الأسر السورية واللجوء..معاناة انتظار وتفكك وطلاق


تسكن مها في الطبالة في ضواحي دمشق، وتكافح مذ غادرها زوجها عيسى إلى فرنسا قبل عام، لإطعام أولادها وتأمين حاجاتهم.

أما الزوج فهو يكافح لإقناع زوجته بأن ضآلة حجمه أمام برج إيفل، ليست إلا حركة فنية لصورة كاميرا التُقِطت على عجل، وأنه يعيش ملكاً في باريس.

تعرف أن زوجها بات رجلاً بوجهين، وجه للصباح يسرّح شعره، يتأنق، يلتقط الصور ويرسلها، وآخر للمساء يعاني كي يتدبر مصروفه.

وتقول: "سنة وأنا أعيش على أمل اللحاق به، لكنه لم ينل الإقامة حتى الآن وظروفه صعبة جداً. كل ما في جعبته ذاكرة كاميرا تتسع لآلاف الصور، يلتقط ويرسل، وأنا مللت التصفّح".

وتضيف بسخرية: "يريد مني أن أتذوق جمالية برج إيفل وأنا أسكن في عشوائيات الطبالة (...) قلت له أخيراً، توقف عن إرسال الصور، أرسل مالاً أو عُد إلينا".

وتشرح أن ما يثنيه عن العودة هو "الخجل من الأهل والأصدقاء"، وتضيف: "نصحه الكثيرون بالبقاء هنا، حيث لا تزال هناك فسحة للعيش برغم ضيقها، لكنه أصرّ على طلب اللجوء. اليوم لا يستطيع أن يواجه من قدّم النصح له ولا يملك جرأة الاعتراف بالخطأ، هو الآن في نصف الطريق تماماً، لا يستطيع أن يكمل ولا يستطيع أن يتراجع".

وتتابع "لا يملك الآن إلا التباهي بأنه في فرنسا، وأنا لا أملك إلا أن أتباهى معه أمام صديقاتي بأنه لاجئ قدّ الدني".

أما أبو مجد، فقد باع منزله وترك عمله كي يلحق بزوجته التي سبقته إلى ألمانيا بصحبة أولادهما، لكنه لم يستطع، بعدما قارب الخمسين من عمره، أن يتأقلم مع الحياة هناك ولم يتمكن من تعلم اللغة الألمانية، فطلب من زوجته أن تعود معه إلى جرمانا في ريف دمشق، لكنها رفضت، وعندما احتدّت الأمور بينهما، هدّدته باستدعاء الشرطة وطلبت الطلاق.

عاد الزوج إلى البلد فارغ اليدين، من دون زوجة أو أولاد، وبلا بيت وعمل، بكثير من اليأس وخيبة الأمل والفراغ. ويقول: "اليوم أدركت ما معنى الديموقراطية، الديموقراطية هي التي تأخذ زوجتك وتسلبك أطفالك أمام عينيك بتشجيع وتصفيق من الناس، من دون أن تكون قادراً على ضم ولدك إلى حضنك".

تفككت العائلة في سورية ما بعد الحرب، وفقدت الأسرة استقرارها، ليجد السوري اللاجئ نفسه فجأة أمام نمط جديد من الحياة والعادات والقوانين، حمل معه مشكلات جديدة وتناقضات لم يسبق له أن واجهها.

وظهرت نتائجها في نسب حالات الطلاق المرتفعة، التي تنوّعت بين الطلاق الغيابي والهجرة والظروف المعيشية القاسية وفقدان المنازل والنزوح والمشاركة في الأعمال العسكرية.

نمط الحياة الجديد الذي فرضته ظروف الحرب والهجرة كانت له إيجابياته تماماً كما سلبياته. ففي أوروبا، وجدت المرأة السورية نفسها في بلدان متحضّرة تقدم دعماً مادياً وتتيح للمرأة التي ترغب في الانفصال عن زوجها سكناً منفصلاً، ومصدراً للدخل يعيلها وأولادها.

وهو ما شجع العديد من النساء على طلب الطلاق، لتنقلب الأدوار ويصبح الزوج هو السجين، والزوجة هي السجّان. ويبدو أن المرأة أمسكت الهراوة جيداً هذه المرة، فمنذ وصولها إلى أرض الحرية كما ترى، وبات على الزوج أن يدفع ثمن التكلّم بصوت عال في وجهها.

في السويد مثلاً: كانت هناك أعلى نسبة طلاق بين اللاجئين وفق كلام منسوب الى مديرة "المركز التخصصي للتأهيل والإرشاد" في العاصمة ستوكهولم، "أنيكا أستروم"، يوضح أن عدد حالات الطلاق وفقاً للإحصاءات وصل إلى 86 حالة عام 2015. وعلى العكس، واجهت المرأة السورية في دول عربية كلبنان والأردن، ظروفاً قاسية أبقتها أسيرة الزوج لعدم توفر المكان أو المعيل أو العمل في حال انفصالها عن زوجها.




المصدر