هيئة لفك أسر المعتقلين تتوسط بين الفصائل والنظام .. والأخير لا يلتزم بالمعايير


برزت ظاهرة الاعتقال التعسفي من قبل نظام الأسد منذ بداية الثورة عام 2011، واستمرت حتى يومنا هذا، وظل التعاطي مع هذا الأمر ضعيفاً من قبل الجهات الحقوقية والإنسانية العربية والعالمية، الأمر الذي أكدته منظمة هيومن رايتس وتش، إذ أصدرت تقريراً في الرابع والعشرين من الشهر الفائت، بعنوان “خطوات نحو العدالة في سوريا”، أكدت فيه أن تحقيق العدالة لحقوق الإنسان في سوريا أمر بعيد المنال، لكنها أشارت إلى أن درع الإفلات من العقاب بدأ “يتصدّع”، وفق تعبيرها.

توثيق الأسماء والانتهاكات

وبحسب تقرير صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد معتقلي الثورة السورية منذ آذار 2011 بلغ 215 ألف معتقلاً، منها 76 ألف قائمة بحوزة الشبكة، معظمها موثق بشكل غير دقيق، نتيجة غياب إمكانيات التوثيق الدقيقة وآلياته، إضافة إلى العوائق الأمنية واللوجستية، وهو ما دفع مجموعة من المحامين والناشطين من أغلب المحافظات السورية لتشكيل هيئة تعرف باسم “الهيئة السورية لفك اﻷسرى والمعتقلين” تُعنى بهذا الأمر، وهي “منظمة شعبية حيادية لكل السوريين وغير تابعة ﻷي فصيل عسكري أو حزب سياسي، تقوم بتوثيق أسماء المعتقلين وانتهاكات النظام بحقهم والأوضاع الإنسانية والصحية لهم، وتسعى لإجراء عمليات تبادل لهم مع أسرى النظام والإيرانيين وعناصر حزب الله، إضافة لرصد السجون ومعسكرات الاعتقال، وحالات الاستعصاء داخل السجون وتسليط الضوء عليها إعلامياً وحقوقياً”، بحسب ما قال رئيس الهيئة المحامي “فهد الموسى”.

وأضاف الموسى، لصدى الشام، “نسعى من خلال هذه الهيئة لخدمة المعتقلين، من خلال حملات الحشد والمناصرة، ومن خلال التقارير اﻹعلامية والحقوقية للسجون وتسليط الضوء على تجاوزات مراكز ومعسكرات الاعتقال التابعة للنظام”، وأردف “قمنا كمجموعة من الناشطين بتشكيل مجلس إداري للهيئة، يضم عدة محامين، أنا رئيس الهيئة من محافظة حماة، والمحامي عبد الرزاق رزوق من حلب، والمحامية أمل النعسان من حمص اﻷستاذ محمد حاصود من إدلب”.

 وتابع “نقوم بالرصد من خلال التواصل مع أهالي المعتقلين، ولا يقتصر عملنا في تبادل المعتقلين مع فصيل معين، حيث بإمكان أي فصيل التواصل معنا ﻹجراء عملية وساطة والتفاوض مع أطراف النظام ﻹطلاق سراح معتقلينا، وفق الطلبات التي يحددها الفصيل، ونقوم بالتعامل مع جميع الفصائل بخصوص هذا الملف، ولا نعلن عن اسم الفصيل لضرورات التفاوض، ونحن بدورنا نسعى كمنظمة لإقناع الأطراف بإعطاء اﻷولوية في عملية التبادل للنساء واﻷحداث والمرضى واﻷقدم اعتقالاً”.

عمليات التبادل

وأكد التقرير العالمي لسوريا عام 2016، الصادر عن هيومن رايتس ووتش على استمرار

الاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري والتعذيب والوفيات جراء الاعتقال من قبل النظام، بالإضافة لإخفاء الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 20-30، واعتقال الأطفال والنساء والعجائز للضغط على ذويهم لتسليم أنفسهم، ضمن مراكز احتجاز منتشرة في كافة أنحاء سوريا، ومحاكمة ناشطي المجتمع المدني والحقوقيين والإعلاميين في محاكم مكافحة الإرهاب.

وأوضح رئيس الهيئة السورية لفك اﻷسرى والمعتقلين ” فهد الموسى” أن “النظام لا يلتزم بمعايير، ويحاول دائماً تمييع المفاوضات والتملص من أي تبادل جدي، وتقوم الفصائل بدورها بالتواصل معنا لنتواصل مع الجهة التي يتبع لها اﻷسير أو الجثة لكي يتم إيصال طلباتهم، فإما أن يكون تواصلنا مع النظام إن كان الأسير من النظام، أو مع حزب الله بالنسبة للأسرى الإيرانيين وعناصر الحزب”.
ولفت موسى إلى أن الهيئة تتألف من حوالي مئة ناشط، وهم لا يأخذون الدعم المادي من أي جهة، وعملهم تطوعي إذ يستمدون دعمهم  من الحاضنة الشعبية في ظل وجودهم بمناطق المعارضة في الداخل السوري في حلب وحماة وإدلب وحمص، مؤكداً أن ما يسعون له كهيئة هو “إطلاق سراح أكبر عدد من المعتقلين”.

 

 

أحوال المعتقلين وظروفهم

” يجحف النظام بحقوق المعتقلين الإنسانية، ويمارس عليهم كافة وسائل التعذيب ويدفنهم في مقابر جماعية، إضافة لكافة أنواع الإهانات والشتائم التي يتعرضون لها داخل السجون، وتدهور الحالات الصحية الجسدية والنفسية للمعتقلين المُفرج عنهم” هذا ما أكده محمد.ن، أحد المعتقلين السابقين في سجون نظام الأسد.

وأشار معتقلون مُفرج عنهم حديثاً إلى استمرار سوء المعاملة والتعذيب في مراكز الاعتقال، علاوة على سوء ظروف السجن التي تؤدي إلى الوفاة أحياناً، ما أدى لوفاة ما لا يقل عن 890 معتقل في سجون النظام عام 2015، بحسب تقرير هيومن راتيس ووتش.

وأوضح المعتقل محمد.ن أن “النظام أفرج عني بعد دفْعِ مبلغ وصل للمليوني ليرة، وذلك من خلال محامٍ ينسّق مع قضاة النظام، بعد أن وصلتُ إلى الموت النفسي والجسدي لشدة ما تعرضت له خلال سنة من الاعتقال”.

وتابع “لم أذكر يوماً لم أبكي فيه فقد كنت في كل يوم أقضيه في سجون النظام أتمنى الموت، وهذا حال كافة المعتقلين، خاصة حين كنا نجبر في أقبية المخابرات على حمل جثث المعتقلين الملفوفة في السجاد أو البطانيات الغليظة، والتي كنا نحملها في بداية الأمر دون أن نعلم أنها جثث لمعتقلين كانوا معنا، لنعرف فيما بعد أنها تضم جثامين معتقلين لم يكن ذنبهم إلا أنهم طالبوا بالحرية، وماتوا من كثرة التعذيب، أو لتدهور أوضاعهم الصحية التي لم تحتمل الضرب والرطوبة وقلة الشمس والغذاء”، راجياً أن “تتم محاكمة الأسد ومن معه في المحاكم الدولية التي لم تثمر حتى الآن عما يدين الجرائم الذي يرتكبها ذلك النظام الظالم”.

يذكر أن عدة دول، مثل السويد وألمانيا وفرنسا، كانت قد قامت بفتح تحقيقات بشأن بعض الأفراد الذين ارتكبوا جرائم خطيرة مثل التعذيب وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في سوريا، لاسيما بعد الأعداد المتزايدة من السوريين الذين فروا من الحرب ولجؤوا إلى أوروبا، إضافة لفتح المدعي العام في سويسرا تحقيقاً جنائياً في آب 2016 بشأن ارتكاب النظام جرائم حرب في سوريا.

 



صدى الشام