Written by
MICRO SYRIA ميكروسيريا
on
on
أرامل ريف إدلب… في مواجهة الفقر وقلّة الأجور والعادات البالية
بقلم هدى يحيى (ريف إدلب).
لم يكن من السهل على لمياء (22عاما) وهي أرملة وأم لطفلين أن تختار الزواج مرّة أخرى، وذلك بعد تعرّضها لظروف قاسية، أهونها الفقر وقلّة الدخل وأصعبها تحكّم البعض بحياتها، ولذلك لم يعد لديها خياراً آخر على حدّ وصفها.إنّ استمرار الحرب في سوريا على مدى خمس سنوات أدّى لمقتل عدد كبير من الأزواج، وهذا ما زاد عدد الأرامل، حيث وجدت المرأة السورية نفسها في مكان المعيل للأسرة، في أوضاع صعبة يسودها انعدام الأمن والاستقرار، والذي رافقه شبه انعدام لفرص العمل، يضاف لكلّ ذلك عادات وتقاليد بالية تحول دون خروج المرأة وبحثها عن عمل.“بعد استشهاد زوجي في أغسطس 2013، استوّدت الدنيا في عيني، وخاصة وأنه لم يترك لي مصدر رزق أو منزل نعيش فيه على الأقل، وهذا ماجعلني مشرّدة بين بيت أهلي وأهل زوجي على مدى سنتين”. هذا ما تقوله لمياء، التي ورغم مضايقة الطرفين لها آثرت التحمّل من أجل ولديها رائد (5سنوات) ومحمد (3سنوات)، ولأنّه من الصعب على لمياء أن تجد عملاً كونها لا تحمل شهادة أو تتقن مهنة تؤهلها للعمل، ولأنّ أهلها ضد أن تخرج من المنزل وتبحث عن عمل وهي لا زالت شابة، فقد وافقت على أوّل عريس طرق بابها، وكان أحد المنتمين للفصائل الإسلامية المقاتلة وقبل أن يتكفل بولديها.وافقت لمياء لتضع حداً لمعاناتها وتشرّدها حتى ولو كانت الزوجة الثانية، وتبرّر قائلة “أنا بحاجة لرجل يقف بجانبي ويساعدني على تربية أبنائي، ذلك خيراً من أن أبقى في بيت أهلي وأهل زوجي لأخدمهم طوال الوقت دون كلمة شكر حتّى”.تحديّ المجتمعقصة لمياء مشابهة لقصص الكثيرات في ريف إدلب، ولكنّها لا تعني استسلام جميع الأرامل لواقعهن، فسهيلة (35عاما) من مدينة كفرنبل، والتي استطاعت بإرادة قوية وعزيمة صلبة أن تتحدّى مجتمعها المتحفّظ وظروفها الصعبة بعد أن غدت معيلة لأبنائها الأربعة عقب وفاة زوجها في سجون الأسد، تعلّمت مهنة الخياطة في مركز مزايا، وهو مركز لتدريب المرأة في كفر نبل، وبدأت تزاول المهنة بكلّ اتقان وحرفية وإبداع، إذ تقول لحكاية ما انحكت: “لم أكن لأستسلم لليأس لأنّني على يقين بأنّني إن لم أفعل شيئاً فلن أجد من يعيلني وأولادي”، فكان أن تعلمت المهنة بفترة قصيرة، وبدأت تعمل وتؤمّن المستلزمات الأساسية لبيتها، متابعة: “إصراري على تعلّم المهنة ساعدني على الإبداع فيها، حيث أقوم بتصميم وخياطة أحدث الموديلات وأجملها وهذا ما جعل الإقبال عليّ كبير من قبل الزبونات”.رغم ذلك، لم تكن طريق سهيلة مفروشة بالورد، فهي (وفق ما أكدّت) واجهت مضايقات من أخواتها ومجتمعها في البداية، إذ مانعوا خروجها لمركز تدريب المرأة بدعوى أنّها ليست ملزمة بإيجاد عمل لأنّ الإنفاق عليها وعلى أولادها هو من واجب أهل الزوج، غير أنّ سهيلة لم تصغي، متحدية “من لا يستطيع مساعدتي لا يقف في طريقي فأنا أعرف ما الذي أفعله، وإن ما أقوم به ليس عيباً أو حراماً”. كان يصعب على سهيلة أن تنتظر من يشفق عليها وعلى أولادها حتى لو كانوا من الأقرباء، موقنة بأنّ مساعداتهم (إن ساعدوها) “لا تسمن ولاتغني من جوع” على حدّ تعبيرها، وتشير لأنّها الآن أصبحت مستقلّة مادياً ومعنوياً، فهي تشعر بالرضا والنجاح لأنّها لم تعد ذلك الكائن الضعيف الذي يشكّل عبئا على الآخرين.غبن في الأجورزيادة عدد النساء الأرامل العاملات في ريف إدلب، جعل الطلب على العمل كبيراً، ما جعلهن عرضة للغبن في مسألة أجور النساء العاملات من خلال استغلال جهودهن بأبخس الأجور، علماً بأنّها لا تقلّ إنتاجاً عن الرجل العامل بذات المجال، إذ تشكو سعاد الموسى (30عاما) من تدنّي أجرتها من خلال عملها في الأراضي الزراعية، والتي لا تتناسب مع الغلاء الكبير، فهي تتقاضى 200 ليرة سورية (أقل من نصف دولار) في الساعة، بينما يتقاضى الرجل بنفس مجال العمل مبلغ 400 ليرة سورية (الدولار بـ 550 ليرة سورية) في الساعة، و”هذا إحجاف بحق النساء، ولكنّنا بحاجة للعمل ولذلك مضطرات للقبول بأي أجر حتى لو كان زهيدا “، كما تقول سعاد لحكاية ما انحكت.أم محمد الأربعينية تعمل في مكبس للتين المجفّف لمدّة ثمان ساعات في اليوم لتتقاضى مبلغا بسيطاً وهو 800 ليرة سورية (دولار ونصف الدولار) يومياً، ماعدا يوم الجمعة، بحيث تقول “على الرغم من قلّة الأجرة ومشقة العمل فأنا راضية بعملي لا سيما وأنّني أرى الكثيرات من الأرامل اللواتي بحاجة لعمل ولايجدن في هذه الظروف”.أما راغدة (32عاما) فهي ليست بأفضل حظاً لأنها أرملة ولديها ثلاث أبناء أحدهم معاق، وهي تعمل في عيادة خاصة كممرضة، وتتقاضى أجراً بخساً إذ لايتجاوز راتبها الشهري 15 ألف ليرة سورية (ثلاثون دولار)، علماً إنّها تداوم بشكل يومي من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الثانية عشرة ظهراً، فهي تقوم بتسجيل أسماء المرضى وتنظيم الدور، وفي نهاية الدوام تنظف العيادة، ولكن “المبلغ الذي أحصل عليه لا يكفي ثمنا للخبز وبعض الخضار، لذلك اضطررت لدفع ولدي أحمد البالغ من العمر (12عاما) للعمل في إحدى مغاسل السيارات ليساعدني على الإنفاق”، متابعة بحسرة “أشعر بالظلم ولكن ماذا أفعل؟ ليس باليد حيلة”. تتحدث المرشدة النفسية والاجتماعية فاتن السويد عن وضع الأرامل من الناحية النفسية: “تواجه المرأة الأرملة ضغوطات متعدّدة، ويرجع ذلك إلى حداثة عمل المرأة خارج المنزل وإلى المعوقات الاجتماعية المختلفة، إضافة لتركيبة المرأة الخاصة التي لم تعتاد سوى أن تكون ربة منزل فقط”، وتنوّه السويد إلى أنّ “مساعدتها نفسياً تتطلّب إعداداً وتأهيلاً ووقتاً كافياً كي تستطيع المرأة تلبية متطلبات الحياة الكثيرة، فهي بحاجة لدعم مادي ومعنوي لتتمكن من الثبات والوثوق بنفسها ككائن منتج وفعال، لا سيما وأنّها لا تزال تشعر بالارتباك والقلق، وأحيانا الخجل وتأنيب الضمير لكونها تعمل خارج المنزل، تاركة أطفالها لوحدهم لفترة ليست بالقصيرة، فالدور الذي ألقي على عاتقها كربّة منزل ومعيلة ومربية في آن واحد ليس بالأمر السهل عليها”. ورد في إحصائية لعدد النساء الأرامل في كفرنبل وحدها بحسب مجلسها المحلي بأنّ عددهن تجاوز الـ 4 آلاف نسمة، مع العلم بأنّ عدد سكان هذه المدينة هو 35 ألف نسمة وعدد النساء الإجمالي فيها هو 13 ألف نسمة، إذ يقول لحكاية ما انحكت أحد أعضاء المجلس المحلي أبو محمد (45عاما) “ثمّة ألم ومعاناة تعيشها تلك الأرامل اللواتي فرضت عليهن جرائم النظام الخوض في تداعيات الحرب، كم كان بودّنا مساعدتهن لتأمين عمل لائق بهن، ولكن وللأسف فإنّ منحهن سلّة غذائية شهرية هو كلّ ما نستطيع تقديمه لضعف إمكانيات المجلس”.وبينما تعيش البلاد حربها الحاسمة في التخلص من ظلم النظام وأعوانه، ومن داعش أيضاً، لأجل حصولها على الحرية التي لا بديل عنها، تستمر الأرامل في ريف إدلب بمعركتهن الكبرى، والتي تتجلّى في التأقلم مع وضعهن الجديد بعد فقدان الزوج والسند والمعيل، فـ “الحرب تركت أولئك النساء في مهبّ الريح مع أطفال أيتام يحتاجون لرعاية الأب وحنان الأم، وفي الوقت الذي تعاني فيه الأم من صعوبة الحصول على متطلبات أولادها هنالك مجتمع يرصد تحرّكاتها وفقاً لعادات وتقاليد بالية لا ترحم” كما تقول السويد لحكاية ما انحكت.(الصورة الرئيسية: نساء في مركز مزايا خلال إحدى الفعاليات التي ينظمها المركز. المصدر: الصفحة الرسمية لمركز مزايا على الفيسبوك بتاريخ 30 اكتوبر/ 2016)