الغرام والسلطة إكسير الشباب

4 تشرين الثاني (نوفمبر - نونبر)، 2016
6 minutes

[ad_1]

دلال البزري

القابضون على السلطة، أو التواقون إلى المزيد منها، لا تختلف حالهم عن تلك التي يستمتع بها العاشقون: عيونهم تبرق، جنونهم ينطلق، أحلامهم تكبر، ومعها آمالهم، مترهْبِنون لموضوعهم، قابلون للإنقلاب على أوضاعهم، والمغامرة بها، يملكون الدنيا كلها… سلطة أو غرام، ديناميكيون، براكين من الطاقة والنشاط… تلك هي أوضاعهم المشتركة. مع الفرق، ان السلطويين، الطامحين إلى المزيد، ولدوا، وفي فمهم قطرات السلطة المقبلة، موروثة كانت، أم من صميم الطبائع، أم مكتسبة بحكم السياقات، أو القدر. وهم، قبل ان يبلغوا أعلى درجات مشتهاة من السلطة، لم يكونوا هامشيين، أو صعاليك شعراء مشردين فوضويين… ولا مجرّد نواب أو سياسيين عاديين، أو وزراء، أو محافظين، يلمّون بملفات الشأن العام. بل هم أكثر من ذلك: إنهم زعماء. أي، في منطقتنا، هم في حالة من السلطة “الطبيعية”، قبل السلطة “الرسمية”، “الشرعية”. ميشال عون، قبل بلوغه الرئاسة، أي ما يُعتبر عنده السلطة الأعلى، كان قائدا عسكرياً، قبل ان يتحول إلى زعيم غير عادي، تؤلّهه جماهيره، تتبعه على الخطأ والصواب، تقلّد أسلوبه في الصراخ، تتدثر بجناحيه، كما يفعل الأتباع الصالحون، الذين لا يرون في الحياة غير نبيّهم.

هنا يكمن سرّ الشباب الدائم لميشال عون، سرّ عصَبه المستنْفَر وهو تجاوز الثمانين. انه صاحب سلطة قديمة، ترنو إلى الجديد والمزيد منها. ما يمنحه حيوية خارقة، كتلك التي تُمنح للعشاق، تتجاوز العمر والصحة. وهو، أي عون، يلخص حالة قادة أنظمتنا المهترئة، الذين لا يتقاعدون، لا ينزلون عن الخشبة، إلا بقوة تقلّبات التاريخ. تراهم، وخلفهم من يجرّ كرسيهم المتحرك، والأمراض التي لا يد لهم فيها… ومع ذلك، هم مثل العاشقين، يملكون الطاقة على مواصلة الإمساك بسلطتهم، ولو بالإنابة.

ميشال عون ليس تماماً أعجوبة في عالم السلطة العربية؛ انه تلخيص للمعجزات التي يمكن للرغبة المنطلقة بالسلطة، الحرّة باستمرارها وبإعلاء درجتها، بأن تجعل صاحبها يمشي مثل الرمح على وقعْ نغم التعظيم… فيما مجايلوه يقرّون في بيوتهم، يخشون نسمات الخريف، محبَطون، حزينون على إقتراب آخرتهم، ينشدون ربما الموت على البقاء، وينظرون إلى ميشال عون وكأنه كائن فضائي، غطّ عليهم على حين غرّة، ويحمل معه دروساً في الحياة، لم يَعُد الوقت المتبقّي على هذه الأرض يسمح لهم بالإستفادة منها.

أنظر إلى باراك اوباما، “رئيس” أقوى دولة في العالم، وإلى ميشال عون، “زعيم” طائفة لعقود، ثم رئيساً لجمهورية منهارة: الأول، الشاب الأربعيني، المتواضع منذ البداية، صلاحياته قليلة، قياساً الى كونغرس يعاديه، شابَ شعره بعد عهدين من حكمه، خسر من وزنه وتألّقت بشرته، فيما ميشال عون دخل إلى القصر الجمهوري، هو الثمانيني، بكامل لياقته، وبريق وجهه ونظرته، والرضا بالوجود، مسنوداً بسلطته الزعامية على مسيحيي بلاده. ولتصحّ المقارنة مع أوباما، قد يقول قائل بأن رئاسة الجمهورية ومترتباتها سوف تهلك عون، أو بأنه لن يكون بمقدوره الحكم من دون عائلته، وسوف يفنى حتما من الوجود بعد الآن… قد يكون ذلك صحيحاً، أو نصفه صحيح، وقد لا يكون، كما علّمنا مسار عون نفسه. بل قد يخرج علينا بعد ست سنوات، ناشطاً ومطالباً، بعزم البدايات الأولى، بالتمديد لعهده.

ومع ذلك، ثمة فوارق جوهرية بين الغرام والسلطة: الحب لا يقتل غير أصحابه، فيما السلطة تقتل، في طريقها، ومن دون حساب، أقربين وأبعدين. بل قد يكون نشاطها القاتل هذا، هو شرط من شروط استمرارها. الغرام يمكن ان يدفع إلى المغامرة غير المحسوبة، سعياً للسعادة، فيما السلطة تخوض المغامرة المحسوبة، الجهنمية… من أجل الحصول على المزيد من السلطة، من الغنائم، من الحصص.

الغرام كذلك يقوم على الوفاء، على الصدق، وإلا ما عاد هو، إنما صار لعبة تقليدية، أو جديدة، بين الجنسين. أما السلطة، فلا تحتمل أبداً لا وفاء ولا صدق، وإلا هلكَ الساعي إليها من أول الطريق. كل كلماته يمكن أن تتغير، والعهود، والإلتزامات، والتفاهمات، وكلها لا معنى لها، أو أن معناها للبلهاء المصدِّقِين. وعبارات “الوفاء الأخلاقي” مجرّد إطناب يزيّن السلطة الحقيقية، البشعة دائماً… هذا ما يجعل الحب حالة طارئة، عابرة، شمس مضيئة زائلة؛ فيما السلطة أبدية، تتجاوز كل المحن، وإلا زالت وجاء غيرها. فهي مثل الأفكار، لا تحب الفراغ.

هذا هو سرّ ميشال عون ربما: مزج بين الغرام والسلطة. أُغرم بها مبكراً، وكافأته. فكان إكسيره مضاعفاً، جامعاً بين شغفين، لا تعود تعرفهما، لا تفصلهما عن بعضهما. وكانت معجزة صباه وتألقه، مسنّاً شاباً بين المخضرمين. ولكن، من الآن فصاعداً، علينا مراقبة قدرته على الإستمرار في هذا الغرام بالسلطة. التجربة أمامنا بعد الآن، وقوامها: هل ستكون سلطة “الرئاسة” أقل سلطوية من سلطة “الزعامة”، أم أكثر؟ وفي كلتا الحالتين، كيف تكون أخبار شبابه الدائم؟

“المدن”

[ad_1] [ad_2]