاح البلاد طاعون الحرب، عادت المخاوف بوقع أقوى، ورافقتني في طريقي إلى المنفى.
عاشت مخاوفي معي وكبرت. حاولت طردها بكل الوسائل القديمة والجديدة، الحديثة والمتخلفة.
حاولت استحضار ملكة الليل؛ كل ليلة أجلس وأدعوها لتأتي، وأفشل.
صارت مخاوفي تكبر، كلما اتسعت دائرة الموت والقتل، وصار انتظاري لملكة الليل هستيريًا؛ أرجوها وأستحلفها أن تحضر، وأفشل من جديد.
في أحد الصباحات؛ وأنا أجلس يائسة، أتابع أخبار البلاد، أو ما تبقى منها، جاء طفلي الصغير وهو يحمل ثمرة دراق بكامل نضوجها، وأبهى تجل لألوانها.
سألته: من أين لك هذه؟ قال: كنت أبكي من شدة الخوف ليلًا، جاءت امرأة جميلة جدًا وأخبرتني أنها صديقة قديمة لك، وقدّمت لي هذه الدراقة، وقالت: حلاوة الدراق ستجعل صوتك أجمل في الغناء. حين تشعر بالخوف غنّ، وستهرب كل مخاوفك. ولا تنسَ أن تستمر في أكل الدراق.
وإلى الآن وابني يغني بصوته العذب، في ساحات المدن المنسية؛ يغني للفقراء والمقهورين والمنفيين، يزرع في كل أغنية بذورًا للأمل، ويقدم لنا جرعة من الحب المشبع بمذاق الدراق.
المصدر